قالت مجلة
فورين بوليسي، إن عوائد النفط التي
تتدفق على
السعودية، حولتها إلى مصدر استثمار لمجتمع الأعمال العالمي، وشق قادة
العالم طريقا إلى باب ولي العهد محمد بن سلمان، بحثا عن كل شيء، بدءا من عقود
السلاح ومقايضات العملات، إلى طلبات زيادة إنتاج النفط.
وأشارت في مقال للكاتب ستيفن كوك، ترجمته
"عربي21"، إلى أن المسؤولين السعوديين يخبرون أي شخص يستمع إليهم، بأن
المملكة باتت قوة جيوسياسية وديناميكية، وزعيما بلا منازع في
الشرق الأوسط.
وتابع بأن هذا كانت نتيجة الظروف السعيدة
للسعوديين، لكنهم لم يظهروا حكمة فريدة، أو بصيرة سياسية، وكانوا في المعادلة
الجيوسياسية لكونهم في المكان المناسب والوقت المناسب، مستفيدين من نهاية إغلاقات
كورونا، وغزو روسيا لأوكرانيا، ما تسبب في صدمات متتالية في أسواق الطاقة
العالمية.
وأضاف: "التفاخر
السعودي بدا في غير محله، كانت البلاد في حالة تراجع في جميع أنحاء المنطقة، وبعد
كل شيء، سعى السعوديون غير القادرين على تخليص أنفسهم من مغامرتهم الفاسدة في
اليمن، للحصول على مساعدة من طهران ثمنها لبنان وسوريا، حيث أصبح
الإيرانيون الآن
أحرارا في تعزيز نفوذهم الكبير بالفعل".
وقال الكاتب: "الغريب أنه في ظل هذه
الخلفية من الحظ والفشل السخيف، تبدو المملكة في صعود، خاصة في الشرق الأوسط".
ورأى أنه "في وقت إذا فشلت دولة ما في
الصعود، فإن المملكة تحقق ذلك، وبحسب استطلاع لمؤسسة غالوب، لأشخاص من 13 دولة ذات
أغلبية مسلمة، فإن المملكة أكثر شعبية من إيران".
وقال إن إيران تعتبر معيارا منخفضا للحكم على
معظم الدولة، مع استثناءات قليلة، فهي تضم أطماعا بالهيمنة على المنطقة، ومسؤولة
عن إراقة كمية كبيرة من الدماء.
ولفت إلى أن شعبية
السعودية حقيقة في المنطقة، فوفقا للاستطلاع، تحظى باحترام كبير، ففي الأردن تحتل
المرتبة الثانية بعد تركيا في تقبل الجمهور، ونصف التونسيين يرونها إلى جانب
فرنسا وتركيا بشكل إيجابي، والعراقيون يفضلونها على أي دولة أخرى باستثناء الصين،
ومحمد بن سلمان مفضل بعد محمد بن زايد.
وقال الكاتب إن هذا النوع من البيانات يتعارض مع الطريقة
التي تنظر بها العديد من النخب الغربية إلى المملكة، ما يثير سؤالًا مهمًا: لماذا
تحظى المملكة العربية السعودية بشعبية كبيرة في الشرق الأوسط؟
وتابع: "لا تخبر
استطلاعات الرأي المحللين بأي شيء عن سبب إعجاب الناس في المنطقة بالسعوديين، ولكن
هناك أدلة من قدر لا بأس به من الأدلة القصصية على أن السياسات الداخلية والخارجية
لولي العهد تروق للناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويشير المحاورون من الشرق
الأوسط إلى التغيرات الاجتماعية الجارية في السعودية، والتي تعتبر حقيقية ومهمة، والتي أثرت بشكل إيجابي على حياة العديد من السعوديين، هذا هو الحال على الرغم من أن
الإصلاح بالكامل من الأعلى، ويتم التعامل مع الناشطين المطالبين بالتغيير من أسفل
بقسوة، وتكثيف المراقبة المجتمعية".
وشدد على أن هذا لا
يعني أن الشرق أوسطيين ليسوا على دراية بهذه القضايا، ولكن بشكل عام يبدو أنهم
استنتجوا أن السعوديين يتمتعون بأسلوب حياة يحلو لهم. وفقًا لأحد الأردنيين، يبحث
المهنيون الشباب بشكل متزايد عن فرص في الرياض وجدة ونيوم المدينة المستقبلية
ومشروع محمد بن سلمان الأليف الذي سيتطلب جيشا من العمال المهرة وغير المهرة لتحقيقه،
بالنسبة لهؤلاء الأردنيين، فتحت السعودية ما يكفي، ولكن ليس كثيرا لأولئك الذين ما
زالوا لا يريدون السماح لكل شيء بالخروج في دبي.
قد تكون هذه نية ولي
العهد أو لا، لكنها قد تكون في الواقع ميزة خفية للسعوديين. في حين يركز الغربيون
على حقيقة أن جحافل من الأمريكيين والبريطانيين والأستراليين والأوروبيين لن
يكونوا مستعدين للانتقال إلى المملكة؛ لأن الكحول والرذائل الأخرى تظل محرمة أو
ممنوعة، فإن الأجواء المفتوحة قد تكون ميزة جذابة في السعودية للشباب العرب
الموهوبين.
ومع ذلك، قد تكون
شعبية السياسة الخارجية لولي العهد أكثر وضوحا، بالنظر إلى تدخل المملكة في اليمن،
والذي تم تصوره بشكل سيئ ومن ثم تنفيذه ، ودورها الرائد في حصار قطر، وإجبار محمد
بن سلمان بشكل قسري لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة، والقتل
الشنيع لجمال خاشقجي في إسطنبول.
وقال الكاتب إن الشرق
أوسطيين لديهم وجهة نظر مختلفة. وبدلاً من كونها مصدرًا لعدم الاستقرار الإقليمي ،
يُنظر إلى الرياض على أنها قوة للاستقرار. على سبيل المثال ، يوفر استثمار المملكة
الكبير ومساعدتها المالية للأردن الأمل في أن تتمكن الرياض من إخراج عمان من
الديون والمساعدة في تأمين مستقبل الأردن.
لكن الأمر لا يتعلق
فقط بالمساعدة والاستقرار اللذين قد يجلبهما، وبحسب نفس الصديق الأردني، فإن حقيقة
أن المملكة تقدم كميات وفيرة من المساعدات أفضل من المساعدة من الولايات المتحدة.
يبدو أن هذا المنظور منتشر على نطاق واسع، خاصة بين الشباب.
وقال إنها تنبع من
فكرتين، سمعت كثيرا خلال السنوات الخميس الماضية في الشرق الأوسط، وهي أولا، أن
العرب يرغبون في رؤية "فك ارتباط" بأمريكا، ثانيا، يريد القادة العرب ورعاياهم
تشكيل الشرق الأوسط بدلا من السماح للأمريكيين أو الصينيين أو الروس بالقيام بذلك
نيابة عنهم.
لأن الولايات المتحدة
كانت القوة المهيمنة في المنطقة، ولأن السعوديين كانوا يتحدون الولايات المتحدة
بمهارة وبطريقة مختلفة، فإن الأصبع الأوسط لمحمد بن سلمان لواشنطن يصقل صورة
الرياض.
على سبيل المثال،
عندما قرر السعوديون - على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة - إرسال مساعدات
إلى حلب التي يسيطر عليها النظام بعد زلزال 6 فبراير، قيل لي إن السوريين يقدرون
بشدة المساعدة التي تمس الحاجة إليها واستعداد محمد بن سلمان لذلك.
التمسك بواشنطن
في هذه العملية.
وقال الكاتب:
"على سبيل المثال، عندما قرر السعوديون، رغم الاعتراض الأمريكي، إرسال
مساعدات إلى حلب، بعد الزلزال المدمر في شباط/فبراير، قيل لي إن النظام قدر بشدة
المساعدات التي كانوا بحاجة ماسة لها، واستعداد محمد بن سلمان لذلك".
وهو نفس الشيء مع عودة
سوريا الأخيرة إلى جامعة الدول العربية، التي قادها السعوديون، أعز أصدقائي
السوريين الذين فروا من البلاد في عام 2012، والذي يكره رئيس النظام بشار الأسد، ليس فقط بسبب
الدمار الذي أحدثه بشكل عام، ولكن أيضًا من أجل دماء أقارب صديقي الذين لقوا حتفهم
في سجونه، يعطي محمد بن سلمان علامات عالية لإخراج سوريا من التجمد، في تقدير هذا
الشخص، إنها الطريقة الوحيدة لإنهاء المعاناة والفرصة الوحيدة لإعادة بناء البلاد،
والتي ستستغرق أجيالا.
وشدد الكاتب على أن الولايات المتحدة، وصناع
القرار والمسؤولين، أخذوا الاستطلاعات عن شعبية المملكة على محمل الجد.
وختم بالقول: "إذا
كانت واشنطن ستتنافس مع بكين وموسكو، وإذا كانت ستحارب المتطرفين، وتجنب الانتشار
النووي، وتساعد الشرق الأوسط في مكافحة تغير المناخ، فإن صانعي السياسة الأمريكيين سيكون لديهم فرصة أكبر للنجاح إذا رأوا العالم على ما هو عليه، وفي هذا العالم،
تعتبر المملكة لاعبا اقتصاديا مهما وقوة جيوسياسية وديناميكية وشعبية، فمن كان يظن
ذلك؟".