نشر موقع "
أويل برايس" الأمريكي تقريرا تناول المنافسة المتصاعدة بين
الولايات المتحدة وروسيا لتعزيز نفوذهما في
النيجر.
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، "إن سلسلة الانقلابات التي اجتاحت دول
الساحل الأفريقي الفقيرة خلال السنوات الثلاث الماضية أدت إلى تنامي الوجود العسكري الروسي".
وأضاف، "إثر ذلك أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في آذار/ مارس الماضي زيارة تاريخية إلى النيجر - الحليف الرئيسي لواشنطن في المنطقة كأوّل دبلوماسي أمريكي كبير يزور البلاد".
وقال بلينكن حينها إن "النيجر تُعتبر حقا مثالا غير عادي في زمن حافل بالتحديات الكبيرة فهي تمثل نموذجا مثاليا للصمود، والديمقراطية، والتعاون وهو أمر مثير للتقدير والاحترام".
وذكر الموقع، "عقب خمسة أشهر من الزيارة، العلاقات بين الولايات المتحدة والنيجر على حافة الانهيار بعد أن أطاح مسؤولون عسكريون في 26 تموز/يوليو بالرئيس واستولوا على السلطة".
وأكد الموقع، "أن الخبراء. يحذرون من أن نجاح هذا الانقلاب يهدّد بتعميق عدم الاستقرار الإقليمي، وإضعاف الأمن الإقليمي، ومن المحتمل أن يفتح الباب أمام تنامي النفوذ الروسي في منطقة الساحل وما وراءها".
اتجاه مثير للقلق
ويرى التقرير أن صورة النيجر تحسنت لدى الغرب قبل الانقلاب، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى الانتقال السلمي والديمقراطي للسلطة في سنة 2021، حيث كان الأول من نوعه منذ الاستقلال قبل أكثر من سبعة عقود.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة استثمرت على مدى العقد الماضي حوالي 500 مليون دولار لتدريب وتجهيز الجيش النيجيري لمحاربة التنظيمات المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة التي كانت تنشط في منطقة الساحل.
وأردف أن الولايات المتحدة، التي تملك حوالي 1100 جندي هناك، بنت قاعدة ضخمة للطائرات المسيرة في شمال البلاد بهدف مراقبة تحركات الجماعات المسلحة عبر الحدود وجمع المعلومات الاستخبارية.
ولفت تقرير الموقع إلى أن موجة الانقلابات في منطقة الساحل تهدد بتعريض هذا التعاون والتقدم للخطر، لا سيما أن ثلاثة من جيران النيجر، مالي وبوركينا فاسو وتشاد استسلموا جميعا للانقلابات منذ 2020، على غرار ما حدث مع السودان وغينيا المجاورتين.
وأكد الموقع أن الولايات المتحدة وشركاءها، بما في ذلك المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) اتخذوا موقفا حازما ضد المجلس العسكري النيجيري على أمل إجباره على إعادة بازوم المنتخب ديمقراطيا.
وفي تصريح لإذاعة أوروبا الحرة، حذّر الأستاذ المساعد في جامعة سيراكيوز وخبير الشؤون الأفريقية شون ماكفيت من أن "هذا اتجاه ينذر بالخطر، مؤكدا أن هذا الاتجاه فتح الباب أمام زيادة نفوذ
روسيا"، بحسب التقرير.
وأضاف، "كلما حدث المزيد من الانقلابات، زاد النجاح الذي حققته، ومثلت إغراءً للمجالس العسكرية المستقبلية في جميع أنحاء أفريقيا".
وأوقفت واشنطن على خلفية ذلك، بعض المساعدات للنيجر إحدى أفقر دول العالم بينما فرض 11 عضوا في مجتمع غرب إفريقيا عقوبات مالية صارمة وهددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بغزو النيجر، وفق التقرير.
عروض فاغنر
قال الموقع إن يفغيني بريغوزين، مؤسس مجموعة المرتزقة فاغنر الروسية التي تنشط في أفريقيا، قدم الدعم لقادة الانقلاب النيجيري.
ووفق حديث، للزميل الباحث في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية دانيال إيزنجا لإذاعة أوروبا الحرة، فإن "المجلس العسكري يحتاج إلى الدعم والاعتراف إذا لم يتنح، وهذا ما يحتمل أن تقدمه فاغنر الأمر الذي سيفرض تحديات كبيرة لأي تدخل عسكري من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا".
وأضاف إيزنجا أن فاغنر لديها نحو ألف جندي في كل من مالي وليبيا وكذلك في السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، مشيرًا إلى أن هناك "سحابة سوداء تخيم حول مستقبل فاغنر في أعقاب تمرّدها الفاشل في روسيا في تموز/يونيو والتزاماتها الحالية في أفريقيا، ناهيك عن عدد القوات التي يمكن أن تحشدها لدعم قادة الانقلاب في النيجر".
ويرى إيزنجا أن "خلق وضع جيوسياسي دولي معقد للغاية قد يردع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عن التدخل لا يتطلب الكثير من الجنود على الأرض من جانب فاغنر"، بحسب تقرير أويل برايس.
ونقل الموقع عن سيباستيان إليشر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فلوريدا والمتخصص في شؤون أفريقيا قوله، إن "فاغنر لا تملك الكثير من المعدات الثقيلة في أفريقيا لمساعدة النيجر على مواجهة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا".
وأكد إليشر أن "أصول فاغنر في أفريقيا هي بالأساس بنادق كلاشينكوف وتويوتا"، ناهيك عن أن القوات المنتشرة في مالي المجاورة هم مدربون عسكريون وليسوا مقاتلين"، وفق الموقع.
وتساءل كل من إليشر وإيزنجا عن كيفية دفع النيجر أتعاب فاغنر على ضوء تخفيض المساعدات وفرض العقوبات، إذ كانت النيجر تتوقع تلقي 2.2 مليار دولار من المساعدات الخارجية والقروض والمنح هذا العام، وهو مبلغ يعادل 40 في المائة من ميزانيتها.
وحسب إليشر فإن تدخل فاغنر في النيجر لن يكون على المدى القصير، موضحا أن "روسيا ليس لديها علاقات اقتصادية ودبلوماسية تاريخية مع النيجر وينطبق الأمر ذاته على مالي والدول الأخرى التي تنشط فيها فاغنر".
وأشار الموقع إلى أن بعض الخبراء يعتقدون أن "روسيا تسعى إلى تحقيق تقدم في أفريقيا منذ سنة 2014، عندما بدأت الولايات المتحدة وأوروبا عزل موسكو بعد ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية".
وبين الموقع أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد الشهر الماضي قمة مع زعماء ووفود أفريقية في سان بطرسبرغ، هي الثانية منذ سنة 2019.
وحول القمة قال إليشر إن "مصالح روسيا في أفريقيا تشمل بيع الأسلحة، وكسب تصويت الأمم المتحدة، والوصول إلى الموارد الطبيعية وإبراز نفسها كجهة فاعلة حيوية في الجنوب العالمي".
مزيج سام
ونقل التقرير عن الخبير الشؤون الأفريقية شون ماكفيت قوله، إن منطقة الساحل هي أرض خصبة للانخراط الروسي لأن الحكومات هشّة ويتشارك الجمهور على نطاق واسع في المشاعر المعادية لفرنسا ومعاداة الغرب.
وأضاف، "تركت فرنسا إرثا استعماريا وحشيا في منطقة الساحل لا يزال ملموسا حتى اليوم. وفي مالي، حل فاغنر محل القوات الفرنسية بعد طردها من قبل المجلس العسكري" وفق التقرير.
وأوضح ماكفيت أن "روسيا تستغل المواقف المعادية لفرنسا في جميع أنحاء منطقة الساحل حتى تحل محل فرنسا سياسيا في جميع أنحاء المنطقة حيث تطمح روسيا لجذب الانتباه إلى موسكو وليس تجاه واشنطن أو باريس".
وفي نيسان/ أبريل الماضي نقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، معلومات استخباراتية أمريكية مسربة، تتحدث عن سعي فاغنر لإنشاء "اتحاد" كونفدرالي "موحد من الدول الأفريقية" من شأنه أن يشمل بوركينا فاسو وتشاد وإريتريا وغينيا ومالي والنيجر والسودان.
وقالت الصحيفة إن "فاغنر كان يخطط للإطاحة بالنظام في تشاد كجزء من هذا الهدف الأكبر".
واستدرك التقرير، أن الولايات المتحدة لا تعتقد أن فاغنر كانت وراء الانقلاب في النيجر.
وتابع "أن الانقلاب جاء بحسب الخبراء، نتيجة قرار بازوم استبدال المسؤولين العسكريين الذين عينهم سلفه".
وأورد الموقع تحذير إيزنجا، "من أن الوضع الأمني في النيجر من المرجح أن يتدهور إذا تحركت مجموعة فاغنر، مشيرا إلى اندلاع أعمال عنف في مالي وبوركينا فاسو عقب الانقلابات ورحيل القوات الفرنسية".
وذكر الموقع بتصريحات لوكيلة وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند في 7 آب/أغسطس الجاري أن واشنطن تدرك جيدا المخاطر التي تتعرض لها هيمنة الولايات المتحدة بوجود مجموعة فاغنر.
ويقول الباحث في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية دانيال إيزنجا، "في حال تمكنت الولايات المتحدة والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من إجبار المجلس العسكري في النيجر على التخلي عن السلطة، فقد يكون لذلك انعكاسات إيجابية على منطقة الساحل"، بحسب التقرير.
وأضاف، "إذا تمكنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من إظهار أنها ليست عديمة الفعالية، فإن قادة مالي وبوركينا فاسو قد لا يبقون في السلطة حتى موعد الانتخابات القادمة".