تتوالى
التقارير
الاقتصادية الدولية بشأن الاقتصاد
المصري، كاشفة عن سلسلة من الأزمات الخطيرة
المتشابكة ذات التبعات الخطيرة على الاقتصاد الناشئ للدولة العربية الأفريقية العريقة
وعلى شعب يتعدى تعداده الداخلي 105 ملايين نسمة.
وحذر
بنك الاستثمار الأمريكي "مورغان ستانلي" من ثلاثة مخاطر تمويلية من المرجح أن
تضرب الاقتصاد المصري الفترة القادمة بشدة، حيث رجح البنك في تقرير نشر، السبت، أن
يتم إجراء تعديل سعر صرف
الجنيه مقابل العملات الأجنبية في أيلول/ سبتمبر أو تشرين
الأول/ أكتوبر المقبلين.
"الأخطار
الثلاثة"
البنك
الأمريكي، تحدث عن ثلاثة مخاطر كبيرة تحدق بالاقتصاد المصري، أولها خطر الخفض الثاني خلال
العام لتصنيف مصر الائتماني من قبل وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني والتي
يتوقع صدورها أواخر تموز/ يوليو الجاري أو أوائل آب/ أغسطس المقبل.
وكالة
التصنيف الائتماني الشهيرة وضعت قدرة مصر على الوفاء بالالتزامات طويلة الأجل بالعملة
الأجنبية والمحلية في أيار/ مايو الماضي قيد المراجعة بهدف خفض التصنيف، فيما خفضت
تصنيف مصر في شباط/ فبراير الماضي من من B2 إلى B3، مع احتمال كبير
بتصنيف منخفض جديد له تبعاته الاقتصادية على ملف الاستثمار الخارجي.
ثاني
الأخطار وفقا لمصرف "مورغان ستانلي" تتمثل في قرار صندوق النقد الدولي بشأن
المراجعتين الأولى والثانية لقرض المليارات الثلاثة المتوقفة على تنفيذ القاهرة ثاني
أكبر مقترض من مؤسسة التمويل الدولية مطالب الصندوق وبينها
تعويم العملة المحلية وبيع
الأصول العامة.
وأبرمت
مصر مع صندوق النقد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي اتفاقا رابعا بقيمة 3 مليارات
دولار
على 46 شهرا، ينضم إلى سلسلة اتفاقيات حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي التي بدأت
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 للحصول على 12 مليار دولار، ثم قرض بقيمة 2.8 مليار دولار
في أيار/ مايو 2020، واتفاق ثالث بـ5.2 مليار دولار في حزيران/ يونيو من العام ذاته.
لكن
القرض الأخير يشهد تعثرا، حيث أرجأ الصندوق المراجعة الأولى لمدى التزام مصر بسعر صرف
مرن للعملة المحلية والتي كانت مقررة في آذار/ مارس الماضي، ما تسبب في تأخر حصول القاهرة
على الشريحة الثانية من القرض.
ثالث
الأخطار المحدقة بالاقتصاد المصري بحسب البنك الأمريكي هو انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب
الأوكرانية في وقت سابق من تموز/ يوليو الجاري، وما يترتب على القرار من تبعات كون
مصر أكبر مستورد للقمح في العالم.
وتعد
مصر من أكبر الدول استيرادا واستهلاكا للقمح حول العالم، بإجمالي نحو 25 مليون طن من
القمح سنويا، بحسب تصريح مساعد وزير التموين إبراهيم عشماوي، الذي أكد أن القاهرة تستورد
نحو 50 بالمئة، فيما يصل إنتاجها من ذلك الاستهلاك نحو 45 بالمئة.
ويتوقع
"مورغان ستانلي" أن يتم تعديل سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية
خلال أيلول/ سبتمبر أو تشرين الأول/ أكتوبر المقبلين، وهو الوقت القريب من المراجعة
الأولى والثانية لصندوق النقد الدولي.
"جفاف
العملة"
وفي
السياق، حذر تحليل اقتصادي لوكالة "روتير"، من أن جفاف العملة الصعبة لدى
بعض الاقتصادات وبينها مصر، خفض توقعات النمو للنصف لبعض الاقتصادات المتضررة من أزمة
الائتمان، مشيرا إلى أن نقص الدولار يسبب 3 أزمات هي إعاقة التجارة، والإضرار بالعملات،
وزيادة تكاليف الديون.
التقرير
المنشور، السبت، لفت إلى تقدير البنك الدولي أن واحدا من كل أربعة بلدان من الأسواق الصاعدة
والبلدان النامية فقدت الوصول لأسواق السندات الدولية، المصدر الرئيسي للعملة الصعبة
اللازمة لدفع ثمن النفط والغذاء.
ولفت
التقرير إلى تأكيد هيئة التجارة والتنمية "KTDA" على حجم الضغوط على مصر، مبينة أن ثلاثة تخفيضات حادة في قيمة العملة
أثارت مخاوف بشأن قدرة القاهرة على الوفاء بخدمة ديون الدولار.
"أحدث
توجيهات الصندوق"
وفي
السياق، وفي أحدث تقاريره الصادرة الاثنين الماضي، رجح صندوق النقد الدولي تراجع النمو
الاقتصادي في مصر إلى 3.7 بالمئة هذا العام، من 6.6% بالمئة عام 2022، بينما
رفع الصندوق توقعاته للتضخم خلال عامي 2023 و2024.
نائبة
مدير قسم البحوث في صندوق النقد، بيتيا كوفا بروكس، أرجعت السبب في ذلك خلال حديثها
للصحفيين إلى ضعف مرونة سعر الصرف الذي أفضى إلى نقص في سوق الصرف الأجنبية، يؤثر على
حركة الواردات، ويثبط ثقة المستثمرين.
بروكس،
أكدت أن هذه التغيرات في معظمها ترجع لانخفاض قيمة العملة المحلية، وهو ما يدعم توصيات
الصندوق للحكومة المصرية بضرورة تبني سياسات لاستعادة توازن الاقتصاد الكلي، والسيطرة
على التضخم وتبني سياسة صرف أكثر مرونة.
"أحكام
الصندوق"
وفي
تقديره لحقيقة التقارير الدولية وتوقعات بنك الاستثمار الأمريكي بشأن تعويم الجنيه،
قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب إن "توقعات المؤسسات
الدولية ومنها بنك مورغان ستانلي بشأن حتمية تخفيض قيمة الجنيه تأتي من وجود تعهدات
مصرية لصندوق النقد الدولي".
وفي
حديثه لـ"عربي21" أكد أنه "توجد ثقة كبيرة لدى هذه المؤسسات، ومنها
بنك مورغان ستانلي أن مصر لن تستطيع التملص من تعهداتها، وأن الصندوق لن يقبل بغير
تحرير سعر صرف الجنيه المصري، حتى يُفرج عن الدفعة الثانية من الشريحة الأولى من القرض".
وبشأن
ما عرضه بنك الاستثمار الأمريكي من أخطار متوقعة بحق الاقتصاد المصري وتأثيراتها السلبية،
أكد عبدالمطلب، أن "الأخطار السلبية للتعويم كثيرة ومتنوعة، فهناك أخطار على الاقتصاد
وأخطار على المواطن".
ولفت
إلى أن "الأخطار على الاقتصاد تتمثل في رفع تكاليف الإنتاج، حيث إن مصر تستورد
الآلات والمعدات، وجزء من مستلزمات الإنتاج".
وأشار
إلى أنه "على مستوى المواطن فإن التعويم سوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة الأعباء
المعيشية".
وفي
تعليقه على تحليل "رويترز" حول أزمة نقص الدولار وتبعاتها مثل إعاقة التجارة،
والإضرار بالعملات، وزيادة تكاليف الديون، قال الخبير المصري إن "النظام نفسه
يعترف بوجود أزمة في توفير الدولار".
وأشار
إلى أن "عدم توافر الدولار يؤدى إلى نقص التمويل اللازم للإفراج عن الواردات،
وجزء من هذه الواردات هو مستلزمات إنتاج، وبالتأكيد يؤثر سلبا على الإنتاج وكذلك على
الصادرات وغيرها من كافة نواحي النشاط الاقتصادي".
"سلسلة
التعويم"
واتخذت
حكومات السيسي قرارات عدة بالتعويم خفضت من قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار من نحو
6.70 جنيها قبل نحو 10 سنوات إلى نحو 30.84 جنيه اليوم الأحد، رسميا بالبنك المركزي،
وهو ما يتعداه إلى نحو 37 جنيها بالسوق السوداء.
وجرى
التعويم الأول في عهد السيسي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، حيث انخفضت قيمة الجنيه
من مستوى 8.88 جنيه مقابل الدولار إلى مستوى 15.77 جنيه للدولار بتراجع 78 بالمئة.
ليهبط
التعويم الثاني في آذار/ مارس 2022، بقيمة الجنيه من مستوى 15.77 مقابل الدولار إلى
مستوى 19.7 جنيه للدولار بتراجع 25 بالمئة.
ليواصل
التعويم الثالث في تشرين الثاني/ أكتوبر 2022، استكمال سلسلة هبوط قيمة الجنيه الذي
انخفض من مستوى 19.7 جنيه للدولار إلى 24.7 جنيه للدولار بتراجع 25.4 بالمئة.
ليأتي
التعويم الرابع في كانون الثاني/ يناير 2023، ليخفض قيمة الجنيه من مستوى 24.7 جنيه
للدولار إلى نحو 32 جنيها للدولار رسميا بتراجع حوالي 30 بالمئة.
"قرار
سياسي"
ويرى
الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد خزيم، أن التقارير الاقتصادية الدولية المتواترة حول
الأزمات الاقتصادية المصرية وبينها الحديث عن قرب تحرير سعر صرف العملة المحلية مجددا،
وبرغم أنه قرار متأخر اقتصاديا إلا أنه قرار سياسي يخص رئاسة الجمهورية.
خزيم
أشار في حديثه لـ"عربي21" إلى تأثير الانتخابات الرئاسية المحتملة البدء
في إجراءاتها نهاية العام الجاري على القرار السياسي بعدم تحريك سعر العملة المحلية،
ولذا فهو يؤكد أن "التعويم هنا قرار سياسي لا اقتصادي".
وحول
التأثير الاقتصادي لأي قرار تعويم محتمل أوضح أنه "سيكون أكثر سوءا على الوضع
العام، وعلى جميع المتأخرات المالية وعلى عمليات الطروحات العامة وبيع الأصول"
التي يصر عليها الصندوق.
وأضاف
أنه "من الواضح تماما أن عمليات بيع الأصول رغم استدعاء مؤسسة التمويل الدولية
التابعة للبنك الدولي لإدارة تلك العملية لم تتحرك ولم يحدث التعويم كونه قرار سياسي
في الأساس".
وفي
19 حزيران/ يونيو الماضي، تعاقدت الحكومة المصرية مع مؤسسة التمويل الدولية - ذراع
مجموعة البنك الدولي لتمكين القطاع الخاص- لتقديم الدعم والمشورة الفنية لبرنامج الطروحات
الحكومية بأصول بقيمة 40 مليار دولار في 4 سنوات.
وأشار
الخبير الاقتصادي إلى أنه "عندما أعلنت القيادة السياسية في 14 حزيران/ يونيو
الماضي، أن التعويم مسألة أمن قومي ولن يحدث لو أثر على حياة المواطنين، فإنه كان يعلم
أنه مقبل على انتخابات رئاسية".
وأضاف
خزيم إن القيادة السياسية "تعلم أن معدلات التضخم في البلاد عالية جدا"،
إذ وصل المعدل السنوي للتضخم الأساسي 41 بالمئة في حزيران/ يونيو الماضي، وفقا لبيانات
المركزي المصري.
وتابع
أن القيادة "تعلم أن ارتفاع الأسعار بالسوق المصري عملية هو غير متحكم بها، بالإضافة
إلى بداية أزمة اختفاء بعض السلع الهامة التي وصلت حتى أزمة انقطاع الكهرباء"،
ملمحا إلى أزمة تخفيف أحمال الكهرباء في تموز/ يوليو الجاري المستمرة حتى الشهر القادم
وفقا لتصريحات رسمية.
وخلص
خزيم للقول: "لذلك فإن أمر التعويم وإن كان يمثل ضغطا اقتصاديا ومطلوب من صندوق
النقد الدولي؛ لكنه معلق سياسيا"، مؤكدا أن "من ينظر للحالة المصرية يعلم
أن تأثير السياسة على الاقتصاد في هذا الأمر له عواقب اقتصادية وخيمة".
"دون
ذلك لا حل"
وفي
رؤيته للحل العاجل للخروج من كل تلك الأزمات والتشابكات، قال خزيم: "الحل الآن
حل وحيد، وهو أنه يجب إزالة دولاب العمل الاقتصادي في مصر فورا والبحث عن دولاب اقتصادي
أو مجموعة اقتصادية جديدة".
وأضاف:
"ودون الحديث عن أسماء ولكنها يجب أن تأتي من مدرسة التنمية بالقيمة المضافة لاستغلال
ملكات مصر بالقيمة المضافة ولديها القدرة على التعامل مع المؤسسات المالية بقدرة وجدارة
على جدولة الديون ووضع برنامج واضح المعالم على المدى الطويل والمتوسط والقصير".
وأكد
أنه على المجموعة الاقتصادية الجديدة أن "تصر على أن تكون الروشتة المصرية هي
المتحققة وخلاف ذلك لا تقبل أي شيء، حتى تتمكن هذه المجموعة أن تضع أمام المؤسسات الدولية
الوضع المصري الداخلي عبر برنامج واضح وله خطوات وطرق متعددة على الثلاث مراحل للخروج
من الأزمة".
ويعتقد
أنه "بخلاف هذا فلا حل إطلاقا"، مشددا على وجوب "التغيير التام لقيادات
المؤسسات المالية داخل مصر والبنك المركزي ومجلس الوزراء كاملا مع مراعاة ذلك في حركة
المحافظين بالمحافظات المصرية، فدون ذلك لا حل".