تزايدت
مؤخرا حالات
قتل الأمن
المصري لمواطنين مدنيين جنائيين وسياسيين تعذيبا في مقرات
الاحتجاز والأقسام والمراكز الشرطية، وهو ما وثقته منظمات حقوقية محلية، لكن وزارة
الداخلية المصرية قامت بنفيه لاحقا.
آخر تلك
الجرائم كان قتل المواطن محمود عبدالجواد (33 عاما)، المقيم بكفر الجنينة بمركز
نبروه محافظة الدقهلية "دلتا النيل"، بعد 5 أيام من القبض عليه في قضية
جنائية، نتيجة
التعذيب بمركز شرطة نبروه.
"الشبكة
المصرية لحقوق الإنسان"، وثقت الجريمة عبر الصور التي تثبت آثار التعذيب على
جسد المواطن الذي يعمل شيفا بأحد المطاعم، كما أنها وثقت الواقعة عن طريق شهود عيان
داخل قسم نبروه.
"صعقوه
وزوجته"
وذكرت
الشبكة أنه جرى القبض على عبدالجواد، في الشارع أمام زوجته التي جرى الاعتداء
عليها بصاعق كهربائي، ليجري ضربه وتعذيبه وصعقه بالكهرباء على يد أفراد الأمن
بقيادة رئيس المباحث إسلام عنان، ما أدى لوفاته، الأمر الذي نفته وزارة الداخلية.
ونفت
وزارة الداخلية الخميس الماضي، وفاة عبدالجواد، نتيجة التعذيب، معلنة أن وفاته
حدثت خلال نقله إلى المستشفى للعلاج، بسبب إصابته بهبوط حاد بالدورة الدموية.
وأشارت
الشبكة الحقوقية ومقرها لندن، إلى أدوار جهات معاونة للشرطة بـ"التستر على
الجريمة"، ومنها مستشفى نبروه، الذي رفض تزويد أسرة عبدالجواد بأي تقارير
رسمية حول سبب الوفاة.
وأكدت أنه
"خلال السنوات الماضية تكررت حالات الوفاة نتيجة التعذيب المميت بأماكن
الاحتجاز، ودائما ما تنفي الداخلية صلة أفرادها بارتكاب هذه الانتهاكات، بدلا من
فتح تحقيق داخلي ومحاسبة المتورطين"، مشيرة إلى تجاهل النائب العام المصري
ونوابه لهذه الجرائم.
وبنفس
الطريقة لقي المواطن محمود توفيق مصرعه يوم 25 حزيران/ يونيو الماضي بعد اعتقاله
من منزله والتحرش بزوجته، وإلقاء أثاث بيته من الدور التاسع من قبل قوات أمن
الاسكندرية التي احتجزته مدة 12 يوما، ليتم تسليم جثمانه لأسرته 8 تموز/ يوليو
الحالي، بدعوى إصابته بهبوط حاد بالدورة الدموية.
وقتل ضابط
شرطة في مدينة سيدي براني بمطروح شمال غرب البلاد 11 تموز/ يوليو الجاري، المواطن
فرحات المحفوظي بثلاث رصاصات أمام ذويه وأصدقائه، في جريمة جرى تصويرها وبثها عبر
مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت
واقعة مقتل الشاب عيسى الراوي، بعدما أطلق عليه ضابط شرطة الرصاص أمام بيته ووسط
أقاربه وجيرانه في منطقة العوامية بمحافظة الأقصر في تشرين الأول/ أكتوبر 2020،
الأكثر وقعا بين المصريين قبل ثلاثة أعوام.
تتابع تلك
الجرائم في وقت قصير يدعو للسؤال عن أسباب تزايد وتيرة القتل تعذيبا في أقسام
الشرطة المصرية، وكيفية توثيقها في ظل نفي السلطات الأمنية لها، ومدى وجود تعليمات
جديدة لدى الشرطة بالتعامل العنيف مع المصريين للقضاء على أي غضب قادم في ظل
الأوضاع المعيشية الصعبة.
"خوفا
من يناير جديدة"
وترى
الحقوقية هبة حسن، أن "تزايد وتيرة جرائم الداخلية بالسجون والأقسام وبالشارع
وعند اعتقال شخص أو في التعامل المطلق مع الشعب، للأسف طبيعي بظل هيمنة العقلية
والقبضة الأمنية على مقدرات البلاد، وغياب أي شكل من أشكال المحاسبة أو العقاب
للمتجاوزين".
المدير
التنفيذي لـ"التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، أضافت
لـ"عربي21": "في ظل نظام بدأ منذ 10 سنوات خطوات القمع والقتل
والاعتقال، تصاعدت ممارساتها تجاه المواطنين بتلك السنوات ودون محاسبة لأي مخطئ.. على العكس أخذوا تفويضا وتأكيدا على عدم المحاسبة".
ولفت إلى
أنه "تمت محاكمة الضحايا في عدة قضايا، وحصل القتلة في أحسن الأحوال على
أحكام مع وقف التنفيذ، فضلا عن براءة من ثبتت اعتداءاتهم وتلوث أيديهم
بالدماء".
وأشارت
إلى أن "النظام ومع تردي الأحوال الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية يزيد من
شدته وقبضته، محاولا كما يظن قمع أي تفكير في الاعتراض أو محاولة للغضب والتمرد
تفتح بابا لثورة يناير جديدة".
هبة،
أعربت عن أسفها من أنه "في ظل الخوف والسيطرة الأمنية أصبح توثيق هذه
الانتهاكات أكثر صعوبة، ماعدا ما يخرج رغما عنهم من شهادات أو تسريب، وما نحاول به
كحقوقيين عدم تضييع حق هؤلاء الضحايا والتنبيه لما يحدث من جرائم".
"هذه
الأسباب"
وفي
رؤيته، قال الحقوقي المصري، محمد زارع: "موضوع التعذيب في مصر للأسف قديم،
وتصفه المؤسسات الدولية بأنه منهجي يُمارس على المتهمين بالقضايا الجنائية
والسياسية، في وضع مستمر يعاني منه المصريون نتيجة تجاوزات الشرطة بعمليات القبض
وما بعدها وبأماكن الاحتجاز وأماكن تنفيذ العقوبة".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أكد رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أن "أسباب
انتشار التعذيب كثيرة، منها الإفلات من العقاب"، مبينا أنه "لا توجد
محاسبة حقيقية على جريمة التعذيب بمصر".
وأوضح أنه
"لو عذب مسؤول بالشرطة مواطنا بهدف انتزاع اعتراف خلال الاحتجاز أو أثناء
القبض عليه فإن هذا الفعل يصنف بالقانون كاستعمال قسوة، وعقوبته السجن ثلاث سنوات أو
الغرامة".
ولفت إلى
أنه "حتى المرات القليلة التي جرى القبض فيها على ضباط شرطة وتمت محاكمتهم
بجريمة التعذيب أو استعمال القسوة يعود كثير منهم للخدمة بعد العقوبة، أو يُفرج
عنهم لأسباب خاصة بالدولة".
وبين أن
"هذه من أسباب الإفلات من العقاب؛ فالضباط يشعرون بالأمان وصعوبة إثبات صحة
واقعة التعذيب، بالإضافة إلى ضرورة تمتع الأجهزة المعاونة مثل الطب الشرعي
بالاستقلالية وهو جهاز تابع لوزارة العدل التابعة للسلطة التنفيذية".
زارع، شدد
على "ضرورة استقلالية وانفصال تلك المصلحة حتى يعمل المسؤولون العاملون بهذا
القطاع بحرية دون سيطرة أو خوف".
وأشار
أيضا إلى جانب آخر، وهو أن "تعريف التعذيب في القوانين المصرية يختلف عن
تعريفه بالمواثيق الدولية الموقعة عليها مصر"، مطالبا بضرورة تقديم
"تعديل تشريعي يساهم في وقف جرائم التعذيب".
الحقوقي
المصري انتقد خروج الطب الشرعي بتقارير تقول بهبوط حاد في الدورة الدموية، لافتا
إلى أن "هذا ما درجنا عليه السنوات السابقة، وقد يكون التقرير صحيحا وقد يكون
غير ذلك".
وألمح إلى
ما اعتبره محاولة التستر الشرطية على المتهمين من جهازها، وعدم تعاون الأجهزة
الأمنية مع السلطات القضائية، مشيرا إلى صعوبة إثبات الاتهام خاصة أن "الكثير
من الضباط بجهاز الأمن الوطني لا يستخدمون أسماءهم الحقيقية ويستخدمون أسماء حركية".
وقال:
"ربما تكون في السنوات العشر السابقة زادت قسوتهم وصارت لديهم حماية وصلاحيات
أوسع، ويكفي قول رئيس الجمهورية إنه لن تتم محاكمة ضابط، فهذا دليل على حماية رأس
السلطة للضباط والأفراد".
وأكد أن
"الحوادث القليلة التي نكتشفها نتيجة أنها مصورة أو لوجود شهود عيان بأماكن
الاحتجاز، أو نتيجة أن بعض القضايا تظهر لتكون أشبه بالفضيحة التي لا يمكن
إنكارها".
وذكًر بقرار وزير الداخلية الأسبق في عهد حسني مبارك،
حبيب العادلي، منع إدخال الهواتف لأقسام الشرطة لمنع تصوير مثل هذه الوقائع"،
مؤكدا أن"الشرطة تسعى للتستر على بعض الجرائم بمؤسساتها بمنع التصوير ما قد يمنع
التعذيب أو يكون رادعا للمتجاوزين بحق المصريين".
وفي نهاية
حديثه أكد أن "هذا شيء خطير، لأنه لو ضاق الحال بالمصريين فستكون هناك كوارث
على الجميع، وسيكون الهدف الرئيسي كما حدث في 25 يناير 2011، هو أقسام الشرطة
والسجون".
"لم
تكن بهذه القسوة"
الحقوقي
المصري أحمد العطار، قال لـ"عربي21"، إن "حالات التعذيب حتى الموت
بمقرات الاحتجاز موجودة بمصر منذ سنوات طويلة؛ لكنها لم تكن بهذه القسوة والجرأة
التي نراها ونوثقها الآن خلال السنوات العشر الماضية".
المدير
التنفيذي لـ"الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، أكد أن "هذه الجرائم
كانت قد اختفت وقلت وتيرتها لأدنى حد بعد ثورة 25 يناير 2011، لكنها عادت مجددا
بعد أحداث 3 تموز/ يوليو 2013".
واعتبر
العطار أن هذا "دليل واضح على أن هذه الانتهاكات تلقى دعم وتأييد السلطات
المصرية، ومؤشر على منهجية التعذيب بمقرات الاحتجاز، وتأكيد على عدم الخوف من
المساءلة والعقاب".
وتابع:
"من الملاحظ بالسنوات الماضية تزايد حالات الموت نتيجة التعذيب ومنهجيته، في
انتهاكات طالت المواطن معارضا سياسيا كان أو مطلوبا على ذمة قضية جنائية، فالجميع
أمام سيادة الضابط وأمين الشرطة كائنا لا حقوق له".
وانتقد
حدوث "كل ذلك في غياب تام لمراقبة ومحاسبة النيابة العامة"، معتبرا
أن هذا "أدى إلى انتشار وتفشي سياسة
الإفلات من العقاب، حيث أصبح لدى ضباط الشرطة وأفراد الأمن يقين ثابت بأن
(افعلوا ما تشاؤون فإنه لا حساب ولا رقيب)".
وأشار
العطار إلى وجود ما اعتبره "حاضنة من وزارة الداخلية للعاملين بها، حيث دائما وأبدا
ما تنفي صحة التقارير الحقوقية وحالات التعذيب والقتل، وتسند إلى تقرير بعنوان
ثابت: هبوط حاد بالدورة الدموية".
وأكد أنه
الأمر الذي قاموا في الشبكة المصرية، بتفنيده في تقرير لهم استعرضوا فيه
"شهادة طبيب بريطاني متخصص، أكد أن الهبوط الحاد عارض وليس سببا بالوفاة،
ولكنه نتيجة تعذيب وخوف وضرب وتنكيل".
وفي نهاية حديثه، يرى العطار، أن "دعم العاملين
بوزارة الداخلية وحمايتهم من المساءلة والحساب جزء من معادلة ترهيب المواطن في ظل
الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها الجميع حتى لا يثور المواطن أو يطالب بحقوقه
المنهوبة".