استيقظ
المصريون يوم الأربعاء الماضي، 14
حزيران/ يونيو الجاري، على وقع كارثة
غرق مركب هجرة غير شرعية قبالة سواحل
اليونان، يحمل وفق تقديرات "الأمم المتحدة" ما بين 700 و750 لاجئا بين
مصريين وفلسطينيين وسوريين وباكستانيين وأفارقة.
"عربي21"، تحدثت إلى بعض أهالي
ضحايا الغرق الذي وصفته صحف وكتاب مصريون بالفاجعة الكبرى التي تعيشها البيوت في مصر.
"عيد حزين مجددا"
محمود عبدالله، وهو سائق توك توك، يقول
لـ"عربي21": "في قريتنا ميت سهيل منيا القمح محافظة الشرقية (شمال
القاهرة)، 18 مأتما، منذ الجمعة قبل الماضية (9 حزيران/ يونيو الجاري)، عندما استقل
18 من شباب القرية مركبا لنقلهم من السواحل الليبية إلى إيطاليا".
ويضيف: "المآتم ليست في قريتنا فقط بل في
قرى كفر ميت سهيل، والنعامنة، وإبراش، ودهمشا، ومدينة مشتول السوق، وجميعهم في
محيط 15 كيلومترا من محافظة الشرقية، وفي كل قرية ما بين 15 و20 شابا لا نعرف
مصيرهم".
ويوضح أن "البداية منذ عام 1989، بدأت بهجرة شباب ميت سهيل إلى مدينة ميلانو (شمال إيطاليا) بشكل خاص، عبر سواحل مصر
وليبيا وحتى تونس والمغرب، ومات العشرات غرقا ونجا المئات، وتغيرت أحوالهم للأفضل".
ويؤكد أنه "مؤخرا مع تزايد أزمات الغلاء
وتوقف مهن المعمار، وغلق مصانع عدة بمدينة (العبور)، و(العاشر من رمضان)، وتقليل
العمالة، لم يعد أمام الشباب سوى الهجرة لإيطاليا عبر ليبيا، رغم المخاطر والتكلفة
التي تصل إلى 150 ألف جنيه (نحو 3750 دولارا)".
ويختم حديثه بالقول: "قبل 20 عاما،
استقبلت ميت سهيل، جثامين سبعة من أبنائها بعدما غرقوا في مركب أمام السواحل الليبية،
وكان ذلك يوم عيد الأضحى، وهو الأمر الذي يتكرر اليوم قبل أيام من العيد، ولكن دون
وجود جثامين الضحايا".
"وليد.. وحيد أبويه"
"أحمد" (25 عاما)، أحد
الذين خاضوا تجربة الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا وعاد بعدما خسر ماله العام
الماضي، وصديق أحد الشباب الذين تأكد موتهم في المركب الغارق أمام اليونان، تحدث
لـ"عربي21".
ويقول: "صديقي وليد الدجوي، 24 عاما، وحيد
أبويه، متزوج وله ولد، كان يأخذه أمامه على دراجة نارية يطوف به الشوارع وكأنه كان
يودعه".
ويضيف: "وليد، كان يعمل سباكا، وعندما قلت
أعمال المعمار مع وقف البناء قبل 5 سنوات، عمل بمصنع بمدينة العبور شمال شرق
القاهرة، ولكن راتبه لم يكن يكفيه وزوجته، ولم يكن أمامه سوى الهجرة غير الشرعية".
ويبين أن "وليد، له ابن خالة يدعى حمادة
القاضي، في ليبيا منذ رمضان الماضي، تعرض مركبه للغرق ولكنه نجا من الموت بسواحل
ليبيا وما زال رهن عصابات مسلحة ترفض الإفراج عنه إلا بفدية 40 ألف جنيه (نحو 1000
دولار)".
ويتابع: "وكأغلب أصدقائه وأبناء جيله
الذين سافروا إلى إيطاليا، خرج وليد، دون علم أسرته، إلى مدينة الإسكندرية عبر سيارة
حملت 14 راكبا من قريته بعد الاتفاق مع المندوب المصري للمهرب الليبي الذي يدعى (أبو سلطان)، الذي يسهل عملية تهريبهم من الحدود المصرية للحدود الليبية".
ويشير إلى أن "وليد، ومعه أكثر من 200 من
شباب القرية، ظلوا بحوزة (أبو سلطان) في بيوت غير آدمية نحو شهرين ينتظرون دورهم في
ركوب البحر، بعد أن دفعوا 140 ألف جنيه لمندوب المهرب الليبي الذي يتواصل معهم
برقم خاص عبر (واتساب) حتى حانت اللحظة، وأبلغ وليد أسرته بأنه سيركب، عصر الجمعة
قبل الماضية".
صديق وليد، يؤكد أن "الأمل كان كبيرا في
أن يصل وليد ومن معه إلى بر إيطاليا، وتتغير حياته وحياة أسرته وزوجته وابنه، خاصة
مع وصول مركب على متنه عدد من شباب القرية قبلها بأسبوع".
وختم بالقول: "لكن للأسف حتى الآن، لا
نعلم عن جثمانه شيئا، وتواصلنا مع العديد من المصريين المقيمين في اليونان لتبيان
الأمر، ولكنهم لم يجدوا له أثرا بين الناجين ولا المصابين، وتعيش أسرته في مأتم".
صورة وليد الدجوي
"الوجع شديد"
"الشيخ عبدالعاطي"، مأذون قرية ميت
سهيل، تحدث إلى "عربي21"، أطاله شخصيا، موضحا أن ابن أخته "أيمن
عبدالعزيز"، من قرية "كفر ميت سهيل"، هو الآخر بين ضحايا المركب
الغارق.
ويقول: "منذ الأربعاء الماضي، ونحن في
حالة حزن شديد، هو ابن أختي، وخرج إلى ليبيا منذ شهرين دون علم أسرته، ودفع له
أخوه الأكبر مبلغ 140 ألف جنيه لمندوب (أبو سلطان)، والآن نحاول معرفة مصيره عبر
بعض المصريين المقيمين باليونان دون نتيجة حتى الآن".
"القرية في مأتم"
"عربي21"، جابت بعض شوارع قرية ميت
سهيل، فوجدت مظاهر الحزن واضحة في المنطقة، ونساء القرية يتشحن بالسواد.
ومن بين الضحايا عرفت أسماء وليد الدجوي، وإبراهيم
حسام، ومحمد نادي، وابن عمه مؤمن فائق، ومحمد عرفات، وطارق الدبر، وأحمد محمد
أحمد، ومنهم من تأكدت وفاته، ومنهم من تأكدت نجاته، ومنهم من لا يعرف مصيره بعد.
وبكل ناصية يوجد مجموعة من الشباب والأطفال
يحملون هواتفهم للبحث عن الناجين، ويتناقلون الأرقام الرسمية التي أعلنتها السلطات
اليونانية وتأكيدها نجاة 104 فقط، وانتشال نحو 80 جثة، وفقدان 550 لاجئ، ولا حديث
لهم سوى عن الغارقين والمفقودين، والحزن الذي يلف القرية.
"ناج من الموت"
أحد أهالي القرية، عاد ابنه قبل أيام من ليبيا
بعد أن قضى بها 6 شهور، حاول خلالها ركوب البحر والسفر إلى إيطاليا، يقول
لـ"عربي21": "الحمد لله، نجا ابني من موت محقق، ولكن في المقابل
بعت سيارتي التي كنت أكسب منها رزقي، وبعت المواشي التي كانت تدر علي دخلا".
ويضيف: "تعرض ابني لانقلاب مركب في عرض
البحر ونجا منه، ولكن بعد وصوله الشاطئ وقع في يد عصابات طلبت منه دفع 40 ألف جنيه
فدية له، دفعتها لمندوب لهم في مصر، وعند عودته وقع في يد عصابات أخرى طلبت فدية
دفعناها لهم، أيضا".
وكان من الصعب الحديث إلى الأسر المكلومة بشكل
مباشر، ولذا فقد توجهت "عربي21"، إلى الحديث مع أحد المصريين المقيمين
في اليونان والذين توجهوا فور علمهم بالحادثة إلى منطقة "كالاماتا" حيث
واقعة الغرق.
"كريم وجيه" (20 عاما)، أحد أبناء
قرية ميت سهيل، الذين سافروا إلى اليونان بطريق الهجرة غير الشرعية، قبل 5 سنوات
ولصغر سنه حينها نجح في الحصول على إقامة دائمة، يقول لـ"عربي21":
"انتقلت لمدة 6 ساعات للحصول على أية معلومة عن أبناء قريتي والقرى المجاورة".
ويوضح، أن "كل المعلومات غير مؤكدة، ولا
يتم السماح لنا بدخول المعسكر التابع لحرس الحدود اليوناني، ونتواصل مع بعض
الناجين عبر أسوار المعسكر، والذين لا يمكنهم تأكيد أية معلومة حول نجاة أو وفاة
أحد".
ويؤكد أن "كل الناجين أجمعوا على اتهام
حرس الحدود اليوناني بالتسبب في غرق المركب"، ناقلا عن بعضهم قولهم:
"إنهم قصدوا إغراق المركب حتى يكون عبرة لأي مركب آخر يلجأ إلى المياه
اليونانية".
وحول ما سمعه من الناجين عن المركب منذ إقلاعه الجمعة قبل الماضية، وحتى غرقه فجر الأربعاء الماضي، يقول: "ما سمعته أن
المركب كان من المفترض وصوله للمياة الإقليمية الإيطالية الثلاثاء الماضي، وأن
بوصلة المركب تعطلت، وظل يسير حتى وصل إلى تلك المنطقة (شبه جزيرة بيلوبونيز جنوب
غرب اليونان)".
وتابع: "ربان المركب تواصل مع حرس الحدود
اليوناني، لإنقاذهم ولكن سلطات أثينا حاولت إقناعهم بالعودة للسواحل الإيطالية،
وتركتهم عدة ساعات بلا إنقاذ، ثم عادت لتجر المركب قسرا خارج المياه الإقليمية
اليونانية نحو الحدود البحرية الدولية، وهنا انقلب المركب"، وفق ما نقله
كريم، عن بعض الناجين.
وحول إمكانية إنقاذ هذا العدد حينها، يوضح أن
ما وصله من معلومات، أن "اليونانيين تباطأوا في عمليات الإنقاذ، وكان بإمكانهم
من البداية نقل جميع
المهاجرين إلى الشواطئ بدلا من إعادتهم إلى المياه الدولية".
وعن الوضع الآن، أكد أن "الناجين جرى
تقسيمهم بين معسكر للاجئين في كالاماتا وبين مستشفى في المدينة لتقديم الرعاية
الصحية"، فيما لا يظن كريم، أن هناك فرصة لوجود ناجين آخرين.
صورة لمستشفى كالاماتا حيث يوجدالمصابون
المصري المقيم في اليونان كريم وجيه، يتأكد من
سلامة أحد المصريين والذي يتحدث له عبر نافذة المستشفى
كريم يتحدث إلى بعض الناجين من المركب الغارق من أمام معسكر اللاجئين
"تجاهل رسمي"
وحول تعامل السلطات المصرية مع الأزمة، أجمع
عدد من الذين تحدثوا إلى "عربي21"، أن السلطات لم تتواصل مع أحد، ولم
تقدم أي معلومة، سوى أن قوات من الشرطة قامت بالتحقيق مع أسرة إبراهيم حسام، أحد
الذين تأكد غرقهم.
وأوضحوا أنه "حتى نواب البرلمان، لم
يتواصل أحد منهم مع الأهالي، أو يقدموا لهم أي دعم، إلا أن النائبة السابقة عن
دائرة مشتول السوق سحر عثمان، تواصلت مع جميع الأهالي وأخذت منهم صور جوازات سفر
أبنائهم ووعدتهم بالتواصل مع السلطات واستكشاف الأمر".
وعلى الرغم من شهادات بعض الناجين بأن خفر
السواحل اليوناني تسببوا في غرق المركب ورفضوا دخوله المياه الإقليمية وجره بعيدا إلى المياه الدولية، فإن السلطات المصرية لم توجه أي لوم إلى اليونان، بل أكدت فقط عدم انطلاق أي مركب هجرة غير شرعية من أراضيها نحو أوروبا.
بل إن السلطات المصرية تواصل تحميل اللاجئين
المصريين مسؤولية ما جرى لهم، وذلك على لسان الوزيرة سها جندي.
الوزيرة، أكدت بمداخلة هاتفية عبر فضائية مصرية
مساء الأحد، أن المهاجرين المصريين من 14 محافظة ومن 72 قرية، وأن هناك 43 ناجيا
بمعسكر يوناني يرفضون العودة إلى مصر.
وفي الوقت الذي دافعت فيه الوزيرة بشدة عن الحكومة،
وأنها تمنع الهجرة الشرعية إلى أوروبا، فإنها حمًلت اللاجئين المسؤولية قائلة:
"بيخربوا بيوت أهاليهم.. لدرجة إنهم بيرهنوا بيوتهم علشان يسافروا يجيبوا
اليورو من أوروبا.. وإحنا عارفين سعر اليورو كام دلوقتي".
وتزامنت تلك الكارثة، مع منح الاتحاد الأوروبي
لمصر نحو 20 مليون يورو لمساعدتها في التعامل مع "الموجة الجديدة من اللاجئين
السودانيين".
والتقى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية
بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، الاثنين، بعد لقائه،
بوزير الخارجية سامح شكري، ووزير الدفاع محمد زكي.
"مسؤولية أثينا والقاهرة"
"عربي21"، طرحت التساؤل حول أسباب
تجاهل مصر التقارير وشهادات الناجين التي تتهم اليونان بإغراق مركب لاجئين يحمل
مصريين، ودور المنح الأوروبية لحكومة السيسي في الصمت على قتل اللاجئين المصريين
غرقا قبالة اليونان، على الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور
السيد أبو الخير.
أبو الخير، يقول: "من أسباب ودوافع
الانقلاب العسكري الذي ضرب مصر عام 2013، كان منع الهجرة إلى أوربا، سواء شرعية أو
غير شرعية، كما يدعون"، ملمحا إلى أن "نظام الانقلاب في مصر يتقاضى ثمنا
لذلك ملايين الدولارات".
وأشار
إلى أنه "طبقا للقانون الدولي فإن اليونان تتحمل المسؤولية المدنية والجنائية
عن وفاة هذا العدد من المصريين، وطبقا لاتفاقيات الهجرة الشرعية، وطبقا لقانون
البحار فإنها تلتزم اليونان بإنقاذ هؤلاء من الغرق وحمايتهم وإعادتهم لبلادهم".
ويلفت الخبير المصري، إلى أن "غرق
اللاجئين يعد جريمة من الجرائم الدولية التي يعاقب عليها القانون الدولي، ويتحمل
النظام المصري مسؤولية عدم المطالبة بحقوق هؤلاء الضحايا، وهو مطالب بالسعي لجلب حقوقهم".