أثار
مشروع
الموازنة الجديدة الذي أحالته الحكومة
المصرية إلى مجلس النواب لمناقشته ردود
فعل واسعة؛ بسبب تضمنها أرقاما سلبية قياسية وغير مسبوقة تتعلق بزيادة الديون، ونسبة
الدين إلى الناتج المحلي، وتآكل
الدعم بشكل حاد وزيادة الأعباء على المواطنين.
تتوقع
وزارة المالية المصرية أن تبلغ النفقات في مشروع موازنة 2023-2024 -التي تبدأ في تموز/
يوليو المقبل- 3 تريليونات جنيه (نحو 97 مليار دولار)، فيما تبلغ الإيرادات المتوقعة
2.1 تريليون جنيه مصري (نحو 68 مليار دولار).
وبلغت
مخصصات دعم السلع التموينية 127.7 مليار جنيه (نحو 4 مليارات دولار)، بينما ارتفع معدل
عجز الموازنة المتوقع إلى 6.9% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي المقبل،
مقارنة بنحو 6.4% بنهاية العام المالي الجاري.
بحسب
مشروع الموازنة، فإن 56% من الاستخدامات تذهب إلى مخصصات سداد
القروض والفوائد، وفي
المقابل، يمثل الاقتراض 49%، وارتفعت مخصصات الفوائد 44%، فيما شهدت مخصصات الفوائد
ارتفاعًا 36%.
تعكس
الأرقام السلبية في الموازنة الناجمة عن نقص النقد الأجنبي وتراجع العملة المحلية لمستويات
متدنية وزيادة الالتزامات المالية بحسب خبراء اقتصاد تأزم الوضع الاقتصادي، حيث خفضت
الحكومة المصرية مستهدفات النمو إلى 4.1% مقارنة بمستهدفات سابقة عند 5.5% بنسبة
تراجع نحو 34%، وباتت الأسوأ من بين جميع الموازنات المصرية.
سجل
الدين الخارجي مستوى تاريخيا عند 162.9 مليار دولار في نهاية كانون الأول/ ديسمبر
2022، مقابل 145.5 مليار دولار نهاية عام 2021، أي بزيادة نحو 17.4 مليار دولار وبنسبة
11.9% حسب بيانات حكومية.
قفز
حجم الاحتياجات التمويلية اللازمة لتغطية عجز الموازنة العامة للدولة، ويُقدر
حجم الاقتراض بنحو 2 تريليون و140 مليارا و4 ملايين جنيه، بمشروع الموازنة العامة مقابل
نحو تريليون و688 مليارا و6 ملايين جنيه بموازنة السنة المالية الحالية 2022/2023 بزيادة
قدرها 451.8 مليار جنيه بمعدل زيادة قدره 26.8%.
وكشف
وزير المالية المصري محمد معيط عن زيادة مستويات الدين في مصر نتيجة انخفاض سعر الجنيه،
حيث زاد مستوى الدين 1.8 تريليون جنيه، (الدولار يساوي نحو 31 جنيها)، وتوقع أن تصل
نسبة الدين إلى 95% من الناتج المحلي في الموازنة الجديدة بسبب ارتفاع نسبة التضخم
الذي أدى لارتفاع تكلفة خدمة الدين.
تتوقع
وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني أن تواجه مصر صعوبة في تأمين احتياجاتها
من التمويل الخارجي في السنة المالية الجديدة، وأرجعت ذلك إلى زيادة قيمة الديون الخارجية
التي تستحق السداد خلال تلك الفترة إلى 7.2 مليارات دولار.
في حين
ترى وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني أن "مصادر التمويل
المصرية قد لا تغطي المتطلبات المرتفعة لتمويل الدين الخارجي" للسنتين الماليتين
الحالية والمقبلة، والتي تُقدَّر بنحو 37 مليار دولار بشكلٍ تراكمي.
موازنة
لخدمة الاقتراض
فند
المستشار السياسي والاقتصادي الدولي حسام الشاذلي، الموازنة الجديدة، وقال: "إذا
كنا متفقين أن الموازنة العامة للدولة هي بمثابة الخطة المالية والإستراتيجية للحكومة
والتي تحدد فيها أولويات الإنفاق والخطط الاقتصادية بأبعادها المختلفة قصيرة الأمد
والمتوسطة والبعيدة، وكذلك تحدد آليات التعامل مع المديونيات وسداد الالتزامات وتمثل
المرجعية الإستراتيجية للقرارات المالية وإمكانية تقويمها في ضوء تلك الموازنة، فهي
موازنة لخدمة الاقتراض ليس إلا".
وعدد
في حديثه لـ"عربي21" جوانب فشل الموازنة الجديدة: "موازنة الدولة الحالية
في مصر هي وثيقة دامغة على فشل النظام والحكومة وعلى اضطراب البوصلة الاقتصادية والتخبط
اللانهائي لمؤسسات الدولة، والسقوط السياسي على كل المحاور وفي جميع الميادين بعد هروب
المستثمرين وسقوط العملة وتخلي الشركاء الإقليميين عن الدعم الاقتصادي، وتغير بوصلة
المنطقة لتصبح مصر دولة غير مؤثرة سياسيا في الخريطة الدولية".
وبشأن
تداعيات الأرقام السلبية في الموازنة أكد أنه "على الرغم من سياسة غياب الشفافية
المتعمدة وتسييس البرلمان، وقلب الحقائق عن طريق خطط ممنهجة لإعلام الدولة، فقد بات
من المستحيل إخفاء حجم وحقيقة الكارثة الاقتصادية التي تسير إليها البلاد".
واختتم
الشاذلي حديثه بالقول: "أصبح جل ما يناقشه النظام هو آليات بيع الأصول وأولويات
البيع وطرقه، والخاسر الأكبر هو المواطن الذي يتحمل أعباء الدين من ناحية، وزيادة التضخم
وانهيار عملته وتآكل دعمه من ناحية أخرى".
"الأسوأ
من نوعها"
بدوره،
اعتبر أستاذ الاقتصاد بالجامعات الأمريكية مصطفى شاهين أن "الموازنة الجديدة تعد
الأسوأ من بين الموازنات السابقة لعدة أسباب على رأسها عدم قدرتها على تغطية المصروفات،
واتساع الفجوة مع الإيرادات نتيجة زيادة أعباء الدين لمعدلات تاريخية (نحو 7 تريليونات جنيه ما يعادل 255 مليار دولار)، ما يعني أن أكثر من نصف المصروفات لخدمة الدين".
وأشار
في تصريحات لـ"عربي21": "سوف ينعكس ما سبق على تراجع قدرة الحكومة على
الإنفاق على الصحة والتعليم، وليس أمام الحكومة سوى أمرين؛ إما الاقتراض لخدمة الاقتراض،
أو طباعة أكبر قدر من النقود دون غطاء حقيقي من الإنتاج بالتالي سيؤدي ذلك إلى تراجع
الجنيه وتفاقم التضخم، وفيما يتعلق بالدعم الذي تقدره الحكومة عند 127 مليار جنيه بدلا
من 90 مليار جنيه فقد التهم التضخم هذه الزيادة".
"في مهب الريح"
بحسب
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بلغ دعم رغيف الخبز والسلع التموينية بموازنة
العام المالي (2022 - 2023) 87.2 مليار جنيه في موازنة (2021 -2022) وكانت تعادل نحو
5.6 مليارات دولار، وزادت رقميا في موازنة 2023 -2024 إلى 127 مليار جنيه أي نحو 4 مليارات
دولار ما يعني تراجعها فعليا نحو 28% بسبب التضخم.
أما
فيما يتعلق ببند مدفوعات خدمة الدين الذي يعد الأسوأ والأكثر تأثيرا في الموازنة المصرية
فإن مدفوعات الفوائد تمثل أكبر باب إلى جانب المصروفات منذ عام 2015 / 2016، وبلغت
559 مليار جنيه في موازنة 2019/2020، ونحو 566 مليار جنيه في 2020/ 2021.
أما
في العام المالي المقبل 2023- 2024 فإن تقديرات مدفوعات الفوائد وصلت إلى مستوى قياسي
وتاريخي يقدر بنحو 1.12 تريليون جنيه، مقابل 775.2 مليار جنيه بالتقديرات المتوقعة
لبند مدفوعات الفوائد عن العام المالي الحالي 2022- 2023.
وعكست
الموازنة الجديدة ارتفاع تكاليف الاقتراض والتمويل على بند مخصصات الفوائد بالموازنة،
إذ من المتوقع استحواذ الفوائد على نحو 37.4% من المصروفات العامة بالسنة المالية الجديدة
بدلا من متوسط سابق يتراوح بين 30% و33%.
كما
تآكلت قيمة الأجور بشكل حاد رغم ارتفاعها رقميا لكن عند مقارنتها بالعملات الثابتة
فقد انخفضت من 35% من 361 مليار جنيه أي ما يعادل 23 مليار دولار في 2021/2022 إلى
470 مليار جنيه أو ما يعادل 15 مليار دولار في عام 2022/2023.