تتفاقم
حالة الاحتقان الشعبي بالشارع
المصري بين المدنيين وقوات الشرطة، بفعل التعامل
الأمني السيء والعنيف وغير القانوني والذي يصل للقتل خارج إطار القانون والاعتقال
دون إذن نيابي.
ومنذ
الانقلاب العسكري منتصف العام 2013، ارتكبت السلطات الأمنية العديد من المجازر بحق
المصريين، منها في ميداني "رابعة العدوية"، و"النهضة"،
ومثيلاتها، ومنها في شبه جزيرة سيناء، فيما طالت عمليات البطش الأمني الكثير من
المصريين بكل المحافظات.
وشهد
الشارع المصري حالة غضب شديد إثر نشر نجلة الفنان المصري إيمان البحر درويش صورة
له في فراشه 10 تموز/ يوليو الجاري، بينما يعاني من هزال وحالة صحية سيئة، ما
أرجعه مراقبون لما جرى له من اعتداء وتعذيب إثر اعتقاله لانتقاده سياسات النظام
المصري.
وكشفت
واقعة قتل ضابط شرطة لأحد أبناء قبائل المنطقة الغربية في مصر عن تفاقم الغضب
الشعبي بين الأهالي من التعامل الأمني العنيف مع المصريين من قبل أجهزة نظام
عبد الفتاح
السيسي.
وقتل
ضابط شرطة في مدينة سيدي براني بمطروح شمال غرب البلاد 11 تموز/ يوليو الجاري،
المواطن فرحات المحفوظي بثلاث رصاصات أمام ذويه وأصدقائه ما دفع نشطاء لنشر
العديد من الوقائع الحديثة لاعتداء الأمن على أفراد مدنيين وإهانتهم.
كما
نشر أحد أهالي مطروح مقطعا يكشف فيه عن تهديد الأمن وقيادات بالجيش للأهالي
الغاضبين بتحويل مطروح إلى سيناء أخرى، في إشارة إلى تهجيرهم من بيوتهم وسجنهم
وترويعهم كما حدث في شمال سيناء، فيما وجه المواطن رسالة غضب شديدة اللهجة للأمن
والجيش.
وفي
بث مباشر عبر "فيسبوك"، خرجت سيدة مصرية في المنيا بصعيد مصر تشكو من
رفض الأمن تحرير محضر لها ضد زوجها، واعتداء مأمور مركز مغاغة عليها وإهانتها،
مؤكدة أن سبب ذلك قولها له إنه موظف حكومي، الأمر الذي انتهى باعتداء الأمن عليها
وتحطيم هاتفها المحمول.
"أفدح
وأشد وأقسى"
وفي
إجابته على تساؤل "عربي21"، "هل يدفع النظام ثمن إطلاق يد الأمن
بحق المصريين؟"، قال السياسي المصري والبرلماني السابق رضا فهمي: "كلنا
نتذكر الكلمة الشهيرة للسيسي عام 2014، وهو يعطي الضوء الأخضر لضباط الداخلية
بالتوسع في قتل المواطنين".
عضو
لجنة الأمن القومي بالبرلمان المصري سابقا، أشار إلى أن السيسي، حينها "أمنهم
ضد أية مساءلة قانونية عن قتل المواطنين، وبالتالي فإن السيسي، من أسس لحالة العبث
في دماء المصريين بغير رقيب ولا حسيب".
ووفق
رؤيته للحالة المصرية واحتمالات تحول الغضب الشعبي من التعامل الأمني مع المصريين
إلى ظاهرة، أكد فهمي، أن "المتابع لتاريخ أنظمة الفساد والاستبداد في العالم
يعرف جيدا أن نهايتها محتومة".
وحول
مدى تشابه تلك الحالة مع ما عاشه المصريون في نهاية عصر مبارك وأدى لثورة يناير
2011، قال فهمي: "هذه الأيام لا تشبه أبدا الأيام التي سبقت 25 يناير، بل إن
هذه الأيام أفدح وأشد وأقسى على الشعب المصري من فترة حبيب العادلي"، معتبرا
أن "الناس تعلمت الدرس، ولذا فالهبة أو الانتفاضة أو الثورة القادمة لن تكون
بأي شكل من الأشكال كسابقتها".
"فاق
الجميع"
رئيس
المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" مصطفى خضري،
وافق السياسي المصري، في رؤيته حول حجم التشابه بين الحالة المصرية الحالية مع ما
عاشه المصريون في نهاية عصر مبارك وأدى لثورة يناير 2011.
وقال
لـ"عربي21"، إن "ما يعيشه المصريون حاليا فاق كل ما مر بمصر خلال القرن الماضي".
وأكد
أنه "برغم وجود فترات سابقة عانى فيها المصريون من شظف العيش، أو التضييق
السياسي، أو الملاحقات الأمنية، أو الاضطهاد الديني للمسلمين؛ إلا أن اجتماع كل
تلك البلايا خلال هذا القرن؛ لم يحدث إلا بعصر الجنرال السيسي".
ورأى
أنه "وبالمقارنة بين نهاية عصر مبارك وهذا العصر؛ نجد أن عهد مبارك بكل
مساوئه كان أفضل بمراحل من هذا العهد".
"90
بالمئة يرفضون"
وفي
رؤيته لاحتمالات تحول الغضب الشعبي من التعامل الأمني مع المصريين إلى ظاهرة، أشار
الخبير في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام، إلى دراسة تفيد بأن "الكتلة
الحرجة الرافضة لحكم السيسي ارتفعت إلى 89 بالمئة، ما يعني أن حالة الرفض
تعدت الفئات محدودة ومتوسطة الدخل، ووصلت إلى الفئات مرتفعة الدخل، والفئات ذات
الوظائف الآمنة".
وأضاف:
"لكن برغم ذلك؛ فإن الكتلة الحرجة المتحركة التي يمكنها النزول ضد النظام
ما زالت في حدود 3 بالمئة وهي نسبة ضئيلة ستقل كثيرا عندما نأخذ في الحسبان الفرق
بين الرغبة في الخروج على النظام والتحرك الفعلي للخروج عليه".
ويرى
أنه لذلك فإن "عملية خروج الغضب الشعبي من الصدور للشارع تحتاج لقيادات
تستطيع الحشد والتنظيم وإعادة توجيه العقل الجمعي الشعبي لمواجهة النظام".
"الشروط
الخمسة"
وفي
تقديره للأسباب التي تغذي هذا الغضب الشعبي وتؤدي إلى تحوله لغضب على الأرض، قال
خضري، إنه "لكي يتحول الغضب الشعبي إلى ثورة لا بد من وجود 5 شروط".
وتتمثل
الشروط في "وجود كتلة حرجة متحركة أكبر من 5 بالمئة من المجتمع لكي تكون
قادرة إذا تهيأت الظروف على إحداث تغيير"، إضافة إلى "وجود قيادة واعية
تعرف كيف تنظم الحشود وتديرهم وتعيد توجيههم"، و"وجود إعلام محترف ولديه
تنسيق حقيقي مع قيادات التغيير"، و"دعم إحدى الجهات السيادية لقوى
التغيير".
أما
خامس الشروط وهو الأهم وفق رئيس "تكامل مصر"، يتمثل في "وجود مشروع
حقيقي للتغيير يكون متكامل الأركان ويحمل رؤية لما بعد الخروج"، معتبرا أنه "بدون
هذه الشروط الخمسة؛ سندخل في دوامة متتالية من الانتفاضات الفاشلة".
وفي
إجابته على السؤال، "هل يدفع نظام السيسي ثمن إطلاقه يد الأمن بحق المصريين؟ قال إن "الجهاز الأمني في مصر يعمل وفق تعليمات رأس النظام ولا يجرؤ أحد من
منتمي الأجهزة الأمنية على التحرك بدون علم النظام وتوجيهاته".
وأضاف:
"ولكني أظن أن الانتهاكات التي تحدث من الأجهزة الأمنية ضد المواطنين؛ هي
انتهاكات فردية بدون توجيه، لكنها تحدث نتيجة حالة تضخم في الذات يعيشها منتمي تلك
الأجهزة، أدت إلى تحول بعضهم بداخل نفسه إلى نصف إله".
وفي
نهاية حديثه أكد أنه "مهما يكن؛ فإن تلك الانتهاكات لها تأثير مباشر وقوي على
حالة الغضب الشعبي، وربما ستكون إحدى تلك الانتهاكات القشة التي تقسم ظهر
النظام".
"أشد
تأزما"
الكاتب
الصحفي والناشط المصري سيد الجعفري، من جانبه، قال لـ"عربي21":
"يدرك أي مراقب للوضع المتأزم في مصر تشابها كبيرا بينه وبين الوضع المتأزم
نهاية عهد مبارك وقبيل ثورة يناير 2011، وهو ما كانت مؤسسات الدولة حذرت منه لكنه
لم يعبأ بتقاريرها حتى أفاق على أصوات تهتف بسقوطه".
وأعرب
عن اعتقاده بأن "الوضع الآن، أشد تأزما بسبب إطلاق يد المؤسسة العسكرية
بقطاعات الدولة، فضلا عن زيادة القبضة الأمنية ولجوء النظام السياسي للحلول
الأمنية والعسكرية، لوأد أية أصوات تطالب بالديمقراطية في مهدها".
الجعفري،
يرى أن "هذه العقلية والظروف أدت إلى زيادة احتقان الشارع، خصوصا مع موجة
غلاء مسعورة، زاد حدتها التضخم العالمي وتفاقم أزمة الدولار التي هزت اقتصاد
البلاد".
ولفت
إلى أن "هذا الاحتقان نتج عنه تصادم بين أفراد الشعب ورجال الأمن في عودة
مباشرة لعهد حبيب العادلي"، ملمحا إلى أن "جرأة بعض الحالات بالحديث عبر
مواقع التواصل الاجتماعي زاد من ظهور تلك الحالات".
وتابع:
"لكن هذا لا يدفعنا للتسليم بالنتيجة نفسها التي حدثت مع مبارك؛ لأن كل عهد
له ظروفه المختلفة؛ ففي عهد مبارك حاجز الخوف بدأ في التساقط منذ مدة ليست بيسيرة،
ولم يكن أمام الشعب سوى إسقاط اللبنة الأخيرة في هذا السور المتآكل".
ويعتقد
الكاتب المصري، أن "حاجز الخوف عاد أقوى مما كان، والشعب لا يمتلك قيادة
واعية تخطّ له مسارات الثورة، لا داخلياً ولا خارجياً، ونظام السيسي ما زال نظاماً
شاباً يافعاً محكماً قبضته الأمنية على كل شيء، وليس نظاماً عجوزاً متهالكاً كنظام
مبارك الثلاثيني، والأزمة الاقتصادية حاصرت المصريين فلم يعُد لديهم تطلّع سوى اللهث
خلف لقمة العيش".
وتابع:
"والحالة السياسية التي وصلت إليها منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً حالة الانكسار
التي شهدتها دول الربيع العربي، فتّت عزم المصريين ووأدت أيّ طموح لديهم، فضلاً عن
النظام العالمي المشغول بأزماته الاقتصادية، ولم تعُد لديه رفاهية دعم الديمقراطيات
الناشئة كما كان في العقد الأول من الألفية الجديدة".
وختم
بالقول: "إذن، ستظلّ ظاهرة انتهاكات الشرطة ضد الشعب في تصاعد، وسيكون لها
تداعيات مؤثرة في الفضاء الإلكتروني فقط، وسيحاول النظام امتصاصها وتفريغها من
مضمونها".