شكل
انقلاب النيجر صدمة جديدة لمجموعة دول الساحل الأفريقي الخمسة، المهددة أصلا بالتفكك
جراء انسحاب مالي منها العام الماضي.
ومجموعة
دول الساحل هي تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون تأسس عام 2014 بالعاصمة الموريتانية نواكشوط
التي تستضيف مقره الرئيسي (الأمانة العامة).
وتأسس
هذا التجمع بهدف مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، وحشد تمويلات واستقطاب استثمار
أجنبي للنهوض ببلدانه الأعضاء وهي موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو.
وشهدت
النيجر قبل يومين انقلابا عسكريا على الرئيس محمد بازوم، قاده الحرس الرئاسي وحظي بدعم
قيادة الجيش، لكنه قوبل برفض دولي واسع.
ويخشى
متابعون أن يدخل هذا الانقلاب النيجر في فضوى سياسية وأمنية قد تطال تداعياتها باقي
دول
مجموعة الساحل المثقلة أصلا بالتحديات الأمنية والسياسية.
نذر
الانهيار
ويرى
خبراء مختصون في الشأن الأفريقي تحدثوا لـ"عربي21" أن الانقلاب العسكري الأخير
في النيجر يعد أكبر تحد لمجموعة الساحل، إذ بات ينذر بتفككها بشكل نهائي، ووضع حد لإطار
إقليمي كان قادة المجموعة يعلقون عليه آمالا كبيرة في التصدي للتنظيمات المتشددة وتحقيق
تنمية لبلدان المجموعة الفقيرة.
ويرى
الخبير في الشؤون الأفريقية، سيدي ولد عبد المالك، أن انقلاب النيجر يعتبر بمثابة المسمار
الذي يدق في نعش مجموعة الدول الخمس في الساحل.
ولفت
ولد عبد المالك في تصريح لـ"عربي21" إلى أن دول هذه المجموعة "تعيش
كلها الآن باستثناء موريتانيا مراحل انتقالية ومحكومة بأنظمة عسكرية في المجمل ليست
متناغمة لا من حيث الأجندات الإقليمية ولا من حيث العلاقات الدولية لمختلف أطراف هذه
الأنظمة".
واعتبر
ولد عبد المالك أن انقلاب النيجر مؤشر جدي لنهاية هذه المجموعة.
بدوره
قال الخبير المختص في الشأن الأفريقي، محفوظ ولد السالك، إن مجموعة الساحل "عمليا
تبدو شبه مفككة، فقد فقدت عضوية مالي، وبوركينا فاسو لا تتعاطى معها بفعالية، والنيجر
الآن بحكم الانقلاب العسكري وتطوراته، ليس من أولوياتها ترتيب البيت الداخلي للمجموعة".
وأضاف
في تصريح لـ"عربي21": "بقيت فقط موريتانيا التي ترأس المجموعة، وتشاد
التي كانت تتولى الرئاسة، وقد طالت فترة رئاستها بحكم مقتل رئيسها السابق إدريس ديبي
إتنو، وتطورات ما بعد تولي ابنه محمد ديبي إتنو الرئاسة، وكان يفترض في غضون ذلك أن
تتولى مالي رئاسة المجموعة، وهو ما لم يتم وكان السبب في انسحابها منها، ومن القوة
العسكرية التابعة لها".
"الحياد
السلبي"
ونبه
ولد السالك إلى أن المجموعة تبنت الحياد السلبي إزاء سلسلة الانقلابات العسكرية التي
حصلت في دولها الأعضاء.
وأضاف:
"في حال خرجت المجموعة من الحياد السلبي، وانتبهت إلى أن ما يحصل في بلدانها سياسيا
أو أمنيا يهمها، وتعاملت بحنكة مع تطورات الوضع الآن في النيجر، واستطاعت إقناع مالي
بالعودة إليها، وفعلت جسور التواصل والتفاعل الإيجابي مع بوركينا فاسو وتشاد، أعتقد
أنها قد تتمكن من النهوض".
وتابع:
"أما إذا استسلمت المجموعة للأمر الواقع، ولاذت بالصمت، واكتفت فقط بإصدار البيانات
المنددة، فأعتقد أنها قد تتفكك، لأن بوركينا فاسو، تبحث منذ بعض الوقت عن الانخراط
في إطارات إقليمية أوسع".
"تحالف
جديد"
ولم
يستبعد ولد السالك في حديثه لـ"عربي21" أن تصبح الدول الثلاث الآن (مالي
وبوركينا فاسو والنيجر) نواة لتحالف جديد "بحكم أنها تواجه ذات التحديات السياسية
والأمنية، ويحكمها قادة عسكريون انقلابيون، وقد تنضم لهذه الدول غينيا كوناكري، لأنها
تنسق منذ أشهر مع مالي وبوركينا فاسو".
وأوضح
المتحدث أن هذه الحسابات تجعل بطبيعة الحال مجموعة دول الساحل الخمس من الماضي، بحكم
أن أكثر من نصف دولها سيصبح خارجها، لكن تدارك الموقف ممكن، لو أرادت المجموعة ذلك.
"مزاج
شعبي يميل لروسيا"
وأجمع
الخبيران، محفوظ ولد السالك، وسيدي ولد عبد المالك، في تصريحاتهما لـ"عربي21"
على أن الحضور الروسي بدأ ينموا فعلا في المنطقة.
وقال
ولد عبد المالك، إنه رغم أنه لا يمكن لحد الساعة الحديث عن دور روسي في انقلاب النيجر، فإن الحالة الغالبة أن التغيرات التي تحصل في أفريقيا تعتبر روسيا الرابح الأول
منها.
وأضاف:
"رأينا مؤيدين للانقلابات بأفريقيا يرفعون الأعلام الروسية وهذا مع الوقت سيشكل
ضغطا على الأنظمة الحاكمة لأن هناك مزاجا شعبيا يميل لصالح روسيا".
واعتبر
أن أي نظام يأتي لسدة الحكم في القارة الأفريقية لا بد أن يأخذ هذا المزاج الشعبي بعين
الاعتبار، منبها إلى أن ذلك قد لا يكون على حساب المصالح الفرنسية بشكل كلي.
وتابع:
"لكن روسيا أصبح لها مستوى من القبول الشعبي وهو ما سيكون له تأثير على القرار
السيادي في هذه المنطقة، وخاصة النيجر التي تعيش الآن انقلابها الذي كان متوقعا منذ
فترة طويلة باعتبار أن الرجل عندما وصل إلى السلطة كان عرشه مهزوزا لأنه تعرض لعدة محاولات
انقلابية فاشلة والآن انقض عليه حرسه".
بدوره، قال محفوظ ولد السالك إن "الحضور الروسي يتعاظم، وعرابته الآن في منطقة الساحل
وغرب أفريقيا هي مالي، وقد أقنعت بوركينا فاسو بالتحالف مع موسكو، ويبدو أنها فعلت
ذلك أيضا مع النيجر، وقد تقوم بنفس الأمر مع غينيا كوناكري".
ولفت
إلى أن "حضور موسكو يتعاظم، ونفوذ باريس ينحسر، وكلاهما يواجه حضوره تحديا مختلفا،
ففرنسا بحكم أنها صاحبة النفوذ التقليدي في المنطقة، وكانت تستعمر العديد من البلدان
هناك، ظلت علاقاتها مقتصرة على من يتولون الحكم، ولم تستطع بلورة تعاون استراتيجي أوسع
وأشمل، يجعلها خيارا شعبيا ورسميا".
وأوضح
ولد السالك أن روسيا الآن "تبني حضورها على أنقاض الخروج الفرنسي، وتجعل من الانقلابات
العسكرية مدخلا رئيسيا لها، وهذا قد يجعلها تفقد ذلك، إذا تم انتخاب رؤساء مدنيين".
"عبث
استراتيجي"
ورأى
الخبير في الشأن الأفريقي، سيدي ولد عبد المالك، أن موريتانيا مطالبة بفك الارتباط
بمجموعة الساحل.
ونبه
إلى أنه "إذا كان لا بد لموريتانيا من البحث عن أطر إقليمية فينبغي لها أن تتوجه إلى
دول أكثر استقرارا في المنطقة مثل الجزائر والسنغال والمغرب".
وأكد
أن الرهان على دول الساحل في مواجهة التحديات الأمنية والتنموية "يبدو أنه رهان
خاسر والاستمرار فيه نوع من العبث الاستراتيجي".