في ليلة حالكة
السواد يتجه الجنرال بقواته إلى القصر الرئاسي معلنا انقلابه على الرئيس الدكتور
المنتخب بعد أن هيأ الرأي العام لعزله ثم قتله بعد رفضه التنازل عن الشرعية التي أعطاها
له الشعب، ليتولى بعدها الجنرال حكم البلاد بقبضة من حديد ويغرقها في جب من الظلم
وتلال من الديون، وليجلس بعدها على عرش مصنوع من الدم وجماجم الشعب.
الشعب الذي لم
يذق طعم الراحة أو الأمان، عشرات الألوف منه في المعتقلات ومثلهم اضطروا إلى
الهروب خارج بلادهم، وآلاف تمت تصفيتهم وماتوا في ظروف تعيسة ودُفنوا في قبور
مجهولة..
الجنرال الذي لم
يدخل في حياته حربا إلا حربا ضد شعبه الأعزل.. إنه بينوشيه، ديكتاتور تشيلي المرعب
الذي جنّدته أمريكا للانقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور الليندي، الذي كانت كل
جريمته الخروج من الهيمنة الأمريكية.
هذه هي النسخة
القديمة لديكتاتور
مصر. وبالرغم من أن بينوشيه لم يتوان في
خدمته لأمريكا داخل وخارج بلاده فشهد عهده اغتيالات ليست لمعارضيه في الداخل فقط،
بل وخارج حدود تشيلي.. إلا أنه بعد 17 عاما من الحكم الدموي رفعت أمريكا يدها عنه
بعد أن زادت كراهية الشعب لحكمه وأصبح وجوده يهدد مصالح أمريكا، فأخذت أمريكا بدعم
المعارضة والحركات العمالية وزادت الضغوط الدولية لعمل انتخابات حقيقية؛ أسفرت في
النهاية عن خسارة بينوشيه لحكم تشيلي ثم محاكمته بتهم تتعلق بحقوق الإنسان.
الإبقاء على السيسي وحمايته بعد أن أوصل مصر للانهيار الكامل في كافة المجالات، بخلاف جبال الديون وإفقار الشعب وتصرفاته المستفزة لمشاعر ملايين الفقراء الجوعى بربوع مصر، يعتبر كاللعب بالنار بالقرب من محطة وقود؛ فمن الطبيعي ألا يجازف كل داعمي ديكتاتور مصر بمكتسباتهم من أجل حمايته
فهل البدايات
المتطابقة ستصل بنا إلى نهايات متشابهة؟! فالإبقاء
على
السيسي وحمايته بعد أن أوصل مصر للانهيار الكامل في كافة المجالات، بخلاف جبال
الديون وإفقار الشعب وتصرفاته المستفزة لمشاعر ملايين الفقراء الجوعى بربوع مصر،
يعتبر كاللعب بالنار بالقرب من محطة وقود؛ فمن الطبيعي ألا يجازف كل داعمي
ديكتاتور مصر بمكتسباتهم من أجل حمايته.
فالغرب وأمريكا
لن يجازفوا بأن ينفجر الغضب المكبوت داخل صدور 110 ملايين مصري، فتخرج الأمور عن
السيطرة ويعرضوا بلادهم لطوفان هائل من الهجرة غير الشرعية، أو يتعرض طفلهم المدلل
(الكيان الصهيوني) لأقل خطر محتمل. والمجند محمد صلاح ما هو إلا رمز لـ110 ملايين
مواطن أصبحوا لا يجدون لحياتهم فائدة ولا أملا مرجوّا في ظل انهيار اقتصادي مُدمر.
حلل الكثيرون
حادثة صلاح من عدة زوايا، ولكن بنظرة سريعة على حساب صلاح في فيسبوك وكلام أصدقائه
عنه تعطيك الإجابة المنطقية.. محمد صلاح شاب مصري نموذج للشباب الذين صنعتهم سياسة
الجنرال البائسة؛ لا قضية، لا هدف، لا مستقبل.
فصلاح الذي كانت
تبعده عن الحياة المدنية أيام وسيخرج لطاحونة الحياة التي ستطحن عظامه بلا هوادة؛
هو شاب لم يكمل تعليمه ففرصة السفر معدومة، عمله بمجال الألوميتال شبه متوقف بسبب
الحالة الاقتصادية المتردية والفقر التي أوصلنا إليها الديكتاتور.
ملايين من الأفكار
ستدور بعقل كل من هو في حال محمد صلاح الذي حوّله السيسي هو وكل جيله إلى قنابل
موقوتة تتحين لحظة الانفجار؛ فربما كان انفجار صلاح محاولة انتقام ممن يساندون بكل
قوة الديكتاتور الذي سرق منه الحلم وحتى فتات الخبز.
ليس جيل صلاح فقط
هو من حوّله السيسي إلى قنابل موقوتة، بل الجيل الذي يليه، والذي يرى معظمه أن
البلاد أصبحت غير صالحة للحياة، فيبذل الشباب أعمارهم للهرب من أسوارها بمراكب
الهجرة غير الشرعية حتى وإن كان الموت بين الأمواج مصيرهم، أو كما فعل اللاعب
بغدودة الذي استغل أول فرصة قرّبته من حدود حلم الهرب فقفز ناجيا بمستقبله.
الجميع يريد وسيلة لغسيل مكتسباته وشرعنتها والحفاظ عليها، وهذا لن يكون إلا عن طريق انتخابات يخسرها السيسي، ولكن للأسف الخاسر الوحيد في تلك اللعبة هو شعب مصر؛ فإعلان خسارة السيسي في الانتخابات هو بمثابة إشهار لعقود البيع وإقرار بكل سنت تم إقراضه للسيسي
ليس هذان الجيلان
فقط، بل والجيل الذي يسبق جيل محمد صلاح؛ من الذين شاخوا مما شاهدوه من قتل
وتنكيل وأعمار سُرقت داخل معتقلات السيسي فأصبحوا يخشون الحلم. لقد حقق السيسي
مقولته: "يجب أن نضحّي بجيلين أو ثلاثة". هذه هي الأجيال الثلاثة التي
ضحّى بها السيسي بعد أن اغتصب منها حق الحياة، فأصبحت قنابل وأسلحة تعدادها 110
ملايين قطعة صنعت في مصانع اليأس لا يعلم أحد طريقة استخدامها، فكتالوج التشغيل فيه
جملة واحدة "الانفجار مرهون بقوة احتمال كل قطعة".
لذا، تبدلت أحوال
الداعمين الذين أجلسوا السيسي على عرش مصر بقوة المال والنفوذ، فلن يسمح الخليج
الذي دفع ملايين الدولارات للجنرال المنقلب حتى يئد ثورة يناير في مهدها كي لا
تمتد إلى بلادهم، أن تتم المجازفة بخسارة تلك العقود التي باع بمقتضاها السيسي معظم
مقدرات مصر وشركاتها وأرضها وتاريخها.
كما لن يسمح
عجائز الجنرالات الذين أعماهم السيسي في المال فاستولوا على اقتصاد مصر وكوّنوا إمبراطورية
ضخمة ودولة داخل الدولة؛ أن يخسروا كل هذا من أجل بقائه على كرسي الحكم.
الجميع يريد
وسيلة لغسيل مكتسباته وشرعنتها والحفاظ عليها، وهذا لن يكون إلا عن طريق انتخابات
يخسرها السيسي، ولكن للأسف الخاسر الوحيد في تلك اللعبة هو شعب مصر؛ فإعلان خسارة
السيسي في الانتخابات هو بمثابة إشهار لعقود البيع وإقرار بكل سنت تم إقراضه
للسيسي.
ونجاح السيسي
وبقاؤه معناه مزيد من الإفقار والقتل والبيع، لكننا هنا لا نتكلم عن ذاك الشعب
المغتصبة حقوقه بمباركة ورعاية وتخطيط دولي وإقليمي، بل نتكلم عن سيناريوهات "فن
السفالة الأنيق".
ماذا سيفعل السيسي للحفاظ على عرشه؟ هل هي انتخابات رئاسية وبرلمانية معا من أجل إحداث حالة من الزخم الشعبي تصبح ستارا يجري من خلفه التزوير وإعطاء صورة أن الشعب يريده؟ أم ستظهر حالات جديدة كحالة محمد صلاح؟
السياسة التي لا
تعرف سوى المصالح؛ فلا وجود لشعار حقوق الإنسان على أرض الواقع العربي المسلم إذا
تعارضت مع مصالح الغرب "فلا صداقة مع أحد
تدوم ولا وفاء لأحد يستمر، هذه هي السياسة الأمريكية حيث لا مكان لصديق أو حليف،
المعيار الوحيد هو المصلحة"، كما قال الأستاذ مجدي كامل في كتابه "كيف
تبيع أمريكا أصدقاءها".
هذه هي أمريكا،
فالوضع لم يختلف بداية من شاه إيران مرورا بسوهارتو وبينوشيه وصولا إلى برويز
مشرف، وما زال القوس مفتوحا. السؤال هنا: ماذا سيفعل السيسي للحفاظ على عرشه؟ هل
هي انتخابات رئاسية وبرلمانية معا من أجل إحداث حالة من الزخم الشعبي تصبح ستارا
يجري من خلفه التزوير وإعطاء صورة أن الشعب يريده؟ أم ستظهر حالات جديدة كحالة
محمد صلاح؟
نحن نتحدث عن 110
ملايين قطعة سلاح بدون كتالوج!! فهل ستنفذ أمريكا نفس سيناريو تشيلي وتستخدم القوة
المدنية كسلاح ردع لإسقاط ديكتاتورها واستبداله بوجه جديد؟ أم أن الشعب سيتحرك
ويقلب الطاولة على الجميع؟
فلكل واضعي
السيناريوهات اعلموا أن هناك كُتّابا مجهولين ربما.. ربما يفكرون بالعودة للأضواء إذا
ما استمر تجاهلهم والإساءة إليهم!!