هاجم الحقوقي والمعارض السوري البارز، هيثم المالح، قرار وزراء الخارجية العرب برفع التجميد المفروض على عضوية
سوريا بالجامعة العربية منذ عام 2011، قائلا إن "هذا قرار مؤسف للغاية، ويُشكّل اعتداءً صارخا على حقوق الشعب السوري، وأنا أعتبره هو والعدم سواء، وعار على جبين مَن أصدروه".
وفي مقابلة خاصة مع "عربي21"، أكد المالح أن "قرار جامعة الدول العربية -أو حتى منظمة الأمم المتحدة- لا يضفي الشرعية على نظام فاقد تماما للشرعية من قِبل الشعب الذي ثار عليه؛ فالشعب هو مصدر السلطات، وهو الذي يضفي الشرعية على الحكم، بينما عندما يثور الشعب تسقط مشروعية أي سلطة".
وشدّد المالح -المُلقب بشيخ الحقوقيين السوريين- على أن "الأنظمة العربية لا ترغب في وجود نظام ديمقراطي في سوريا؛ لأن معظم هذه الأنظمة من المحيط إلى الخليج أنظمة استبدادية عسكرية أو ذات طابع عسكري، سواء كانت ملكية أو جمهورية".
والأحد الماضي، قرر وزراء الخارجية العرب -خلال اجتماع عُقد في العاصمة المصرية القاهرة- استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتبارا من 7 أيار/ مايو الجاري.
وقبل 12 عاما، كان مجلس وزراء الخارجية العرب قرر في اجتماع طارئ عقده في مقر الأمانة العامة للجامعة العربية، تعليق مشاركة الوفود السورية في الجامعة، اعتبارا من 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011.
وتحدث المالح بمرارة وأسى عن جرائم الاغتصاب التي ترتكبها قوات النظام السوري، وقال: "يوجد الآن نحو 40 ألف امرأة وفتاة في المعتقلات، ومنهن عدد ليس بقليل حملن سفاحا نتيجة اغتصابهن المتكرر وبشكل بشع داخل السجون، وهناك من الفتيات مَن ولدن أكثر من طفل في السجن، ونحن وثقنا تلك الجرائم البشعة التي حدثت بتوجيه علوي مباشر من قِبل
بشار الأسد والطغمة الحاكمة معه".
وأوضح أن المرسوم التشريعي رقم 2 للعام 2023 الخاص برعاية وتنظيم شؤون الأطفال مجهولي النسب، والذي أصدره بشار الأسد مؤخرا، جاء انطلاقا من أن "طغمة النظام تعرف أن هناك عددا كبيرا من الفتيات والنساء حملن سفاحا وأنجبن في السجون، ولا يزال حتى الآن عدد كبير منهن يُمارس عليهن الاغتصاب".
وفي ما يلي نص المقابلة الخاصة التي أجرتها "عربي21" مع هيثم المالح:
كيف تقيّم المشهد السوري اليوم؟
نظرا لانعدام القيادة السياسية الفعلية للسوريين فإن المشهد سيء للغاية، والسوريون لديهم إصرار على الثورة، وإصرار على إسقاط النظام، لكن المشكلة في عدم وجود قيادة حقيقية للثورة، وهذه مشكلة أساسية نعاني منها منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن.
ما السبب في ذلك؟
هناك عوامل متعددة، أهمها أن الثورة كانت عفوية تماما فقد اندلعت دون تدخل أي تنظيمات سياسية على الساحة السورية، ومنذ الانقلاب الأول عام 1949 على يد حسني الزعيم وحتى الآن تعيش البلاد في ظل انقلابات عسكرية، وحكم عسكري، واستبدادي، وهذا النوع من الحكم البوليسي الاستبدادي لا يدع مجالا للناس لتشكيل قيادات أو هيئات لقيادتهم، وكما هو معلوم لا نجاح بدون قيادة، وتبقى الأوضاع في حالة من عدم الاستقرار.
منذ وصول حزب البعث للحكم في عام 1963 وحتى اندلاع الثورة في 2011 وهناك تحرك دائم لمعارضة حكمه، ولكن لم تنجح جميع الحركات بسبب غياب القيادة، كما لم يسمح النظام السوري (نظام البعث) ومن قبله من الأنظمة العسكرية بوجود قيادة سياسية للناس، ولا حتى بوجود أحزاب فعلية للقيادة.
كيف استقبلت موافقة الدول العربية على إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية مرة أخرى؟
هذا قرار مؤسف للغاية، ويُشكّل اعتداءً صارخا على حقوق الشعب السوري، وأنا أعتبره هو والعدم سواء، وعار على جبين مَن أصدروه. وقرار جامعة الدول العربية -أو حتى منظمة الأمم المتحدة- لا يضفي الشرعية على نظام فاقد تماما للشرعية من قِبل الشعب الذي ثار عليه، وذلك على اعتبار أن الشعب هو مصدر السلطات وهو الذي يضفي الشرعية على الحكم، بينما عندما يثور الشعب تسقط مشروعية أي سلطة.
كيف تنظر لقيام بعض الأنظمة العربية بالتطبيع مع النظام السوري؟
اليوم عندما تأتي أي دولة من أجل أن تصافح بشار الأسد فهو عمل سقيم وحقير وتافه جدا؛ فهل يقبل هؤلاء الذين جاءوا إلى دمشق من مصر أو السعودية أو الإمارات، أن يحكمهم أمثال المجرم بشار الأسد الذي فعل في سوريا ما فعل؟
وكيف يصافح هؤلاء نظاما فاقدا للشرعية، والفقه الدستوري في العالم كله يقول: "الشعب مصدر السلطات"، والشعب ثار في وجه السلطة التي فقدت شرعيتها؛ فثورة الشعب السوري تعني سحب التفويض الذي أعطاه لهذه السلطة لتمثيله وإدارة شؤونه، وبالتالي أصبحت السلطة بلا تفويض.
بشار الأسد يحكم سوريا خارج القانون الدولي وخارج الدستور، فكيف تأتي دول عربية لتصافح نظاما فاقدا للشرعية، كما أن وجوده في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة لا يكسبه الشرعية، فالشرعية تمنح من قِبل الشعب وليس من غيره.
النظام استدعى الروس والإيرانيين لاحتلال سوريا، والأراضي السورية الآن عليها عديد من الجيوش الأجنبية التي تتنازع المكاسب في كل مكان؛ فبشار الأسد باع جزءا كبيرا من سوريا عن طريق القواعد الجوية والبحرية لبوتين -المُبتلى في حربه بأوكرانيا– وكذلك باع النفط والغاز والفوسفات إلى دول أجنبية، وكل العقود التي أبرمها بشار الأسد مع دول أجنبية هي عقود باطلة، ولا وليس لها أي أثر قانوني.
هل من المتوقع أن تقبل المعارضة والشعب السوري فكرة "تعويم النظام" لحين تغير الاستراتيجيات في المنطقة، ومن ثم تغيير شخص بشار أو المنظومة الحاكمة بالكامل؟
بالطبع إذا تغير بشار الأسد سيتغير الوضع إلى حد بعيد، ولكن ليس كافيا؛ فالصراع بيننا وبين النظام، وما تبعه من اقتتال وقع على إثره شهداء من الشعب والعديد من قتلى النظام أمر مفهوم، أما قضية انتهاك أعراض بناتنا ونسائنا في سجون بشار الأسد فهو أمر غير مقبول بالمرة؛ فيوجد الآن نحو 40 ألف امرأة وفتاة بداية من عمر 12 سنة، ومنهن عدد ليس بقليل حملن سفاحا نتيجة اغتصابهن "المتكرر" في السجون، وهناك من الفتيات مَن ولدن أكثر من طفل في السجن، ونحن وثقنا ذلك.
وهناك فيديوهات صوّرها "الشبيحة" لأنفسهم وهم ينبشون قبور الموتى، فهل يتصور أن نظام حكم وطني يقوم أعوانه ومريديه بنبش قبور الناس؟ هذا أمر غريب جدا.
وهناك جرائم في منتهى الخسة والنذالة: كأن يأتي مسؤول في الجيش أو الأمن أو بأي جهة فيعتدي على ابنتك أو زوجتك، كيف نتقبل هذا الواقع المرير، وفروع العسكر كلها شهدت أعمالا مشينة للغاية في حق المواطن السوري، وفي حق السيدات السوريات، وفي حق بناتنا وأبنائنا ونسائنا، وكلها بتوجيه مباشر من قِبل بشار الأسد والطغمة الحاكمة معه، فما وقع في أحداث الثمانينات في حماة يقع بنفس الصيغة الآن، بل وبصور أبشع.
والآن كيف للسوريين الموجودين في خارج البلاد أن يعودوا ليواجهوا مَن يديرون البلد من أفراد الجيش والأجهزة الأمنية (المخابرات والشرطة السياسية وكل الفروع الأمنية) الذين أساؤوا لأسرنا ولأبنائنا وبناتنا ونساءنا، وارتكبوا أعمالا بشعة ومشينة وخسيسة جدا؛ فكيف لنا أن نتعايش مع هؤلاء في سوريا ما لم تُنصب محاكم للمجرمين.
يجب أن تكون هناك عدالة انتقالية من أجل تحقيق العدالة للسوريين حتى يشعر كل إنسان بأنه أخذ حقه في القضاء.
متى بدأت عمليات الاغتصاب داخل سجون النظام؟
بدأت منذ عام 2011، ففي هذا العام بدأت عمليات اعتقال الفتيات، وخاصة الفتيات المسلمات المحجبات؛ فتم اعتقالهن والاعتداء عليهن جنسيا واغتصابهن في السجون، وخلال هذه الفترة كانت الثورة سلمية، واستمرت سلمية حتى 2012، ومع ذلك لم يتوقف النظام عن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة البشعة بحق المواطنين السوريين الذين هم أبناء شعبه ويملكون هوية سورية، فكيف لسوري أن يفعل ذلك بأخته أو جارته؟!
هل لديكم إحصائية بعدد الفتيات المغتصبات داخل سجون بشار الأسد؟
لا نستطيع إحصاء العدد بالضبط، لكن المؤكد أن هناك نحو 40 ألف سيدة في السجون، لم تسلم من الأذى إلا القليل منهن، بسبب كبر السن، أو غير ذلك.
في سجن «عدرا» على سبيل المثال قرابة 800 فتاة معظمهن حملن سفاحا داخل السجن نتيجة عمليات اغتصاب بشعة، حيث تؤخذ الفتيات وبخاصة المحجبات أو المتدينات منهن كـ "محظية" إلى كبار الضباط في السجون والمراكز الأمنية، ويقضوا برفقتهن سهراتهم الحمراء.
معظم المعتقلات المسجونات منذ 2011 جرى الاعتداء على شرفهن في سجون بشار الأسد.
وأخاطب الحكام العرب: هل يقبلون أن يصافحوا هذا المجرم الذي اغتصب أخواتهم وبناتهم؟ لا أتصور عربيا لديه شرف، وكرامة يقبل أن يصافح بشار الأسد، والطغمة الحاكمة لسوريا، فهذه الطغمة يجب أن تُحال إلى القضاء، وتُحاكم على الأفعال التي ارتكبتها.
بشار الأسد أصدر مؤخرا المرسوم التشريعي رقم 2 للعام 2023 الخاص برعاية وتنظيم شؤون الأطفال مجهولي النسب.. ما أبعاد ذلك؟
بشار أصدر قانونا خاصا للقطاء «أولاد السفاح»، لأنهم يعرفون أن هناك عددا كبيرا من الفتيات والنساء حملن سفاحا وأنجبن في السجون، ولا يزال حتى الآن عدد كبير منهن يُمارس عليهن الاغتصاب بشكل يومي.
لا يوجد في العالم العربي، وربما في العالم كله مَن يقبل أن يحكم أمثال هؤلاء؛ فبشار الأسد والعصابة الحاكمة منفلتون تماما من القيم الأخلاقية والدينية والقانونية والإنسانية.
وحين اُعتقلت آخر مرة قلت إن السلطة في سوريا "سلطة فاشلة"، بمعنى فاشلة فهي تدير البلد بالأوامر، والبلاغات، والتعليمات المخالفة للمؤسسات، والمخالفة للأنظمة، وللدين، ولكل شيء.
وهي "سلطة مارقة"؛ لأن بشار الأسد والنظام الحاكم رفض تنفيذ سائر قرارات المجتمع الدولي، أو ما تسمى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، بما فيها القرارات الجماعية التي وافقت عليها موسكو وطهران اللتين تتحكمان في القرار السوري، وافق الجميع على العديد من القرارات، ومع ذلك لم ينفذ بشار الأسد القرارات الأممية، ولم ينفذ القرارات العربية التي صدرت عن جامعة الدول العربية.
من جملة القرارات التي لم تنفذ ما سميت "النقاط الست" أو خطة سلام كوفي عنان لبناء الثقة، وقد صدر القرار الأول من مجلس الأمن بتبني تلك المبادرة، التي كانت تنص على: إطلاق سراح السجناء، وإطلاق سراح السجينات، إبعاد الجيش عن التصدي للمظاهرات، حتى لا يصبح الجيش طرفا في الصراع، ومع ذلك زجّ بشار الأسد بالجيش في مواجهة الشعب بدلا من تحرير الجولان؛ فأرسل الجيش لمحاربة الشعب السوري وقتل الشعب.