خلال
فعاليات المؤتمر الوطني للشباب في محافظة الإسكندرية، تحدث النائب ورئيس حزب
العدل، عبد المنعم إمام، في 14 حزيران/ يونيو، وعندما انتهى وقت كلمته، أراد مدير
الجلسة إنهاء مداخلته، فتدخل
السيسي بابتسامته المثيرة للمشاعر لمنحه وقتا إضافيا
قائلا: "
المعارضة لها مكان"، فحيَّاه الحضور المُنتقى بعناية.
ربما
لا تستدعي الحاجة الإشارة إلى مضمون كلمات رئيس حزب العدل الذي لم يتحدث في كلمته
عن اختفاء أحد مؤسسي الحزب والنائب السابق في البرلمان،
مصطفى النجار، رغم مرور ما
يقرب من خمس سنوات على اختفائه، وهو الحال المتناسب لكي يصفه السيسي
بـ"المعارض". صحيح أن سقف حديث إمام ليس منخفضا كدراويش النظام، لكنه لا
يرقى لوصف المعارضة (الفعلية) أيضا.
إذا
أراد صاحب المؤتمرات أن يُحدِّثنا عن مكان المعارضة، فنحن نعلم جيدا أنها موجودة
في طُرَة، ووادي النطرون، وبدر، وسائر سجونه في طول
مصر وعرضها، والمسجونون مدنيون
وعسكريون، ومن كل الفئات الاجتماعية والثقافية، ونعلم جيدا أنه الذي كان يغبط عبد
الناصر بإعلامه، وأنه الذي كان يقول في قضية مصيرية (التنازل عن الأرض) "غير
مسموح بفتح النقاش في هذا الموضوع مرة أخرى"، وأنه الذي قام بإحراج وزير الكهرباء
عام 2016 على الهواء وطلب منه عدم مناقشة أحد الموضوعات أمام الرأي العام، نحن
نعلم جيدا أنه لا يطيق المعارضة أبدا.
إذا أراد صاحب المؤتمرات أن يُحدِّثنا عن مكان المعارضة، فنحن نعلم جيدا أنها موجودة في طُرَة، ووادي النطرون، وبدر، وسائر سجونه في طول مصر وعرضها، والمسجونون مدنيون وعسكريون، ومن كل الفئات الاجتماعية والثقافية، ونعلم جيدا أنه الذي كان يغبط عبد الناصر بإعلامه، وأنه الذي كان يقول في قضية مصيرية (التنازل عن الأرض) "غير مسموح بفتح النقاش في هذا الموضوع مرة أخرى"
يدور
نقاش في العلوم السياسة حول مدى ديمقراطية الدول التي تقوم على مبادئ
"الديمقراطية التوافقية"، التي تصنع ائتلافا من الكيانات الاجتماعية
الرئيسية المختلفة، وأحد محاور النقاش حول مدى صواب إطلاق مفهوم
"الديمقراطية" على هذه الدول بسبب غياب وجود معارضة، فالحكم ائتلافي
وكيانات المعارضة تعد صغيرة جدا، أو غير موجودة، بالطبع هناك ردود على هذا
الاعتراض، لكن محور الاستشهاد أن النظام الذي تتلاشى أو تتضاءل فيه المعارضة لا
يوصف بأنه نظام ديمقراطي، رغم أن التلاشي أو التضاؤل هنا إرادي وباختيار الأطراف،
فكيف يمكن تخيل النظام السياسي الذي يحكمه صاحبنا؟ وما هي الأوصاف اللائقة له؟
قيمة
المعارضة ليست في مجرد فعل المخالفة أو الاعتراض، فالمعارضة تقوم بأدوار متعددة
تقوم فيها بنفع النظام، أو نفسها، أو المجتمع، فالمعارضة التي لها وجود شعبي تمنح
النظام الشرعية عندما تقوم بالمنافسة على الانتخابات، وبرامجها السياسية
والاقتصادية والاجتماعية تعطي النظام وسائل لتطوير حكمه إذا كان يعمل لمصالح شعبه،
وتُسهم المعارضة في تهدئة الشارع إذا وجدت قيادتها تحركا جادا للنظام تجاه المطالب
الشعبية.
اجتماعيا،
تقوم
الأحزاب بما فيها المعارضة بنشر القيم السياسية في المجتمعات، وتستوعب
التوجهات المتزايدة نحو الرغبة في المشاركة السياسية والاجتماعية، بدلا من التوجه
إلى أفكار عنيفة، أو جماعات عنف، وهي من أهم الوظائف، كما أنها تشارك في الحفاظ
على الثقافة العامة للمجتمع إذا كانت الأحزاب مرتبطة ثقافيا بتاريخها ولغتها. أما
على مستوى النفع العائد على الحزب، فإنه يتعلق بمكاسبه المباشرة في تشكيل الحكومة،
أو المشاركة في حكومة ائتلافية، أو تمثيله برلمانيا بنسبة مؤثرة في القرار
السياسي.
هذه
الوظائف لا تتفضَّل بها المعارضة أو الأحزاب، بل هذا واجب أي جماعة في الدولة،
وقدر المسؤولية الذي تتحلى به المعارضة والنظام هو الذي يحدد ما سيكون في صالح
المجتمع أو ضرره، ومسؤولية النظام تقع في إطار تحقيق مصلحة المواطنين، ومسؤولية
المعارضة في إبداء الدعم عندما يُحسن النظام، وإبداء المعارضة عند الحاجة، لا أن
تكون المعارضة لأجل المعارضة، ولا أن يكون السكوت عن الخطأ مرهونا بمكاسب
الاتفاقات السرية مع الأنظمة السياسية.
تجربة السيسي مع المعارضة السياسية خلال فترة ما بعد الثورة سببا في نظرته لها بازدراء؛ إذ كانت مؤسسته تتلاعب بالمعارضة وجماعة الحكم، في فترة ما بعد التنحي إلى منتصف 2013، فسحق الذين حكموا، ثم سحق الذين أعانوه وكانوا غطاء مدنيا له
كانت
تجربة السيسي مع المعارضة السياسية خلال فترة ما بعد الثورة سببا في نظرته لها بازدراء؛
إذ كانت مؤسسته تتلاعب بالمعارضة وجماعة الحكم، في فترة ما بعد التنحي إلى منتصف
2013، فسحق الذين حكموا، ثم سحق الذين أعانوه وكانوا غطاء مدنيا له، فضلا عن عمله
في المخابرات الحربية التي تعاظم دورها بعد ثورة 2011، وعادة الأنظمة الاستبدادية تتجسس
على المعارضين في أدق التفاصيل، ما فتح له بابا واسعا لإدراك مواطن الخسة والدناءة
والضعف في خصومه، مع الفارق الكبير بين الدناءة والخسة من جهة، والضعف من جهة
أخرى، وربما تسبب هذا الإدراك في دعم حركته لسحق بعض أو كل هذه الأطراف.
ما
يريد نظام الحكم أن يصدِّره للمشهد العام منذ دعوته لما أسماه "الحوار
الوطني"، أن مصر فيها رأي ورأي آخر، لكن ما نراه أن المعارضة مسموح بتواجدها
في ظل الدولة، ولا بد أن تقبل بما تعطيه الدولة لها. فمثلا كانت هناك قائمة
للمعتقلين قدمتها الحركة المدنية قبل المشاركة في
الحوار الوطني، واشترطت
الإفراج
عنهم جميعا، لكن الأحزاب قبلت المشاركة قبل الإفراج عن كل القائمة. صحيح أن
الإفراج عن أي شخص أمر جيد، لكن وظائف الحركات الجامعة لعدة كيانات لا ينبغي أن
تكون بهذا الضيق في الرؤية والحسابات، ويصعب كذلك أن نرى هذه الوجوه التي كانت
تحتشد يوميا في الشوارع بين 2011 و2013؛ تقف الآن على عتبات السلطة تنتظر ما تسمح
به، ثم يراد لنا أن نصدق أنها معارضة فعلية أو فعالة.