سياسي تونسي لـ "عربي21": بن علي أبعد نجيب الشابي بسبب لقاء له مع الغنوشي
تونس ـ عربي21 ـ كمال بن يونس14-Jul-2311:54 AM
شارك
بورقيبة كان يؤمن بالعمق العربي والإسلامي لتونس ولشمال أفريقيا.. لكن كان عروبيا أولويته تونس و"الأمة التونسية" (الأناضول)
لا تزال فكرة القومية العربية أو العروبة القائمة على فهم أن العرب أمة واحدة تجمعها اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصالح، قائمة لدى تيار عريض من النخب العربية. وعلى الرغم من الهزائم السياسية التي منيت بها تجارب القوميين العرب في أكثر من قطر عربي، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار هذا التيار، ليس فقط كفاعل سياسي هامشي، بل كواحد من الأطراف السياسية الفاعلة في تأطير المشهد السياسي في المنطقة العربية.
ومع مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين الذي دشنته الثورة التونسية، عادت الحياة مجددا إلى الفعل السياسي وتجدد السجال التاريخي بين التيارات الرئيسية، التي شكلت ولا تزال محور الحياة السياسية العربية، أي القوميين والإسلاميين واليساريين، بالإضافة لتيار تكنوقراط يحسب نفسه على الوطنية ناشئا على هامش هذا السجال.
وإذا كان الإسلاميون قد مثلوا الصوت الأعلى في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي؛ بالنظر إلى كونهم التيار الأكثر تعرضا للإقصاء في العقود الماضية، ولأنه كذلك التيار الأقرب إلى غالبية روح الأمة التي تدين بالإسلام، فإن ذلك لم يمنع من عودة الحياة مجددا للتيار القومي، الذي بدا أكثر تمرسا بأدوات الصراع السياسي؛ على اعتبار تجربته بالحكم في أكثر من بلاد عربية، وأيضا لقربه من دوائر صنع القرار، خصوصا العسكرية والأمنية منها.
"عربي21"، تفتح ملف القومية العربية، أو التيارات القومية العربية بداية من المفاهيم التي نشأت عليها، وتجاربها والدروس المستفادة من هذه التجارب، بمشاركة كتاب ومفكرين عرب من مختلف الأقطار العربية، والهدف هو تعميق النقاش بين مكونات العائلات الفكرية العربية، وترسيخ الإيمان بأهمية التعددية الفكرية وحاجة العرب والمسلمين إليها.
اليوم يحاور الكاتب والأكاديمي التونسي كمال بن يونس، في هذا اللقاء الخاص بـ "عربي21"، الذي ننشره على جزأين، المنصف الشابي زهو زعيم قومي سابق، عن علاقات القوميين في تونس بالأنظمة الحاكمة التي مرت على تونس.
عندما اعتقل البوليس السياسي في 1968، في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، 40 ناشطا سياسيا شيوعيا وقوميا واشتراكيا، ضمن ما عرف بتسمية "مجموعة آفاق" تبين أن بينهم 14 شخصية من عائلة الشابي، بينهم القيادي البعثي مسعود الشابي و"العروبيان" أحمد نجيب الشابي وابن عمه المنصف الشابي، اللذين أديا دورا سياسيا كبيرا في عهد الرئيس زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011): الأول على رأس الحزب الاشتراكي التقدمي والحزب الديمقراطي التقدمي، والثاني في البرلمان و"الدبلوماسية الموازية" وفي قيادة حزب الاتحاد الوحدوي الديمقراطي، الذي كان يتزعمه رجل الأعمال والسياسي المخضرم عبد الرحمان التليلي.
في هذا الحوار الخاص بـ "عربي21"، مع الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس، يكشف المنصف الشابي عن جوانب من مسيرة اليسار القومي والماركسي في تونس بين العمل السياسي والنقابي السلمي و"التنظيمات الثورية السرية"، بينها "حزب الشعب الثوري" والانتماء إلى "حركات مسلحة " تدربت في ليبيا وفي المخيمات الفلسطينية بلبنان، تحت إشراف شخصيات ليبية وقيادات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة جورج حبش وتيسير قوبعة والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل وجبهة التحرير الفلسطينية، بزعامة أبو نضال صبري البنا ورفاقه في العراق.
كما يكشف المنصف الشابي عن جوانب مثيرة في علاقاته بالرسميين في تونس والمنطقة وبشخصيات جزائرية وتونسية، بينها الرئيس بن علي ووزرائه ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي ورئيس الحكومة الأسبق محمد مزالي والرئيس الجزائري الأسبق علي الكافي، وبقيادات قومية بعثية وناصرية مؤثرة بينها المحامي والمفكر المصري عصمت سيف الدولة والحقوقي محمد فائق.
كما يكشف عن جوانب من ذكرياته مع قيس سعيد قبل وصوله إلى السلطة في 2019.
وفيما يلي نص الجزء الثاني وهو الأخير من الحوار:
"بورقيبة عروبي" أولويته "الأمة التونسية"
س ـ كيف تقيم موقف الرئيس بورقيبة عموما وفريقه من القومية والعروبة، خاصة أن بعض المقربين منه مثل محمد مزالي والبشير بن سلامة كانوا مع التعريب والعروبة؟
ـ بورقيبة كان يؤمن بالعمق العربي والإسلامي لتونس ولشمال أفريقيا، لكن كان عروبيا أولويته تونس و"الأمة التونسية"، مثلما كان وطنيون في مصر يتحدثون وقتها عن "الأمة المصرية ".
كان بورقيبة معجبا أكثر بتجارب بعض السياسيين والمثقفين في دول المشرق الإسلامي، وخاصة تجارب تركيا والباكستان والهند وزعمائها محمد إقبال ومحمد علي جناح. وكان بعض قيادات الحركة الوطنية التونسية والمغاربية في المنفى وقتها، بينهم الحبيب ثامر والرشيد إدريس، وقبلهم عبد العزيز الثعالبي أدوا دورا في المشرق الإسلامي.
لكن بورقيبة الذي هاجر إلى مصر والمشرق في الأربعينيات للتعريف بقضية استقلال تونس، انزعج لأن اهتمام مكاتب المغرب العربي في القاهرة ودمشق وأوروبا ثم جامعة الدول العربية أعطي أساسا لقضية فلسطين مع "تغييب" قضية تونس. بل إن قضية تحرير بلدان المغرب العربي لم تبرز في مصر والمشرق إلا بعد اندلاع ثورة الجزائر، ووقع توظيفها في القاهرة ضد فرنسا في سياق معركة السويس و"العدوان الثلاثي".
عاد بورقيبة إلى تونس وهو على غرار الزعيم صالح بن يوسف وطني وعروبي مع تحفظات، وكانا معا "من أولاد فرنسا ".
لكن صالح بن يوسف اقترب من عبد الناصر ومصر أكثر بعدها بسبب خلافاته مع بورقيبة وأنصاره.
فزاد ابتعاد بورقيبة عن مصر والسياسيين العروبيين والمشارقة بمن فيهم من شكك في مساره السياسي التفاوضي مع باريس من أجل "الاستقلال الداخلي"، ودافع عن مقولة "الحل مع فرنسا أفضل من الفراغ ورفع شعارات غير قابلة للتحقيق "وتبنى مقولة "خذ وطالب".
بورقيبة اقترب من فرنسا؛ لأن معركة السويس وقعت وهو منفي في قصر في فرنسا، فانحاز إليها بصمته عن "العدوان الثلاثي"، بينما انحاز صالح بن يوسف والقيادات العروبية المغاربية في المنفى، بينها الزعيم الجزائري أحمد بن بلا ورفاقه إلى عبد الناصر و"مصر العروبة".
كانت النتيجة أن انحازت فرنسا للزعيم بورقيبة وأنصاره ضد صالح بن يوسف ورفاقه "العروبيين"، ودعمتهم أكثر عندما وافقت في آذار / مارس 1956 على إبرام اتفاق "الاستقلال التام"، وتجاوز وثيقة يونيو (حزيران) 1955 المثيرة للجدل بين بورقيبة والعروبيين، بزعامة صالح بن يوسف وحلفائه في القاهرة.
الجزائر "الاستقلال الداخلي".
بعد الاستقلال، راهن بورقيبة أكثر على أوروبا والغرب وعلى فرنسا، ولم يكن مرتاحا لسياسات الحكام العرب، خاصة أن بعضها مثل جمال عبد الناصر ومعمر القذافي وقيادات بعثية ناصبته العداء.
لكن بورقيبة وافق على التعريب في السبعينيات والثمانينيات، وعين محمد مزالي، الذي كان مثله عروبيا يؤمن بالأمة التونسية، رئيسا للحكومة وأمينا عاما للحزب الحاكم، وانفتح بورقيبة أكثر في عهده على العرب والتعريب، خاصة أن جامعة الدول العربية نقلت مقرها إلى تونس في 1979 وقاطعت مصر، كما انتقلت القيادة الفلسطينية بزعامة العروبي الإسلامي ياسر عرفات وجورج حبش مؤسس "حركة القوميين العرب" و"اليسار القومي العربي" إلى تونس في صائفة 1982 بعد حرب لبنان.
بورقيبة وسيد قطب وعبد الناصر
س ـ يكشف أرشيف الصحافة الرسمية في تونس أن بورقيبة انحاز في 1966 إلى سيد قطب زعيم الإخوان المسلمين، ووصفه بالكاتب والمفكر العربي والإسلامي الكبير، وعارض إعدامه وسمح بتوزيع كتبه في تونس. كما سمح بورقيبة لمدير صحيفة "العمل" الحبيب بولعراس ورئيس تحريرها صلاح الدين بن احميدة بانتقاد عبد الناصر والقومية. فيما اتهم زعماء اليسار القومي التونسي والإعلام المصري والأحزاب القومية الناصرية والبعثية المشرقية بورقيبة مرارا بالفرنكفوني و"عميل الغرب".
ماهو تعليقك؟
ـ الرئيس بروقيبة كان وطنيا عروبيا أولويته تونس، وقد مرت علاقاته بمصر في عهد عبد الناصر ومع القذافي وقادة قوميين وبعثيين بأزمات عديدة، وأعتقد أن صراع الزعامة في المنطقة بينه وبين عبد الناصر والقذافي وبعض القيادات العروبية في الجزائر في عهدي الرئيسين العروبيين أحمد بن بلا وهواري بومدين، جعله يقف ضد اضطهاد سيد قطب وإعدامه؛ كورقة ضد عبد الناصر وضد أنصاره داخل تونس.
لكن، يجب ألا ننسى أنه سمح لعدد من رموز التيار الوطني العروبي والإسلامي المساندين لسياساته بتحمل مسؤوليات عليا في الدولة في عدة قطاعات، بما في ذلك على رأس قطاعات التربية والثقافة والتعليم، من خلال تعيين شخصيات مثل محمد مزالي والبشير بن سلامة وفرج الشاذلي والشاذلي القليبي، فضلا عن الشخصيات الزيتونية العروبية التي عينها على رأس مؤسسات عليا في قطاعات الأمن والقضاء والإدارة والاعلام.
بن علي ونجيب الشابي والغنوشي.
س ـ بن علي كلف مرارا قيادات قومية وعروبية بمهمات ديبلوماسية وسياسية مع صدام والقذافي وسوريا والفسلطين. فهل كلفك بمهمات خاصة أنك كنت زعيما سابقا لـ "حزب الشعب الثوري"، وهو تنظيم مسلح من اليسار القومي خرجت من رحمه لاحقا تنظيمات "ثورية" يسارية وقومية أخرى، كانت لديها بدورها علاقات مع السلطات في ليبيا والعراق واليمن وسوريا وفي التنظيمات اليسارية القومية، وخاصة الجبهة الشعبية بزعامة جورج حبش وحركتي أحمد جبريل وأبو نضال؟
ـ قصة الخلاف بين بن علي والشابي مطلع التسعينيات بعد أن كان من أكثر المقربين منه واكبتها عن قرب؛ فقد اتصل بي عبد الرحماني التليلي الأمين العام لحزبنا ومدير عام الشركة الحكومية العملاقة "الديوان الوطني للزيت" عشية ذكرى 7 تشرين الثاني / نوفمبر1992 أو 1993، وأعلمني أنه قابل بن علي، وقد كان مقربا جدا منه، واكتشف منه أنه كان غاضبا جدا وناقما على أحمد نجيب الشابي. وقال لي عبد الرحمان التليلي؛ إن بن علي فسر له غضبه من نجيب الشابي قائلا؛ "إنه يؤدي مع الإخوان والغنوشي.. وإذا جاء إلى قصر قرطاج مرة أخرى، سوف أبصق على وجهه".
وقد زرت ابن عمي وصديقي ورفيقي القديم والجديد في العمل السياسي نجيب الشابي في بيته مع الحادية عشرة ليلا، وأعلمته وأقنعته بألا يحضر احتفال قصر قرطاج بذكرى تغيير 7 تشرين ثاني / نوفمبر، رغم استلامه دعوة رسمية.
وفهمت لاحقا سبب غضب بن علي من نجيب الشابي.
س ـ ماهو السبب؟
ـ السبب كان مقابلة ومحادثة خاصة بين نجيب الشابي وراشد الغنوشي، حضرتها في الخرطوم عندما كان الغنوشي وبعض قيادات حركة النهضة لاجئين سياسيين فيها.
كان ذلك في كانون الثاني / يناير 1992 حسبما أذكر، بمناسبة انعقاد "المؤتمر القومي الإسلامي" في السودان الذي حضرته مع مسعود ونجيب والمنصف الشابي وبن لادن وقيادات عروبية علمانية وأخرى إسلامية، بينها خير الدين حسيب ومعن بشور والقيادي السياسي الرسمي السابق في الجزائر عبد الحميد مهري وشخصيات فلسطينية وأردنية ولبنانية ومغاربية من عدة توجهات، أعتقد أن من بينها المفكر الفلسطيني منير شفيق الذي كان من قيادات الشيوعيين الفلسطينيين، ثم أصبح عروبيا إسلاميا.
أذكر أن شخصيات بارزة من قيادة حزبي، الاتحاد الوحدوي الديمقراطي، انتقدتني في وسائل الإعلام بسب تلك المشاركة، واتهموني بالتحالف الضمني مع الغنوشي والترابي ورفاقهما، لكن عبد الرحمن التليلي تدخل وأوقف الحملة ضدي.
أعود إلى مؤتمر الخرطوم، فقد صلى بنا راشد الغنوشي العشاء، وبعد الصلاة طلب من نجيب الشابي عقد جلسة خاصة معه في فندق الهلتون، حيث كان يقيم، فاقترح عليه نجيب أن يلتقيا في غرفتي في الفندق الذي كنا نقيم فيه، فندق هلتون الخرطوم.
في تلك الجلسة، اقترح راشد الغنوشي على نجيب الشابي، الذي كان قبل 1992 من أكثر المقربين إليه، أن يبلغ بن علي رسالة فحواها عرض من قيادة حركة النهضة، يتمثل في أن يصدر بن علي قرارا بإطلاق سراح كل المساجين والموقوفين الإسلاميين، مقابل تعهد من الغنوشي بأن يعتزل وكل قيادات النهضة ومناضليها العمل السياسي لمدة عشرة أعوام... وأن تنجز مصالحة وطنية... تشمل عودة الغنوشي ورفاقه في المهجر إلى تونس، دون تتبعات قضائية وأمنية، فيما يلتزمون بالانسحاب من المشهد السياسي تماما لمدة عقد كامل.
بعد حوار في تلك الجلسة دام حوالي ساعة بين الغنوشي ونجيب الشابي بحضوري، قدم فيها نجيب أول الأمر تحفظات وافق على القيام بـ "الوساطة " وبإبلاغ "الرسالة ـ العرض" إلى بن علي.
عدنا إلى تونس، فنصحت نجيب بعدم إبلاغ الرسالة إلى بن علي، لكن نجيب أصر على القيام بمهمة "الوساطة"، وقد أبلغني نجيب لاحقا أن بن علي غضب وأوقف الجلسة، وأمر باستبعاد نجيب الشابي من المشهد السياسي حتى آخر حكمه. اقرأ أيضا:سياسي تونسي لـ "عربي21": هذه حقيقة علاقة سعيد وبن علي وبورقيبة بالقوميين