أثارت موافقة البرلمان
المصري على تعديل قانون يسمح
بالتوسع في فرض
ضرائب ورسوم جديدة من أجل دعم موازنة الدولة، التي تواجه عجزا متزايدا
بسبب مصروفات الفوائد وأقساط
الديون، ردود فعل واسعة في الشارع المصري، الذي يئن تحت
وطأة التضخم وخفض قيمة الجنيه.
وكانت الحكومة المصرية تقدمت الأسبوع الماضي، بمشروع
قانون للبرلمان لتعديل بعض أحكام قانون ضريبة الدمغة، ورسم تنمية الموارد المالية للدولة
رقم 147 لسنة 1984، وتضمنت فرض رسوم على ساعات اليد والجيب وسماعات الأذن، والحفلات
والعروض الترفيهية وبعض المنتجات الغذائية، وجاءت على النحو التالي:
10% من قيمة الفاتورة على الأغراض الجمركية على سلع
السالمون، والجمبري، والاستاكوزا، والجبنة الريكفورد، والكافيار، والبن المحمص، والفواكه
المستوردة الطازجة والمجففة.
ضرائب على ساعات اليد والجيب وسماعات الأذن ولعب
الأطفال.
رسم مغادرة بواقع 100 جنيه على مغادرة المصريين للأراضي
المصرية للسفر للخارج.
50 جنيها رسوم مغادرة على الأجانب القادمين لغرض
السياحة لمحافظات البحر الأحمر، وجنوب سيناء، والأقصر، وأسوان، ومطروح.
5% على عروض الأفلام الأجنبية في السينما مقابل الدخول،
وعروض الأوبرا والباليه 5%، عروض السيرك المصري 5%.
%10 على الحفلات العامة في الأندية الاجتماعية التي
تنظمها رئاسة مجالس إدارات الأندية.
رسم 10% على التزحلق على الجليد.
%5 على الحفلات والعروض الغنائية والموسيقية والاستعراضية،
وحفلات الأكل أو المشروبات المصحوبة بموسيقى أو رقص أو غناء وحفلات الموسيقى الآلية
والصوتية، والحفلات الراقصة، ودخول الأماكن مثل الأندية الليلية والكازينوهات والفنادق
والعوامات.
"الجباية أقصر الطرق للتمويل"
من جهته انتقد المستشار السياسي والاقتصادي الدولي
الدكتور حسام الشاذلي، "استمرار نهج الحكومة المصرية في حصر زيادة الإيرادات عبر
وسيلتين هما، القروض والجباية (الضرائب)؛ لأنهما لا تتطلبان خططا استراتيجية، وليس لها
مقاييس للنجاح والفشل، ولا تستلزم معايير مهنية ولا قدرات اقتصادية".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "الآلية
الأولى تعتمد على موقع مصر الاستراتيجي وأهميتها لدول المنطقة ودورها فيها، لكن هذا
الدور تقزم كثيرا في السنوات القليلة الماضية، وأصبحت القروض والدعم ليست من السهولة
كما كانت قبل 10 سنوات، بعد أن اتضح للجميع فساد المنظومة الاقتصادية وعدم حدوث أي إصلاحات
حقيقية".
وتابع الشاذلي: "أما الآلية الثانية، فهي تتماشى
تماما مع العقلية الأمنية للنظام، حيث الجباية والرسوم والضرائب في كل مكان، وعلى كل
شيء وبلا تفسير أو تعليل"، مشيرا إلى أن "الضرائب بلا موازنة متزنة وبلا
خطط اقتصادية واعية تربط الضرائب والخدمات بتطوير المنظومة الإنتاجية، ومع غياب الشفافية
وتفشي الفساد الإداري والحكومي وأحادية السوق، تتحول لأداة للجباية ولإخضاع الناس وإفقارهم".
"الضرائب و عسكرة الاقتصاد"
واعتبر عضو لجنة القوى العاملة بالبرلمان المصري
سابقا، طارق مرسي، أن "الضرائب والرسوم وعسكرة الاقتصاد والحياة في مصر هما وجهان
لعملة واحدة، ومن ثم فإن العقلية الاقتصادية للأنظمة العسكرية تتمحور حول جيب المواطن
في المقام الأول؛ لأنها تفتقر للخطط التي تقوم على دراسات الجدوى، وتتجاهل الأسس الصحيحة
والقواعد السليمة لتصحيح الأخطاء الاقتصادية، وستأتي بنتائج عكسية وتضر بتلك السلع
والأماكن التي سوف يعزف عنها المواطن".
وأضاف لـ"عربي21": "من شأن فرض ضرائب
على كل الأماكن المتوقع أن يذهب لها المواطن العادي والبسيط والمتوسط والغني، أن تخضع لنفس
الرسوم في مشهد عبثي تجاوز بكثير ما يقال عن حكم قراقوش، الحكومة المصرية بهذه الضرائب
الجديدة تجعلها تحت وطأة الحاجة والفقر، وتزيد من حالة الاحتقان الشعبي بسبب سياسات
الجباية والغلاء المستمر، وتراجع قيمة العملة المحلية".
وأكد القيادي العمالي أن "مثل تلك الرسوم والضرائب
على المواطنين، لا تشكل حلولا علمية أو مستدامة لواقع اقتصادي مأزوم يواجه عجزا في الموازنة، يتجاوز حجم الإيرادات التي يأتي أكثر من 75% منها من الضرائب بالأساس؛ ومن ثم الحكومة
تقر بفشلها في ابتكار أو تقديم حلول خارج الصندوق، وليس أمامها سوى جيب المواطن".
"ظاهرة غير مسبوقة في موازنة مصر"
تستهدف الحكومة المصرية تحقيق 5 مليارات جنيه للموازنة
العامة الجديدة للدولة التي تواجه زيادة كبيرة في أعباء الدين العام، تصل نسبتها
إلى 114% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة، وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الميزانيات
السابقة.
تبلغ قيمة فوائد الدين العام المحلي والخارجي الواجب
سدادها خلال العام القادم 1120 مليار جنيه (36.3 مليار دولار)، فيما تبلغ قيمة الأقساط
الواجب سدادها من الدين العام المحلي والخارجي عن العام نفسه 1316 مليار جنيه
(42.6 مليار دولار).
تتوقع الحكومة المصرية أن يصل إجمالي الإيرادات العامة
للدولة خلال العام المالي 2142 مليار جنيه (69.3 مليار دولار)، بينما يصل إجمالي أعباء
الدين العام خلال العام المالي المقبل إلى 2436 مليار جنيه (78.9 مليار دولار).
سجل الدين الخارجي مستوى تاريخيا عند 162.9 مليار
دولار في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2022، مقابل 145.5 مليار دولار نهاية عام 2021،
أي بزيادة نحو 17.4 مليار دولار وبنسبة 11.9% حسب بيانات حكومية.
"مخاطر تمويل وهبوط جديد للعملة"
تواجه مصر تحديات كبيرة لتلبية المدفوعات الكبيرة
المطلوب سدادها، وتُشكل مخاطر تمويل بحسب مذكرة بحثية حديثة صادرة عن بنك "ستاندرد
تشارترد" البريطاني، محذرا في الوقت نفسه من أن التدفقات النقدية الخارجة من مصر، تسببت في تآكل صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي المصري.
ويقدر البنك البريطاني حاجة مصر لسداد قرابة 25 مليار
دولار سنويا على مدى الـ4 أعوام المقبلة (2024-2027)، بما في ذلك 10.3 مليار دولار
مدفوعات لصندوق النقد و6.2 مليار من السندات المقومة باليورو "يوروبوند"
طوال العامين الماليين المقبلين.
ورأى أن مفتاح التعافي لمصر هو تعزيز تدفقات العملات
الأجنبية غير المرتبطة بالديون، وزيادة وتيرة مبيعات الأصول وجذب الاستثمار الأجنبي
المباشر للقطاعات الإنتاجية التي تتقدم ببطء، وتوقع أن يواصل الدولار الأمريكي الاتجاه
الصعودي مقابل الجنيه، وقد يصل لـ38.4 جنيها.