وجه القضاء الفيدرالي تهما إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد
ترامب، في التحقيق الذي يجريه المدعي الخاص جاك سميث بشأن تعامله مع
الوثائق السرية.
وأصبح دونالد ترامب أول رئيس سابق في تاريخ
الولايات المتحدة يوجه إليه القضاء الفدرالي تهما.
وهذه المرة الثانية التي يتم فيها توجيه تهم جنائية لدونالد ترامب هذا العام، ففي نيسان/ أبريل، وجه المدعي العام لمقاطعة مانهاتن إلى ترامب 34 تهمة بتزوير سجلات تجارية.
لكن لائحة الاتهام الثانية تمثل مرحلة قانونية جديدة وأكثر خطورة بالنسبة لترامب، الذي يترشح للرئاسة مرة أخرى في عام 2024 بينما يواجه تهما جنائية وتحقيقين إضافيين، لا يزالان قيد التنفيذ بشأن سلوكه.
وكتب ترامب على شبكته الخاصة للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال" أن "إدارة (الرئيس جو) بايدن الفاسدة أبلغت محاميي بأنني متهم رسميا، على الأرجح في قضية الصناديق الوهمية"، في إشارة إلى صناديق الوثائق التي نقلها إلى منزله عندما غادر واشنطن.
وأوضح الملياردير الذي داهم عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) منزله في فلوريدا الصيف الماضي بحثا عن الأرشيف، أنه استدعي للمثول الثلاثاء أمام محكمة فدرالية في ميامي.
وأوضح محاميه جيم تراستي لشبكة "سي إن إن" أن موكله سيستجيب لهذا الاستدعاء، وأنه يواجه سبع تهم، خصوصا بموجب قانون التجسس الذي يحظر الاحتفاظ بوثائق سرية في مواقع غير مصرح بها وغير مؤمنة.
"لا تشبه أية اتهامات"
من جانبها، قالت صحيفة "
واشنطن بوست"، في مقال رأي للمعلقة روث ماركوس؛ إن توجيه السلطات الفدرالية اتهامات لترامب لا تشبه أية اتهامات أخرى. وأضافت أن إعلان ترامب أن اتهامات وجهتها له هيئة محلفين، تعني أنه قام بالعبور إلى منطقة جديدة وشاقة.
وتابعت الكاتبة: "ها نحن أمام لحظة خطيرة"، مشيرة إلى أن البلاد منقسمة حول منظور محاكمة ترامب، المرشح الأول على قائمة الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة في 2024.
وتعلق الكاتبة أن أمريكا وصلت إلى حد الهاوية من قبل، فقد تجنب الرئيس ريتشارد نيكسون المحاكمة، والشكر موصول إلى خليفته جيرالد فورد الذي عفا عنه. وكذا بيل كلينتون في الفترة الرئاسية الثانية حيث توصل لصفقة مع المحقق الخاص، اعترف بموجبها أنه قدم شهادات غير صحيحة تحت القسم، ودفع مبلغ 25 ألف دولارا كغرامة، وقبل تعليقا رمزيا لعمله في مهنة القانون لمدة خمسة أعوام، مقابل عدم مواجهة المحاكمة.
المحكمة الفدرالية تحاكم مرشح رئاسي
وكان كلّ من نيكسون وكلينتون في المراحل الأخيرة من العمل العام. ولكن في حالة ترامب التي يتولاها المستشار القانوني الخاص جاك سميث، فنحن أمام واقع غير مريح، فهو يتعرض لمحاكمة فدرالية ومرشح متقدم في سباق الترشيحات للحزب الجمهوري، في وقت واحد.
إلا أن مدعي عام منطقة مانهاتن ألفين براغ حصل على اتهامات تتعلق بخرق ترامب قانون نيويورك، وتقديم سجلات غير صحيحة لشركته عندما حاول شراء صمت ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز. وهناك اتهامات من كاونتي فولتون، جورجيا، قدمتها مدعية عام المنطقة فاني ويليس تقع في قلب محاولات ترامب قلب نتائج الانتخابات ستكون قريبة.
ولكنْ، هناك أمر خطير بشأن اتهامات من الحكومة التي قادها ترامب في السابق، ويريد قيادتها مرة ثانية، وتؤكد أن الرئيس السابق مجرم.
وتضيف الكاتبة أن هذا الأمر كان محتوما منذ وصول عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) مقر إقامته في مار- إي- لاغو بفلوريدا في آب/أغسطس الماضي لتنفيذ أمر تفتيش، لكن خطوة الاتهام تبدو مذهلة.
ورغم أننا لم نطلع بعد على تفاصيل لائحة الاتهامات، إلا أن الإعلان هو صورة عن قانون يقوم بمهمته وتطبيق لمبدأ "لا شخص فوق القانون، حتى لو كان الرئيس السابق".
نقل الصناديق بتوجيهات من ترامب
وفي وقت التفتيش في مار- إي- لاغو جرى حديث طويل، وليس من أنصار ترامب، إن كان النائب العام ميريك غارلاند قد تجاوزَ صلاحياته، وإن كان يقوم بتحويل مسألة تتعلق بتسليم وثائق إلى قضية فيدرالية، و"لم أكن من بين الشاكّين، والأدلة التي ظهرت لاحقا قوّت من اعتقادي، أن تصرفات ترامب كانت فظيعة، وترفع من مستوى الحادثة إلى مجال الجريمة".
ومن بين الأدلة التي ذكرتها التقارير، أن مساعد ترامب، وولت نوتا، أخبر العملاء الفيدراليين أنه قام بنقل صناديق الوثائق إلى مار- إي- لاغو؛ بناء على توجيهات من ترامب.
وفي تقرير لمراسلي "واشنطن بوست" نشر في نيسان/ أبريل جاء فيه: "يشك المحققون الآن وبناء على اعترافات شهود عيان ولقطات من كاميرا مراقبة وأدلة وثائقية أخرى، أن الصناديق كانت تحتوي على مواد سرية، ونقلت إلى منطقة التخزين في مار-إي- لاغو، وبعدما صدر أمر استدعاء إلى المحكمة. وأن ترامب قام بفحص بعض هذه الصناديق".
وفي رأي مختوم لقاضية المنطقة بيرل إي هاورد، وجد أن الاستثناء في جريمة الاحتيال لمحامي المدعى عليه يبرر قرار المدعين، مطالبة محامي ترامب إيفان كوركوران الإجابة على أسئلة، وتسليم ملاحظات حول عملية البحث في الوثائق.
كل هذا يميز حالة ترامب عن حالات تبدو موازية لكل من نائبه مايك بنس والرئيس جو بايدن، اللذين تقدّما في أعقاب تفتيش مار- إي- لاغو، وعن طواعية، عندما وجدا وثائق سرية في محتويات خاصة لهما.
وأغلقت وزارة العدل قضية بنس ولا يزال مستشار قانوني خاص يحقق في قضية بايدن، إلا أنه لا يوجد أي سبب يدعو للموازاة بين وضع بايدن وترامب. فقد حاول الأول التعامل مع السلطات، أما الثاني فعمل على عرقلة جهودها. ومبدأ حكم القانون القائل "حالات متشابهة يجب التعامل معها بسواسية"، لا يعني أنه يجب محاكمة مسؤول على سلوكه وتبرئة مسؤول آخر بنفس الجرم. ولكنه يعني أيضا أنه يجب عدم منع المدعين من ملاحقة اتهامات ضد شخص ارتكب سلوكا كان فظيعا، حتى لو تعرضوا لشكاوى لا داعي لها بحدوث معاملة غير متساوية.
وهو ما استدعى قرار غارلاند لوضع التحقيق بيدي محقق مجرب. وقالت رئيسة مؤتمر الجمهوريين في الكونغرس إليس ستيفانيك؛ إن الاتهامات هي "مثال غير مسبوق عن استخدام الحكومة الفدرالية كسلاح" ضد ترامب، مع أنها تعرف الوضع أحسن من هذه التصريحات.
وشجب الرئيس السابق الاتهامات، وأعلن براءته مما أسماه "الصناديق المزيفة". وفي تصريحات لبنس مع شبكة "سي أن أن" وقبل يوم من توجيه الاتهامات، إن اتهام ترامب "سيثير انقساما رهيبا في البلد.. وسيرسل رسالة فظيعة للعالم بشكل أوسع".