ثلاثة عشر عاما هو عمر
السلطة الوطنية
الفلسطينية، التي سبقت الانقسام، وستة عشر عاما منذ أن وقع الانقسام الكبير، ولا يزال الوقت مفتوحا على مزيدٍ من السنوات، دون أن يعلم أحد متى وكيف يمكن أن ينتهي هذا الانقسام.
لم يعد ثمة أهمية لتوصيف ما وقع في الرابع عشر من حزيران 2007 إن كان ذلك انقلابا، أم حسما، أم استعادة بالقوة لحقوق فرضتها صناديق الاقتراع قبل ذلك بأكثر من عام.
ولم يعد ثمة أهمية للحديث عن الشرعيات، التي سقطت بسبب مرور الكثير من الوقت، وغياب آليات تحقيق الشرعية، وترك الميدان لسلطات الأمر الواقع، في غياب أيّ بوادر شعبية، أو توافقات فصائلية على تغيير ذلك الواقع المؤلم، الذي ذهب البعض لوصفه بنكبة أخرى تُضاف إلى النكبات التي حلّت بالشعب الفلسطيني.
عشرات اللقاءات والحوارات، وعديد الاتفاقيات التصالحية التي لم تُعمّر طويلا، وانتهت بمراكمة المزيد من خيبات الأمل، واستعادة لغة وخطاب التشكيك والاتهامات والصراع.
العدو الإسرائيلي الاحتلالي العنصري لم يعد على الأبواب، وإنّما أصبح داخل البيت بكلّ فاشيّته، وأوهامه، وأهدافه الاستعمارية ومزيد من الضحايا والجرائم والتحكُّم في مصير الفلسطينيين، دون تحفيز الفلسطينيين على تجاوز انقسامهم واختلافاتهم وصراعاتهم، ومخاوفهم بعضهم من بعض.
فشلت إسرائيل في تفتيت هويّة الشعب الفلسطيني، وخلق هويّات مناطقية، ينشغل كلّ منها بهموم خاصّة يرتّبها الاحتلال، فقد أكّد الشعب الفلسطيني وحدته، ووحدة قضيته، وصموده، ونضاله من أجل التحرّر، رغم ضخامة الأعباء الحياتية، ورغم انقسام فصائله وطبقته السياسية.
واقعيا، يبدي الشعب الفلسطيني وعيا وتحمُّلا للمسؤولية يتفوقان على قيادته السياسية والفصائلية، وعليه تقوم المراهنة لتجاوز الضعف والانقسام، والمخاطر الناجمة عن ذلك.
خلال السنوات الـ16، فشلت الفصائل في تجاوز حساباتها الفئوية، وفشلت كل محاولات القوى السياسية والمجتمعية الرافضة للانقسام، التي حاولت مرارا، لكنها هي الأخرى فشلت بامتياز في أن تنظّم لنفسها إطارا تنسيقيا أو وحدويا على هدف واحد هو إنهاء الانقسام، بالتأثير والضغط على أطرافه.
ثمة غياب للإرادة، وغياب حتى لمقاومة حقيقية فاعلة تعمل على تجاوز واقع الانقسام، وبدا أن كلّ فريق فرح بما لديه، كلّ في ميدانه، عينه على «المعارضة» في مكانه، لا يسمح لها بالتأثير على هذه السلطة أو تلك.
يبدو أن الفلسطينيين عموما بما في ذلك الشعب، والنخب السياسية وغير السياسية قد تطبّعت مع الأمر الواقع، وأخذت تتعامل معه، وكأنّه الخيار أو المسار الصحيح.
القاهرة شهدت، مؤخّرا، زيارة لرئيس الحكومة الدكتور محمد إشتية، وعدد من وزراء حكومته، ولقاءات مصرية مع وفود رفيعة المستوى من حركتي «
حماس» و«الجهاد»، وزيارة لـ «رئيس لجنة العمل الحكومي في غزة».
لقاءات شتّتت أذهان المواطن الفلسطيني والصحفيين، والكتّاب، والمحلّلين، حتى لم يعد أحد يعرف الحقيقة أو شيئاً منها.
يحتكم البعض إلى التكهُّنات والشائعات، لتقديم آراء محكومة لخلفيات ومواقف مسبقة، ويواصل أحكامه القاطعة بشأن مآلات الوضع وأهداف القوى الفلسطينية الفاعلة.
بعض آخر لا يجد أخبارا من مصادر فلسطينية، ولا يجد أمامه إلّا الأخبار التي تصدر عن مصادر إسرائيلية.
كثير الحديث عن تفاهمات بل اتفاقيات، تشير إلى التوصّل لـ«هدنة» تمتد من خمس إلى سبع سنوات، تحت ضغط الوسطاء، تنفيها تصريحات من قبل ممثلين عن «حماس» و«الجهاد»، ولكن هذا النفي لا ينطوي على مصداقية بالنسبة للمشكّكين، سواء أكانوا محقّين أم لا.
مصادر إسرائيلية أشارت إلى اتفاق من ثمانية بنود، تتركّز كلها على تسهيلات تتعلّق بمعبر رفح، واستخدام مطار العريش، وتوسيع دائرة الصيد إلى عشرين كيلومترا، بالإضافة إلى مزيد من العمّال ودخول بضائع، مقابل الموافقة على «الهدنة» المزعومة.
ليس من مسؤولية الأشقّاء في مصر، تقديم المعلومات الصحيحة حول ما يجري في القاهرة من لقاءات، وما تستهدفه، وما إذا كانت توصّلت إلى تفاهمات أو اتفاقية.
وإذ لا يمكن الثقة والاعتماد على المصادر الإسرائيلية، فإنّ مسؤولية إطلاع الجمهور الفلسطيني، هي مسؤولية حصرية لدى الأطراف الفلسطينية التي شاركت في اللقاءات، أو التي تطلع على مجرياتها.
ثمة غموض اعتاد عليه المواطن الفلسطيني، بما يدل على أن المستويات السياسية والفصائلية، قد فقدت الثقة بالشراكة مع المواطن، الذي يشكّل مصدر السلطات ومصدر الشرعيات.
يتم التعامل مع الجمهور الفلسطيني كقطيع خاضع لمستويات سياسية فقد الثقة بها، بعد أن فقدت الثقة به وبدوره وبالشراكة معه.
الجمهور الفلسطيني بالنسبة لهؤلاء ضحيّة، عليه أن يدفع ثمن الانقسام والخلافات، وثمن الاعتداءات الإسرائيلية باهظة التكاليف، حتى دون أن يحقّ له الصراخ.
على المواطن الفلسطيني أن يفقد بيته ومصلحته ومؤسسته وأحبّاءه، دون أن يتذمّر، فإن فعل ذلك، فإنّ تضحياته لا تغفر له، فيتعرّض للقمع أو التهميش.
وبالرغم من أنّني مثل الكلّ لا أمتلك أيّ معلومات موثوقة ومن مصادر فلسطينية مسؤولة، فإنّني لا أعتقد أنّ الأمر يتعلّق بمصالحة واتفاقيات لإنهاء الانقسام، رغم أنّ الحديث يكثر حول اتفاق على تشكيل «حكومة وحدة»، وتتم تسمية المرشّح لرئاستها، وتفاصيل أخرى حول طبيعة مشاركة الفصائل فيها.
الأقلام تُركّز أكثر على موضوع «الهدنة» طويلة الأمد، ولا أملك معلومة مؤكّدة سوى ما أدلى به ممثّلون عن «حماس» و«الجهاد»، غير أنّ وجود أو غياب معلومات بهذا الصدد بالذات، أجّج مشاعر البعض وحرّك لغة الاتهامات والتشكيك، وتأكيد الحديث عن «دولة غزّة» وإقصاء قوى فاعلة عن البعد الوطني.
السؤال هو: هل يمكن لمثل هذه «الهدنة» أن ترى النور، حتى لو أنه تمّ الاتفاق عليها، مقابل أيّ «تسهيلات»؟
التقييم الموضوعي يشير إلى أن إسرائيل ليست دولة التزام، ويشير أيضا إلى أن طبيعة ومحتوى سياسة الحكومة الاحتلالية العنصرية الفاشية القائمة في إسرائيل، لا تتيح مجالا لتحييد أيّ مواطن فلسطيني، وليس فقط الفصائل.
(
الأيام الفلسطينية)