تعد القارة الأفريقية من أكثر مناطق العالم نشاطا في الانقلابات
العسكرية، ومنذ سنوات ما بعد الاستقلال للدول الأفريقية في ستينيات القرن الماضي،
وقع أكثر من 200 انقلاب في الدول الأفريقية، ما يطرح تساؤلات بشأن حالة عدم
الاستقرار والفوضى التي تصيب هذه القارة
وأسباب الانقلابات المتواصلة.
ويعد انقلاب النيجر أحدث الانقلابات المستمرة في أفريقيا، بعد سيطرة
الجيش على السلطة، والإطاحة بالرئيس محمد بازوم من منصبه، وتشكيل مجلس وطني لإدارة
البلاد.
ويقدر عدد سكان أفريقيا، بنحو 360 مليون نسمة، وتعد نسب الفقر في
القارة من الأعلى حول العالم، على الرغم من الموارد والثروات الهائلة التي
تمتلكها، لكن النزاعات والحروب الأهلية لم
تتوقف، وقضت على حياة الملايين في أفريقيا.
الولاء الخارجي
ووفقا لندوة حوارية في
الأمم المتحدة، لرئيس اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب المفوض السامي
سليمان أيلي ديرسو، فإن ما يشجع على الانقلابات في أفريقيا هو انعدام الإيمان
والثقة من جانب الجمهور الأفريقي في الانتخابات ونتائجها، وعزز وجود الشك في شرعية
الحكومات في أجزاء عديدة من القارة محاولات الانقلاب.
وأشار ديرسو إلى أن
الرؤساء الذين ظلوا في السلطة لسنوات طويلة، من أجل البقاء على الكرسي، وتلاعبهم
في أحكام الدستور، غذى فكرة الانقلابات العسكرية.
لكن المسؤول الأفريقي،
تطرق إلى مسألة أخرى، وهي الضباط الذين جرى تدريبهم من الجيوش الأفريقية في
الخارج، وقال إن جيش بوركينا فاسو على سبيل المثال، تدرب مع الجيش الأمريكي، لافتا
إلى أنه جرى نوع من العدوى، لأنه جرى تدريبهم على مثل محددة ويتعرضون لمؤثرات معينة،
ويكتشفون نقاط الضعف التي لا تلبي توقعاتهم، بشكل واضح، وينظرون إلى طرق أخذ
الأمور بأيديهم عبر الانقلابات.
من جانبه قال موقع إنترسبت، إن الانقلاب
العسكري الأخير الذي وقع في النيجر، واحد من قائمة انقلابات عسكرية، في غرب
أفريقيا، نفذت على يد ضباط دربتهم الولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته
"عربي21"، إنه لا يعرف بعد ما إذا كان أي من جنود النيجر الذين دربتهم
أمريكا ضالعا في الانقلاب الأخير، مع أن الولايات المتحدة دربت عناصر في الحرس
الرئاسي في السنوات الماضية، بحسب وثائق البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية.
إلا أن الولايات المتحدة دربت ضباطا تورطوا في
ستة انقلابات في بوركينا فاسو ومالي منذ عام 2012. وبالمجمل فقد قاد الضباط الذين
دربتهم أمريكا عشرة انقلابات في غرب أفريقيا منذ عام 2008، بما فيها بوركينا فاسو
( 2014، 2015 و 2022) وغامبيا (2014) وغينيا ( 2021) ومالي (2012، 2020 و 2021)
وموريتانيا (2008).
وليست
الولايات المتحدة، اللاعب الأساس في أفريقيا، رغم نفوذها، لكن النفوذ الروسي شجع انقلاب بوركينا فاسو 2022
وانقلابات 2020 و 2021 في مالي. وساعد وجود مجموعة فاغنر المرتزقة بشكل كبير في
العديد من الدول المتضررة على حدوث الانقلابات.
فشل اقتصادي
ووفقا لموقع "إيه دي أف ماغازين" فإن القوات الأفريقية التي
تقاتل المسلحين في منطقة الساحل، تعاني من نقص الإمدادات والأجور وعدم التقدير،
في حين أن النشاط العسكري في منطقة الساحل أدى أيضًا إلى انتشار الأسلحة.
ووقعت
الانقلابات بكثرة، في دول أفريقيا التي تعاني من نمو اقتصادي بطيء، وضعف في
المستوى المعيشي، وانعدام فرص العمل لفئة الشباب، التي تعد الفئة الأكبر من
السكان.
وبحسب
موقع نيوز "أفريكا ماغازين" فإن السودان يعد أكبر البلدان التي نفذت فيها
محاولات للاستيلاء على الحكم، عبر الانقلابات وبلغت 16 نجح منها ستة فقط.
وعلى
صعيد المحاولات الناجحة للانقلاب، قال الموقع في تقرير ترجمت "عربي21"
مقتطفات منه، إن بوركينا فاسو، شهدت أنجح الانقلابات في أفريقيا، بواسع تسع محاولات
ناجحة، وواحدة فقط فشل الانقلابيون فيها بالإطاحة بالسلطة القائمة.
واشتهرت
نيجيريا بالانقلابات العسكرية بعد الاستقلال بثمانية انقلابات منذ 1966 حتى عام
1993.. لكن منذ عام 1999، تم نقل السلطة في أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان عن
طريق انتخابات ديمقراطية.
وتميز
تاريخ بوروندي بـ11 انقلابا منفصلة، مدفوعة في الغالب بالتوترات بين مجتمعات
الهوتو والتوتسي القبائل التي تناحرت لفترة طويلة.
وشهدت
سيراليون ثلاثة انقلابات بين عامي 1967 و1968، وانقلابات أخرى في عام 1971، وبين
عامي 1992 و1997 حدثت خمس محاولات انقلاب أخرى.
وحصلت
غانا أيضا على نصيبها من الانقلابات العسكرية، حيث إنها بلغت ثمانية في عقدين من الزمن،
كان الأول في عام 1966، عندما تمت إزالة كوامي نكروما من السلطة، وفي العام
التالي كانت هناك محاولة فاشلة من قبل ضباط صغار في الجيش.
ومنذ العام 2017، تربعت قارة أفريقيا في المرتبة الأولى عالميا، بعدد الانقلابات
العسكرية، حيث وقع 18 انقلابا في العالم، كان واحد منها في ميانمار/بورما،
والبقية بالكامل في القارة السمراء.
(BBC)
ما
الذي يحدث في الانقلابات؟
قال تقرير لهيئة الإذاعة
البريطانية "بي بي سي" إن الانقلابات العسكرية في أفريقيا تحدث عبر قوة
منظمة داخل الجيش، أو فصيل ما يمارس العنف، ويستفيد من قنوات الاتصال الموجودة،
لتحريك عمليات اعتقال القادة والمسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى في الدولة.
ولفتت
إلى أن الانقلابات في أفريقيا تعد مكتملة، إذا استمرت الاضطرابات سبعة أيام فأكثر،
ونقلت عن خبراء في الانقلابات بأفريقيا إشارتهم إلى أن الانقلابيين يجب أن يبقوا
في السلطة لمدة شهر على الأقل، لاستتباب الأمر.
وقالت
إن دراسات أظهرت أن نصف الانقلابات التي وقعت في أفريقيا على مدى العقود الماضية،
اكتلمت ونجحت، واستمر هذا الحال مع موجة الانقلابات الأخيرة في القارة.
وأشار التقرير إلى أن متوسط
محاولات الانقلاب في أفريقيا، يزيد قليلا على الـ40 محاولة لكل عقد من الزمن.
تأثيرات عميقة
ولفت التقرير إلى أن
الانقلابات في أفريقيا، تحمل تأثيرات بعيدة المدى على الدول، وتعمل على إنهاك
الاقتصادات والعلاقات الدبلوماسية، وتفضي إلى حلقة من عدم الاستقرار في بعض
الحالات، وترتفع فيها عمليات حظر المساعدات من قبل الدول والمنظمات الحكومية،
للدول التي تقع فيها الانقلابات.
وتلجأ سلطات الانقلاب في
الدول الأفريقية، كما جرى خلال العقود الماضية، إلى الأخذ من أموال المشاريع
المتعلقة بالأمن القومي والصحة والزراعة والطرق، لصالح إدارة الأمور بعد الانقلاب.
وقال التقرير إن السودان
وحده، فقد بعد الإطاحة بالبشير، ما يقرب من 4.4 مليار دولار، من المساعدات
الدولية، التي كانت مقررة للبلاد عام 2021.
الأكثر
دموية
يعد
انقلاب نيجريا عام 1966، من أكثر الانقلابات دموية في القارة السمراء، رغم سقوط
قتلى في انقلابات أخرى.
لكن
هذا الانقلاب الذي قاده شوكووما كادونا نزيوغيو وإيمانويل إيفيجونا، تسبب في بدايته بمقتل أكثر من
22 شخصا، من بينهم رئيس الوزراء وكبار المسؤولين الحكوميين وسياسيون نيجيريون مع
عائلاتهم بالكامل، فضلا عن ضباط في الجيش.
وكان هذا الانقلاب شرارة
لاندلاع الحرب الأهلية في نيجيريا، بسبب ممارسات الجنود المتمردين مع القبائل،
واشتعال اشتباكات طاحنة قتل فيها أكثر من مليون من المدنيين والعسكريين في واحدة من
أسوأ المراحل في تاريخ البلاد، والتي استمرت لمدة 3 سنوات.