تتأصل المأساة السورية وتأخذ أبعادا مختلفة مع تجدد المواقف العربية والدولية وتضاربها حسب مصالح الدول وليس حسب وحجم المعاناة التي يواجهها الشعب السوري، وسوريا كدولة لها كيانها وسيادتها.
فبعد ركود دام عقدا ونيف، دون أي تقدم يذكر على المستوى السياسي، خلا بعض الاجتماعات والتحركات على مستوى بعض الدول التي بحثت عن تموضع لها في
سوريا وما يمكن أن يؤدي هذا التموضع في خدمة أهدافها القريبة والبعيدة في جني مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية. ففي ظل جهد أممي للتقدم على طريق حل سياسي بين المعارضة الممثلة بالائتلاف الوطني والنظام السوري لم يثمر في التقدم خطوة واحدة إلى الأمام بسبب مراوغة النظام والتفافه على الالتزامات المطلوبة منه، وخاصة فيما يتعلق بصياغة الدستور، والمساعدات الإنسانية، والانصياع للقرارات الأممية وخاصة القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 18/1/2015. الذي يعتبر خريطة الطريق للحل الشامل في سوريا، وينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية، وانتخابات شفافة تحت إشراف الأمم المتحدة، وصياغة دستور جديد للبلاد.
المراوحة في المكان
وإزاء حالة المراوحة في المكان قام مبعوث الأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسون بوضع خطة خطوة مقابل خطوة، وبمعنى آخر التوصل إلى تنازل من قبل النظام مقابل تنازل من قبل المعارضة.
وهذه الخطة في جوهرها تفرغ القرار الدولي من مضمونه، ويفسح المجال واسعا أمام النظام للتملص من تنفيذه، وهذا المقترح كانت قد تبناها وزراء خارجية العرب في اجتماع عمان الذي عقد في 1/5/2003. الذي كان هدفه الأساسي تعويم نظام
الأسد، وإعادته لأحضان الجامعة العربية دون مقابل، وبمفهوم آخر أن العرب تقدموا بخطوة والنظام تراجع بخطوة واعتبر الأمر انتصارا له.
وهذا التنازل العربي المريب الذي يتضارب مع العقوبات المفروضة على النظام من قبل الولايات المتحدة من خلال قانوني “قيصر والكبتاغون” ليس من شأنه سوى دفع النظام لرفض القرار الأممي المسلط على رأسه كسيف ديموقليطس.
تحركات مضادة
مقابل عودة احتضان الجامعة العربية للنظام السوري، واعتماد خطة المبعوث الأممي “خطوة خطوة”، دفع المعارضة السورية المتمثلة بهيئة التفاوض المنبثقة عن الائتلاف الوطني إلى الاجتماع في جنيف وأعادت التأكيد على عدم التنازل عن أولوية تنفيذ القرار الدولي 2254 بكل ما ينص عليه دون الالتفاف حوله بأي خطط عربية من شأنها إهمال حقوق الشعب السوري الذي دفع ثمنا باهظا جدا من دماء أبنائه للتخلص من نظام الإجرام والإبادة والتدمير، للوصول إلى بناء سوريا في ظل نظام ديمقراطي يضمن حرية الرأي والتعبير، والتداول السلمي للسلطة، وحقوق المواطنين السوريين على قدم المساواة، واحترام القانون.
وتطرقت هيئة التفاوض إلى عودة اللاجئين السوريين (حوالي 8 ملايين لاجئ عدا النازحين في مناطق سيطرة المعارضة البالغ عددهم حوالي 4 ملايين) دون توفير الشروط الكفيلة لعودة آمنة بضمانة دولية وإعادة ممتلكاتهم.
وطالبت الدول العربية باتخاذ قرارات من شأنها إرغام النظام على تطبيق الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي، الذي يتضمن محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والإبادة وضد الإنسانية، وعدم القبول وضع مصالح الدول مقابل مصلحة الشعب السوري.
لم يتغير الموقف الأمريكي من نظام الأسد، وقد عبر عنه وزير الخارجية أنتوني بلينكن في زيارته للمملكة العربية السعودية مؤخرا مؤكدا أن الحل يكمن في تطبيق القرار الأممي 2264 إذ صرح قائلا:
” موقفنا واضح جدا، لن نكون جزءا من عملية تطبيع العلاقات مع الأسد، ومع هذا النظام. لأنه لم يستحق بعد الحصول على خطوة نحو الاعتراف به أو نحو القبول به، وأن من ضمن الأهداف أيضا توسيع نطاق المساعدات الإنسانية والتأكد من عدم قدرة تنظيم داعش على استعادة نشاطه وتهيئة الظروف للسماح بعودة اللاجئين السوريين ومكافحة تجارة الكبتاغون التي تسبب ضررا كبيرا للمنطقة والحد من النفوذ الإيراني”
وأضاف: “ما سمعناه وما سمعته للتو مرة أخرى من وزير الخارجية، هو نية شركائنا استخدام التواصل المباشر مع نظام الأسد للمطالبة بمزيد من التقدم في هذه المجالات وغيرها من المجالات خلال الأشهر المقبلة، ولكن الآن، يجب أن أعترف أننا نشكك باستعداد الأسد لأخذ الخطوات الضرورية، لكننا نتفق مع شركائنا على تحديد هذه الخطوات وعلى الأهداف الكبرى”.
منظمات المجتمع المدني
في السادس من هذا الشهر عقد اجتماع لـ 150 شخصية تمثل منظمات للمجتمع المدني في باريس برئاسة رجل الأعمال السوري أيمن أصفري، ومجموعة من المبعوثين الخاصين لسوريا ومراقبين دوليين تحت اسم “مؤتمر مدنية”.
وجاء بيان الاجتماع ليؤكد على أن هذه المبادرة لن تحل محل” الأجسام السياسية المنخرطة وفق قرار مجلس الأم رقم 2254، بل تأتي ضمن محاولات رفد جهودها” وأضاف:” على مدى العقد الماضي، لعبت مؤسسات المجتمع المدني السوري دوراً استثنائياً في الحفاظ على قيم الانتفاضة السورية وتقديم الخدمات الأساسية للمجتمعات السورية المختلفة واعتبر أن لهذه المؤسسات شرعيتها، في أن يكون صوتها مؤثراً عند نقاش مصالح سوريا والشعب السوري.
نشر العميد فراس طلاس رسالة أكد فيها موقف المجلس العسكري على ضرورة تنفيذ القرار 2254
“حالياً نحن نركز على إعادة ترتيب آلية العمل بحيث تساهم القوى الوطنية السورية بشكل أكبر من السابق في دعم المشروع خاصة مع استراتيجيتنا النضالية الجديدة وإطلاق حركة التحرر الوطني التي تحتاج لزج كل القوى الوطنية السورية فيها سواء العسكرية أو المدنية، وكذلك تساهم الدول المهتمة بأدوات تنفيذ القرار 2254 في هذا الدعم، لأنهم باتوا مقتنعين بالحاجة إلى توفير بيئة عسكرية مساعدة في ضبط السلاح المنفلت وتحسين ظروف المرحلة الانتقالية.” وأضاف: “نحن جزء من التوجه السوري المدني والديمقراطي ودور المؤسسة العسكرية الوطنية في هذا التوجه هو توفير البيئة المناسبة للديمقراطية (ضبط السلاح المنفلت وحماية السلم الأهلي وتوحيد البندقية وتحويلها الى بندقية وطنية وإخراج الميليشيات الأجنبية) ودون تحقيق هذه الأهداف سيبقى الحديث عن أي مشروع مجرد شعارات غير قابلة للتنفيذ ”
مما تقدم يمكن القول على أن قوى المعارضة المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني متفقة على أن تنفيذ القرار 2254 هو الأساس في حل الأزمة السورية وبناء مستقبل سوريا والسوريين.
وهذا الموقف الثابت من المعارضة هو السلاح الوحيد الذي يقف في وجه التسويف والالتفاف حوله من قبل النظام، والأنظمة العربية التي تحاول تعويمه على حساب مصلحة الشعب السوري مجانا.
(
القدس العربي)