فجأة وبدون مقدمات تم نصب سيرك
الانتخابات الرئاسية
المصرية القادمة، وبتنا
كل يوم نلحظ ورود أسماء لمرشحين جدد، ومن العجيب حقا -إلا قليلا منهم- أن يعلن كل
منهم عن غرضه من الترشح وبعض أفكار يعرضها على استحياء. ومع ذلك تعددت الآراء
والتحليلات التي تملأ الآفاق، وصدرت بيانات من السياسيين وتوقعاتهم، وملأت أخبار
الانتخابات الصحف رغم وجود مسافة من الزمن تعد بالشهور..
هكذا هو "مولد الانتخابات" والذي افتتح مبكرا، يعرف كل من يتقدم
للترشح أن دوره محدود وأن البعض يقوم الآن بإخراج هذا المشهد الانتخابي مسبقا في
محاولة منه للإيحاء زورا وتزويرا بأن مصر ستشهد انتخابات حقيقية، وهي في حقيقة
الأمر ليست إلا أشكالا انتخابية ورسوما معدة مسبقا لا تمت للانتخابات الحقيقية
بصلة، ولكنها تمارس على الأرض
التزوير والتغرير.
وفي ظل هذه الهوجة الانتخابية التي هبت رياحها وبدت بوادرها تهل علينا، من
الواجب على كل هؤلاء الذين يؤمنون بالتغيير الحقيقي ألا يعولوا على تلك الهوجة ولا
ذلك المولد، ولا ذاك السيرك المنصوب، فإن مثل هذه المشاهد صارت مكررة لا يمكن أن
نعدها في عداد العمليات السياسية والحقيقية والجادة، بل هي من ممارسات هزلية يقوم
بها النظام بصورة موسمية في تصوره لتلك الانتخابات. نعرف ذلك من انتخابات سابقة لم
تكن في حقيقة الأمر إلا غطاء مزورا لشرعنة نظام انقلب واغتصب، وقام بكل ما من شأنه
أن يروع الناس ويمنعهم من التعبير عن آرائهم أو مواقفهم، وبات كل ذلك معروفا
للقاصي والداني.
مثل هذه المشاهد صارت مكررة لا يمكن أن نعدها في عداد العمليات السياسية والحقيقية والجادة، بل هي من ممارسات هزلية يقوم بها النظام بصورة موسمية في تصوره لتلك الانتخابات. نعرف ذلك من انتخابات سابقة لم تكن في حقيقة الأمر إلا غطاء مزورا لشرعنة نظام انقلب واغتصب، وقام بكل ما من شأنه أن يروع الناس ويمنعهم من التعبير عن آرائهم أو مواقفهم، وبات كل ذلك معروفا للقاصي والداني
فحينما نتحدث عن انتخابات فإننا في حقيقة الأمر نتحدث عن شكل معين من
الانتخابات تريد المنظومة الانقلابية بأسرها أن تخدع به الناس؛ ابتداء بأن هناك
انتخابات حقيقية ستقوم على اختيار الرئيس، وهي في حقيقة الأمر لم تكن إلا ضمن
تمثيلية الشرعنة ومسرحية خداع الشعوب. وهنا نذكّر بتلك التعديات الدستورية التي
أشرنا إليه سابقا في مقالاتنا وأكدنا أنها ليست بالتعديلات ولكنها هي في صميم
التعديات على الدستور، وهو أمر صار مسلكا وأسلوبا لرئيس منظومة الثالث من يوليو،
فهو لا يعتبر الدستور ولا يقدره، وينتهكه ليل نهار وبشكل يومي من دون أدنى تحفظ،
إننا أمام منقلب أراد أن يعلن للكافة أنه هو الدولة المتصرف بأمرها، وكل من عليها
عبيد له أو خدم.
وفي ضوء هذا المناخ الذي نؤكد عليه -الذي وصفه المنقلب بنفسه بأننا شبه
دولة- فإننا لن ننجرف للتعامل مع كل هذه الشواهد والمشاهد باعتبارها تشكل أمرا
حقيقيا أو تمثل تأثيرا جوهريا، ولكن دعونا نتحدث عن أمر آخر يتعلق بمفهوم
الديمقراطية وموضع العملية الانتخابية منه، خاصة إذا ما نظرنا إلى رؤية أستاذنا
الدكتور حامد ربيع للسياسة والعملية الديمقراطية بأنها في جوهرها هي احترام كرامة
الإنسان بحيث يصير المواطن حاكما ومحكوما في آن واحد، بما تمثله من قيم كلية
وتأسيسية عليا، ومبادئ نظامية حاكمة، وأطر ومؤسسات وأبنية، وعمليات سياسة أساسية،
وقواعد وإجراءات عملية وتنفيذية. ومن ثم فإن السياسة بهذا الاعتبار منظومة متكاملة
متكافلة تأخذ تلك المستويات وتتساند مع بعضها البعض.
ويعنينا في هذا الشأن بالأساس دور المواطن فيها الذي يعد نفسه مسهما ومؤثرا
في المجال السياسي، معبرا عن ذلك بكونه إنسانا يتسم بالكرامة في المقام الأول
والأخير، ويؤكد على مواطنيته السياسية ليؤكد على فاعليته السياسية والمواطنية.
هذا النظام بجمهوريته الجديدة يقوم على سحق هذه الكرامة والقضاء عليها بشكل
شبه يومي وفي كافة المجالات، وسد كل منافذ المشاركة، وتجفيف السياسة وإقامة سدود
تحرص على هيمنة حالة من الانسداد السياسي، فضلا عن كبت حرية التعبير عن الرأي، أو
اتخاذ مواقف تشكل احتجاجا على سياسات النظام الفاضحة والفادحة والتي يستخدمها
فُجرا للتفريط في كل ما يتعلق بمقدرات الوطن والاستخفاف بكرامة المواطن وذلك بدعوى
الأمن والاستقرار، إذ يختبئ المستبد وراء تلك الحال التي يصطنعها ويزيفها عمدا ليمكّن
لقابليات الرضا الكاذب والشرعنة الزائفة؛ لفرض سياسات الطغيان المفعمة بالقهر
والغصب والمسكونة بالترويع والتجويع ومحاولة تشكيل عقلية القطيع والتطبيع معها.
التزوير في عهد السيسي هو تزوير حياة مجتمع بأسره، حيث استطاع أن يحوّل عملية التزييف والتزوير إلى ثقافة، واعتياد شعبي وجماهيري ومؤسسي.. هكذا عمدت الدولة لكي تحمي فسادها واستبداها وتحافظ على استمراره؛ إلى نشر وتعميم التزوير والتزييف، وباتت عمليات التزوير التي يشارك فيها عالم الدين ورجل القانون والمثقف أخطر بكثير من تزوير الأوراق الانتخابية في الصندوق، لأن هؤلاء يسهمون -مع الأسف- في تزوير العقول وإفسادها
ومن المؤشرات المهمة التي تتعلق بالسياسة وفاعليتها، والديمقراطية ونظامها
ما يرتبط بذلك من عمليات تتعلق بالمشاركة، والتي تعد العملية الانتخابية رغم
موسميتها من أهم التأشيرات عليها. الانتخابات في حقيقتها كعملية لا ترتبط فقط
بعملية تصويت في الصناديق؛ إنها أبعد من ذلك حينما تعبر عن اختيار أساسي لكل ما
يتعلق بالحياة السياسية ومساراتها. فالانتخابات كعملية ترتبط بثقافة المجتمع وحال
الاستبداد وقابلياته، ومن ثم فإن عملية الانتخابات ليست مجرد صندوق، ولكن كما يؤكد
العديد من الكتاب والباحثين هي عملية شاملة تحتاج لعمليات وإجراءات مكثفة تضمن
سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها؛ بدءا من الإطار التشريعي والقضائي والإعلامي
والسياسي والاقتصادي بعيدا عن التزوير والتزييف.
والجمهورية الجديدة لها طبعة خاصة بها من التزوير والتزييف، فالتزوير سابقا
كان يقصد به تسويد البطاقة، أو تبديل الصوت، أو شراءه، أو الفساد المصاحب لعمليات
عد الأصوات، ولكن التزوير في عهد السيسي هو تزوير حياة مجتمع بأسره، حيث استطاع أن
يحوّل عملية التزييف والتزوير إلى ثقافة، واعتياد شعبي وجماهيري ومؤسسي.. هكذا
عمدت الدولة لكي تحمي فسادها واستبدادها وتحافظ على استمراره؛ إلى نشر وتعميم
التزوير والتزييف، وباتت عمليات التزوير التي يشارك فيها عالم الدين ورجل القانون
والمثقف أخطر بكثير من تزوير الأوراق الانتخابية في الصندوق، لأن هؤلاء يسهمون -مع
الأسف- في تزوير العقول وإفسادها.
وهنا لا بد وأن نتوقف عند ذلك المشهد الذي يحاول البعض إخراجه؛ مبدين رأيهم
في الانتخابات في دول محترمة تعرف للانتخابات حقها ومستحقها، وتعرف كذلك أن
الانتخابات هي عملية اختبار لرضا الناس الحقيقي على سياسات النظام وعلى إنجازاته
الحقيقية. وهو أمر يجعلنا نستغرب ونتعجب من حوار دار بين شيخ وأحد
الإعلاميين
يتحدثان عن انتخابات رئاسية جرت في مصر بعد الثورة، فيتحدثان عما أسمياه النسبة
الضئيلة والنجاح الهزيل الذي وصل به الرئيس الشهيد محمد مرسي إلى سدة الحكم، ولم
يدرِ الشيخ الذي لا يعرف من السياسة إلا مساندة ودعم الطاغية، ولم يعرف الإعلامي -رغم
حصوله على شهادة عليا- أن الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن إلا
بهذا الفارق الضئيل، وهي علامة على فاعلية المجتمع وعلى قدرته، ولم يلحظ أي منهما
عملية انتخابية قوية وفاعلة في تركيا شارك فيها ما يقرب من 85 في المئة من الهيئة الناخبة؛
لم تسفر بعد جولة إعادة إلا أيضا عن فارق ضئيل، وهو أمر يحفز أي رئاسة في ظل هذه
النظم أن تحاول أن ترضي معارضيها قبل منتسبيها؛ وأن تعمل لصالح شعبها، وعينها على
انتخابات قادمة أو انتخابات أخرى في المحليات قد تتبعها.
ؤلاء سدنة الطغيان لا يعرفون للانتخابات مغزى أو معنى ولا لنتائجها قيمة، إنهم فقط يستخدمونها أداة ترويجية للطاغية لاستمراره وبقاء طغيانه وتمكين استبداده وسلطانه، وبما يستفيدون من خلال انضمامهم لهذه الجوقة الطغيانية التي لا تحسن إلا هذا العمل، ولا شأن لها بديمقراطية أو سياسة مدنية أو عملية انتخابية حقيقة
فليذهب هذا الشيخ أو ذاك الإعلامي الذي احترف الافتراء
والتدليس، إضافة إلى ذلك "البكري"؛ عرّاب الانتخابات الرئاسية الذي دخل
على الخط ليقول "لسنا أقل من تركيا"..
والمسألة هنا ليست بأقوال مرسلة ولا فائض كلام يقيّم الحالة الانتخابية
والديمقراطية والسياسة بلغة لا تفهم معنى الأرقام ولا تتعرف على مغازيها في
العمليات الانتخابية الحقيقية. وهؤلاء سدنة الطغيان لا يعرفون للانتخابات مغزى أو
معنى ولا لنتائجها قيمة، إنهم فقط يستخدمونها أداة ترويجية للطاغية لاستمراره
وبقاء طغيانه وتمكين استبداده وسلطانه، وبما يستفيدون من خلال انضمامهم لهذه
الجوقة الطغيانية التي لا تحسن إلا هذا العمل، ولا شأن لها بديمقراطية أو سياسة
مدنية أو عملية انتخابية حقيقة.
وعلينا أن نتذكر ما أكدنا عليه مرارا من أن التزوير في الانتخابات ليس مجرد
تسويد أوراق في الصناديق، ولكنها عملية تزوير إرادة شعب ومحاولة تزييف وعيه وتمرير
استبداد المستبد وطغيانه باعتباره نظاما صالحا رشيدا. وهؤلاء في حقيقة الأمر لا
يعرفون أصل القضية في "فهم الفرعونية": "وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ
بِرَشِيدٍ" (هود: 97)، "إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا
كَانُوا خَاطِئِينَ" (القصص:8). فحينما يتمتع هؤلاء بالجهل الشديد بشأن
السياسة والانتخابات فإنهم لا يعرفون من السياسة إلا النفاق والمداهنة والمخاتلة،
تلك السياسة الملعونة التي تقيم الطغيان وتشيد أركانه، كما قال شاعر الثورة:
بُنِيَ الطُّغْيانُ على خَمْسِ..
تَقْديمُ
الذَّيْلِ عَلَىٰ الرَّأْسِ..
تَخْدِيرُ الحَاضِرِ
بالأَمْسِ..
تَوْزِيِعُ
الخَوْفِ مَعَ اليَأْسِ..
تَقْدِيسُ
الشُّرْطَةِ والعَسِّ..
وبَقَاءُ الجَحْشِ
عَلَىٰ الكُرْسِي..
twitter.com/Saif_abdelfatah