تعيش محافظة
حضرموت
الاستراتيجية، شرق
اليمن، صراعا محتدما بين
الإمارات والسعودية عبر الفصائل
الموالية لهما، وسط تساؤلات عن حالة الغموض التي تلف الموقف السعودي من النشاط
المتزايد لحلفاء أبوظبي هناك.
وبدأ اللواء فرج
البحسني، عضو مجلس القيادة الرئاسي الحاكم، المقرب من الإمارات، حيث يشغل أيضا،
نائب رئيس المجلس
الانتقالي الجنوبي، في تصعيد تحركاته المناوئة للقوى الموالية للحكومة
اليمنية والمناهضة للمشروع الإماراتي في هذه المحافظة، التي تشكل ثلثي مساحة اليمن.
البحسني الذي لم يعد
يحظى بقبول ورضا
السعودية، عقب قبوله الانخراط في قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي
المنادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله، وبدعم إماراتي، عاد إلى مدينة المكلا،
المركز الإداري لحضرموت، بعد نحو شهرين على مغادرته لها نحو العاصمة الإماراتية
أبوظبي، وقد أصبح حاملا لمشروع "الانتقالي" ورغبته في السيطرة على كامل جغرافيا
المحافظة الغنية بالنفط.
ويرى مراقبون، أن
عودة اللواء البحسني إلى مدينة المكلا، تأتي في سياق محاولات المجلس
الانتقالي ومن خلفه أبوظبي "تقويض مجلس حضرموت الوطني، الذي تم الإعلان عن
تشكيله في الأسابيع الماضية"، والذي يرفض أي تمدد أو سيطرة للمجلس الانتقالي
الانفصالي.
وقد أجرى البحسني الذي
كان يشغل منصب محافظ حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الثانية، ومقرها المكلا منذ
2017 وحتى 2022، لقاءات عدة مع قوى وشخصيات موالية للمجلس الانتقالي الانفصالي، في
مسعى جديد استباقي للترتيبات التي تقوم بها الرياض في هذه المحافظة، خاصة في مناطق
الساحل التي تهيمن عليها الإمارات.
"قطب صراع"
وفي السياق، قال مصدر
سياسي يمني؛ إن "اللواء البحسني يمثل مخلب القط الجنوبي داخل حضرموت، ويمثل
قطب الصراع بين السعودية والإمارات حول النفوذ في محافظتي حضرموت
والمهرة بشكل خاص، والمنطقة الشرقية بشكل عام".
وأضاف المصدر في حديث
خاص لـ"عربي21"، طلب عدم الإفصاح عن اسمه: "هذه المنطقة
الاستراتيجية هي منطقة نفوذ استراتيجي وتاريخي للسعودية، تحاول أبوظبي الدخول في
هذا المجال الجيوسياسي السعودي".
وتابع بأنه "مؤخرا، حاولت الرياض أن تمنع تمدد الإماراتيين في هذه المناطق، الذي تقوم به الأخيرة عبر
المجلس الانتقالي".
وأشار المصدر السياسي
اليمني، إلى أن المملكة شرعت في تشكيل قوى سياسية، وأذرع عسكرية خاصة في المنطقة
الشرقية من اليمن، لردع أي تمدد خشن للمجلس الانتقالي الذي تمده أبوظبي بمصادر
القوة.
وحسب المصدر، فإن
البحسني، "لم يعد ذا ثقل سياسي أو اجتماعي أو قبلي في حضرموت، بل إنه لم يشكل
إضافة نوعية بانضمامه للانتقالي وإنما شكل عبئا كبيرا عليه، بعدما باتت سمعة الرجل
سيئة".
وقال؛ إن البحسني لم
يخرج من إدارة المحافظة إلا بعد مظاهرات صاخبة ضده، وكل اليمنيين رأوا كيف خرج
الناس إلى الشوارع احتفاء بإقالته من منصبه كمحافظ لحضرموت.
وأكد المصدر السياسي
أن "اللواء البحسني يحاول أن يتشبث بموقعه في مجلس الرئاسة، من خلال انضمامه
للانتقالي، في وقت أن القاعدة الشعبية والقوى العسكرية لم تعد تأتمر بأمره، ولم يعد
له نفوذ عليها".
ولفت إلى أن تصريحات
البحسني الأخيرة كانت واضحة، وتحدث عن "مؤتمر حضرموت الجامع" ـكيان
سياسي وقبلي في المحافظةـ، وليس عن المجلس الانتقالي.
وقال؛ إن الرجل أصبح "يتمسح"
بالجماهير والمكونات في حضرموت، أكثر مما يعتز بانتمائه للانتقالي، وهذا واضح في
تصريحاته الأخيرة للقبائل واجتماعاته هناك.
وأوضح المصدر السياسي أنه ليس أمام المملكة من خيارات أخرى في المنطقة الشرقية من اليمن، إلا مواجهة
هذا التمدد في مجالها الحيوي، وهي ماضية وبقوة لوقف أي تحركات انتقالية في حضرموت،
وبشكل مواز تمضي في تشكيل مجلس حضرموت الوطني، الذي سيكون حاملا سياسيا لقضية
حضرموت، ومواليا تماما للرياض وبدعم كبير منها.
وتوقع المصدر أن يتم
الإعلان عن المجلس الحضرمي الوطني في الأسابيع القليلة القادمة.
وفي حزيران/ يونيو
الماضي، أعلنت قوى سياسية وقبلية في محافظة حضرموت، كبرى محافظات اليمن، من
العاصمة الرياض، عن تشكيل "مجلس حضرموت الوطني"، لمواجهة محاولات المجلس
الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي السيطرة على المحافظة الغنية بالنفط.
"تفجير الوضع عسكريا"
من جانبه، يرى المحلل
السياسي اليمني، عمر بن هلابي، أنه منذ إشهار مجلس حضرموت الوطني، تكالبت كل القوى، خاصة المجلس الانتقالي ومؤيديه وداعميه، في محاولة تفجير الوضع عسكريا في حضرموت
وإسقاط المحافظة بكل الطرق بيد هذا الكيان، وإفشال المجلس الحضرمي.
وقال ابن هلابي في حديث
لـ"عربي21"؛ إن مجلس حضرموت الوطني، أعاد توجيه بوصلة الحل إلى المسار
الوطني، المتمثل بـ"حل وطني يتوافق عليه الجميع في البلاد"، يمنح كل ذي
حق حقه، ومنها حقوق حضرموت.
وأضاف أن محافظة
حضرموت بدأت تضع مشروعها على الطاولة، الذي ينظر إلى المستقبل ويرفض العودة إلى
الماضي.
وتابع المحلل السياسي
من حضرموت: "هذا المشروع أثار حفيظة القوى التي تسعى لاختطاف الدولة، ومن تلك
القوى "المجلس الانتقالي" الذي "يريد أن يصل إلى الحكم بأي طريقة، ومن ثم يتقاسم السلطة والثروة مع قوى أخرى من الدولة العميقة".
وأشار إلى أن البحسني سقط سقوطا مدويا ووصل إلى الحضيض، بعدما لطخ سمعته واسمه ومكانته في حضرموت، والتاريخ لن يرحمه.
وقال المحلل ابن هلابي؛ إن البحسني هو نائب رئيس مجلس القيادة وهو مساو لعيدروس الزبيدي ـرئيس المجلس
الانتقالي عضو مجلس الرئاسةـ، بل أعلى منه؛ بموجب التفويض الذي صدر من الرئيس
السابق عبدربه منصور هادي في إعلان نقل السلطة إلى المجلس الرئاسي.
حيث وردت فقرة في
الإعلان، أنه حال تعذر قيام رئيس المجلس بمهامه لعجزه أو لأي سبب من الأسباب، يكون
النائب الأول هو أكبر النواب سنا وهو البحسني، وفق المتحدث ذاته.
واستدرك قائلا:
"لكن الرجل سقط بشكل مدو، وقبل أن يكون نائبا لرئيس المجلس الانتقالي الزبيدي؛ انتقاما من محافظته حضرموت".
وحول تحركات الأخيرة،
أوضح ابن هلابي أن تلك التحركات تكشف عن قناعه الذي كان يتستر به، وبات يعمل خدمة للمجلس الانتقالي ومن خلفه الإمارات.
وقال؛ إن القوى الفاعلة
والأكثر تأثيرا في حضرموت، تؤيد "مجلس حضرموت الوطني".
وانتقد المحلل السياسي
اليمني الموقف السعودي من تحركات البحسني، وقال؛ إن "موقف الأشقاء في الرياض
محير للقوى في حضرموت"، داعيا المملكة إلى "مغادرة حالة الغموض، والتحدث
بكل شفافية مع القوى المحلية في المحافظة".
كما طالب ابن هلابي
الرياض بـ"التنبه للتحركات التي يقودها البحسني بتوجيهات من الزبيدي
والإمارات، ولذلك عليهم وضع النقاط على الحروف".
كما لفت إلى أن دور
العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي "غامض ومحير ويدعو للشك والريبة من
تحركات البحسني وصمته إزاء ذلك"، محذرا من " تكرار سيناريو إسقاط محافظة
شبوة عسكريا بيد المجلس الانتقالي، في ظل صمت وتماهي رئيس المجلس الرئاسي مع
المشروع الإماراتي وحلفائه، بل أصدر قرارات عسكرية وفيها تجاوزات على القرارات
الدستورية، ومن ثم سلم شبوة للانتقالي".
وقال؛ إن على رئيس مجلس
القيادة إعلان موقف صريح من الأنشطة المريبة للبحسني في حضرموت، والتحرك بكل جدية
لوقفها، والإيفاء بوعوده التي قطعها خلال زيارته للمحافظة في الأسابيع الماضية.
وكان رئيس مجلس
القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، قد وصل في حزيران/يونيو الماضي، إلى مدينة المكلا،
عاصمة المحافظة، في أول زيارة له، منذ توليه هذا المنصب عام 2022، وبعد أيام من
الإعلان عن المجلس الحضرمي الوطني.
وقال العليمي، في كلمة
له أمام حشد من القيادات والمسؤولين الحكوميين، وقتئذ؛ إن حضرموت ستدير نفسها
ماليا وإداريا وأمنيا من قبل السلطة المحلية، مؤكدا أن هذه التجربة إذا نجحت في
حضرموت، فسوف يتم تطبيقها على محافظات أخرى.