فتحت
مصر المزاد أمام العديد من الخطوط الحمر والاستثناءات التي كانت يحظرها ويمنعها
ويعاقب عليها القانون من أجل جمع عملات أجنبية في ظل الأزمة المالية التي تشهدها
البلاد على خلفية شح النقد الأجنبي وحاجتها إليه لسداد الديون وأقساطها وتلبية
احتياجاتها من الخارج.
وفاجأت
الحكومة المصرية الجميع بالإعلان عن مبادرتين غير اعتياديتين لجمع أكبر قدر من
الدولار، حيث أعلن بنكا الأهلي ومصر، ذراعا البنك المركزي المصري المالي، عن قبول
وضع أي مبالغ بالعملة الصعبة دون السؤال عن مصدرها من أجل شراء شهادات دولارية
لمدة ثلاث سنوات بأعلى فائدة في تاريخ البلاد تتراوح بين 7% و9%.
ولتجاوز
أزمة السؤال عن مصدر الأموال عند إيداعها بالبنوك ما جعل الكثير من المواطنين
يعزفون عن إيداع أي مبالغ بالعملة الصعبة في حساباتهم في البنوك، قال مسؤولون
بالبنكين إن أي عميل يستطيع أن يضع أي مبلغ بالعملة الأجنبية دون أن يوجه له سؤال
"من أين لك هذا"، من أجل تحصيل أكبر مبلغ ممكن من النقد الأجنبي.
بالتزامن
مع طرح الشهادات الدولارية، نشرت وزارة الخارجية المصرية، الخميس، إعلانا بشأن
مبادرة لتسوية المواقف التجنيدية للمواطنين بالخارج؛ نظرا لتردد بعض المواطنين في العودة
إلى أرض الوطن وعدم إمكانية المغادرة مرة أخرى؛ بسبب عدم التصريح لهم بالسفر كونهم
مطلوبين للخدمة العسكرية أو عدم إنهاء موقفهم التجنيدي.
وتضمنت
المبادرة تسوية أوضاع هؤلاء المتهربين من الخدمة العسكرية أو المتخلفين عنها مقابل
تحويل مبلغ 5 آلاف دولار/ يورو على حساب بنك مصر فرع أبوظبي بدولة الإمارات، وشددت
الوزارة على أنه لا يسمح بتجديد جوازات السفر للمصريين المقيمين بالخارج إلا بعد
تسوية المواقف التجنيدية لهم.
ويعاقب
القانون المصري على التهرب من التجنيد، وهو عدم التقدم للتجنيد لأداء الخدمة
العسكرية في السن القانونية المحددة للشخص، وحددت المادة 49 من القانون رقم 127 لسنة
1980 أنه يعاقب كل شخص تخلف عن التجنيد عن مرحلة الفحص أو التجنيد متى تجاوز سنه
الثلاثين عاما بالحبس وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف
جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف
جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
دعوة
الحرية مقابل فدية
وشجعت
المبادرات السابقة نشطاء وحقوقيين وسياسيين معارضين على حث السلطات المصرية على إطلاق
المعتقلين في
السجون المصرية، أو الذين يعانون من الحبس الاحتياطي ولم يصدر بحقهم
أي أحكام منذ سنوات، مقابل دفع مبلغ مالي محدد "فدية" بالعملة الصعبة
أسوة بالحالات السابقة.
وقال
الناشط السياسي، أحمد غانم، إنه "ردا على دعوة الحكومة المصرية المصريين
بالخارج لتحويل دولارات لإنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار، فإنني أجدد مبادرتي
التي أطلقتها من قبل تحت وسم (المعتقلين مقابل التحويلات) والتي رفضتها الأجهزة السيادية سابقا".
وأوضح
في حديثه لـ"عربي21"، أن "الدعوة تشمل قيام آلاف المصريين وأحرار
العالم ومحبي الحرية بالخارج بفتح حساب دولاري في مصر يحول فيه على الأقل مبلغ
1000 دولار لحساباتهم الشخصية (ليس تبرعا) في مقابل تعهد النظام الحاكم بعمل لجنة
محايدة لدراسة أوضاع المعتقلين والإفراج الفوري عن أي معتقل سياسي لم يثبت تورطه
في أي أعمال عنف، وفتح الباب أمام عودته إلى بيته وأسرته".
ولا
تفصح السلطات المصرية عن الأعداد الحقيقية للمحبوسين في السجون المصرية منذ
الانقلاب العسكري، أو المفرج عنهم، أو عدد الذين لقوا حتفهم في السجون، وترفض
إصدار أي إحصاء بهذا الصدد، ما يجعل تقدير أعدادهم محض تكهنات وتقديرات غير دقيقة.
وتشير
تقديرات جماعات المعارضة بالخارج ومنظمات حقوقية إلى أن أعداد المعتقلين السياسيين
تبلغ ما يقرب من 60 ألفا، لكن منظمة العفو الدولية قدّرت، في كانون الثاني/ يناير
2021، عدد المعتقلين والمسجونين بمصر بنحو 114 ألف سجين.
وفي
تقديره لتلك المبادرات من أجل تحصيل أي مبالغ بالعملة الصعبة لإنقاذ الاقتصاد الذي
يقف على شفا الانهيار، رأى المستشار محمد سليمان رئيس محكمة سوهاج الأسبق وأحد
رموز تيار الاستقلال القضائي، أنها "تكشف عن غياب دولة القانون في مصر،
وهيمنة السلطة التنفيذية على القضاء والقانون والدستور، ولا يوجد قوانين في مصر
لكي يتم احترامها، كل السلطات في يد السلطة التنفيذية وحدها التي تضحي بأي شيء
ثمنا للبقاء".
وفي ما
يتعلق بدعوة السلطات المصرية إلى القبول بمبادرة الإفراج عن المعتقلين مقابل إيداع
مبالغ بالنقد الأجنبي، أوضح لـ"عربي21" أنها "قد تأتي بنتائج
عكسية"، مشيرا إلى أنه "بغض النظر عن معقولية الدعوة أو عدم معقوليتها
إذا وافق النظام على الاقتراح فيكون ذلك مدعاة لمزيد من الاعتقالات لجلب المزيد من
الدولارات".
قفز
حجم الدين الخارجي بالعملة الصعبة في مصر إلى 165.361 مليار دولار، بنهاية آذار/ مارس الماضي مقابل 157.801 مليار دولار بنهاية نفس الشهر من العام الماضي، بزيادة
7.560 مليار دولار، بحسب ما كشفت بيانات حكومية.
دعوات
لا تحرك ساكنا
الناشط
السياسي والحقوقي، عمرو عبد الهادي، قلل من أثر تلك الدعوة للإفراج عن المعتقلين،
وقال: "هذه ليست أول دعوة تصدر من بعض معارضي الخارج، وهذه دعوات في باطنها
شبهة من البعض لمحاولة إنقاذ النظام بعد وضوح انهياره الاقتصادي حيث يعاني من شبح
الإفلاس".
ورأى
في حديثه لـ"عربي21" أن "النظام في مصر الذي يرفض زيارة
المعتقلين، وينكل بهم وبذويهم، ويحرمهم من أبسط حقوقهم لا يتصور أن يقبل مثل تلك
الدعوات أو يلقي لها بالا، وبالتالي فهي دعوات لا تضيف جديدا، ولا تحرك ساكنا في
ملف شائك لا يتحكم فيه إلا النظام والقائمون عليه".
وتواجه
مصر المثقلة بالديون جدول سداد مزدحم حتى نهاية العام الجاري؛ إذ يتعين عليها سداد
55.2 مليار دولار (ودائع وأقساط ديون) في الفترة من آذار/ مارس 2023 إلى آذار/
مارس 2024، وفقا لبيانات حديثة صادرة عن البنك الدولي.