في 28 حزيران (يونيو) الماضي، هنأ رئيس مجلس
السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بفوزه في
الانتخابات الرئاسية التركية مشيراً إلى أنّه يتطلع للعمل مع
تركيا من أجل تطوير
العلاقات الثنائية في مختلف المجالات. والمفارقة أنّ هذه التهنئة تلاها واحدة
مماثلة من قبل قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم
"حميدتي"، حيث أشار الأخير إلى أنّه يأمل في أن تؤدي نتائج هذه العملية
الديمقراطية واختيار أردوغان إلى الازدهار والتنمية للشعب التركي والمنطقة على حدّ
قوله.
ويعكس موقف الرجلين المتقاتلين جانباً من
المشهد المعقّد في
السودان، حيث يأمل كل منهما أن يستميل الطرف التركي إلى جانبه
أو على الأقل أن يضمن عدم استعدائه له. بعض المراقبين السودانيين والإقليميين كان
يأمل في أن يؤدي تقارب عبدالفتاح البرهان مع أردوغان إلى حمل الأخير على التدخل في
الأزمة السودانية وإنهائها لصالح الجيش السوداني. هذه الفرضية تنطلق من المقاربات
الإقليمية المماثلة لحالة السودان والتي لا تزال حاضرة بقوّة في الأذهان.
فقد ساهم التدخل التركي الحاسم في قلب
المعادلة بشكل غير متوقع في ليبيا بعد أن كانت الأمور تسير قاب قوسين أو أدنى
لصالح الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال خليفة حفتر آنذاك بدعم إقليمي ودولي
واسع النطاق ضد الحكومة المعترف بها شرعيّاً من قبل الأمم المتّحدة. كذلك، أدّى
الدعم التركي السريع والمنقطع النظير لأذربيجان إلى مفاجأة لم تكن في الحسبان استطاعت
باكو من خلالها تحرير أراضيها الذي ظلّت محتلّة حوالي 30 عاماً من قبل أرمينيا.
وقبل هذه وتلك، أوقفت تركيا زحف النظام
السوري وداعميه روسيا وإيران تجاه إدلب وغيرها من المناطق ومنعت موجة جديدة من
ملايين النازحين السوريين وفرضت أمراً واقعاً مختلفاً من خلال إلحاق خسائر فادحة
في الأرواح والعدّة والعتاد الخاص بنظام الأسد في سوريا. في كل هذه الأحداث لعبت
المسيّرات القتالية التركية لاسيما بيرقدار (تي بي 2)، دوراً أساسياً وحاسماً في
تغيير مسار الأحداث.
كما استطاعت هذه المسيرات التي لاقت رواجاً
وشهرة واسعة أن تبطئ من وتيرة الغزو الروسي لأوكرانيا وأن تقطع طرق الإمداد على
القوات الغازية وأن تمنح أوكرانيا الوقت اللازم لإعادة ترتيب أوراقها حتى وصول
المساعدات العسكرية الغربية. وتحوّلت هذه المسيّرة إلى أيقونة للأوكرانيين بعد أن
نشرت مقاطع فيديو وهي تدكّ قوافل روسية من مختلف القطع العسكرية.
ساهم التدخل التركي الحاسم في قلب المعادلة بشكل غير متوقع في ليبيا بعد أن كانت الأمور تسير قاب قوسين أو أدنى لصالح الإنقلاب العسكري الذي قاده الجنرال خليفة حفتر آنذاك بدعم إقليمي ودولي واسع النطاق ضد الحكومة المعترف بها شرعيّاً من قبل الأمم المتّحدة. كذلك، أدّى الدعم التركي السريع والمنقطع النظير لأذربيجان إلى مفاجأة لم تكن في الحسبان استطاعت باكو من خلالها تحرير أراضيها الذي ظلّت محتلّة حوالي 30 عاماً من قبل أرمينيا.
في السودان، يعتبر الجيش بمثابة المؤسسة
العسكرية الرسمية وقوات الدعم السريع بمثابة القوات المتمردة. من الناحية النظرية،
تبدو الأمور سهلة، إذ أنّه من المفترض أن يقوم الجميع بدعم الجيش ضد المتمردين
خاصّة أنّ قوات الدعم السريع لدينا سجل سيء من الارتزاق وتجنيد السودانيين للقتال
في أماكن مختلفة من بينها ليبيا لصالح الجنرال خليفة حفتر.
لكن من الناحية العملية، تبدو الأمور أكثر
تعقيداً، إذ أنّ هذه القوات تمّ الحفاظ عليها بمعيّة الاتفاق الذي أبرمه البرهان
سابقا والذي عمل مع حميدتي وقرّبه إليه. علاوةً على ذلك، فإنّ هذه القوات تتلقى
الدعم من الإمارات وروسيا على الأقل قبل النزاع الأخير بين الحكومة السورية وقوات
فاغنر.
فضلاً عن ذلك فإنّ الجهد الذي تقوده
السعودية بدعم أمريكي للجمع بين الرجلين (البرهان وحميدتي) يساوي فعلياً بينهما،
ويعرقل أي حسم للجيش السوداني ضد القوات المتمردة ويعطي الأخيرة الفرصة والقدرة
على التقاط الأنفاس وإعادة تنظيم الصفوف ومحاولة الحصول على المزيد من الدعم مما
من شأنه أن يطيل أمد الصراع وأن يصنع حالة من التوازن السلبي إلى حد بين الطرفين.
ولذلك، فمن المفهوم ألاّ تنظر السلطات الرسمية السودانية إلى هذه الطاولة بشكل
إيجابي.
علاوةً على ذلك، فإنّ الموقف المصري ضبابي،
ولعل هذه الضبابية المقصودة تخفي خلفها عجزاً أو ضعفاً من امكانية حسم الموقف
لصالح أحد الطرفين في ظل الدور السعودي والإماراتي. ثمّ إن هناك تخوّف البرهان نفسه
من وضع الجيش ونفوذ الإسلاميين فيه، يتبعه مشكلة أخرى تتعلق بمحاولة استمالة
حميدتي للقوى الثورية ضد الجيش والبرهان.
نعم، باستطاعة تركيا أن تحسم الموقف في
السودان باستخدام نفس القدرات، أي المسيرات القتالية والدعم العسكري. لكن الأرجح
أنّها لن تتدخل في المسألة السودانية على الأقل في هذه المرحلة بسبب التعقيد
المذكور آنفاً. أي تدخّل تركي في السودان غير مُعد له بشكل مسبق وفق ترتيبات
إقليمية معيّنة سيضع أنقرة في مواجهة الإمارات والسعودية ومصر وروسيا والولايات
المتّحدة وربما الأمم المتّحدة كذلك التي تراقب الوضع وترصد أي خروقات على عقوبات
موجودة أو إضافية محتملة على أي من الجانبين.
وفي هذه الحالة، فإنّ التوقيت لتصعيد مطلوب
لصالح أحد الطرفين غير موات للأجندة التركية المنسجمة مع تخفيض في التصعيد على
المستوى الإقليمي وانفتاح على اللاعبين الأساسيين في الإقليم. لذلك، فإنّ الأرجح
ألاّ تتدخل تركيا في الظروف الحالية والتوقيت الحالي إذا ما استمرت الأوضاع على شكله
القائم، لكن لا يمكن نفي هذا الاحتمال بشكل مطلق، وإذا ما تغيّرت المعطيات فقد
يتغيّر الموقف، وقد يتم التنسيق مع مصر في أي تصعيد محتمل، كما قد يتم التنسيق مع
باقي الأطراف في أي حل دبلوماسي محتمل. وفي كلتا الحالتين، فإنّ اللاعب التركي لن
يغيب تماماً عن المشهد، وسيتابع عن كثب مجريات الأحداث بانتظار اللحظة المناسبة.