نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"
مقالا للمدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في جامعة تافتس، أليكس دي وال، قال فيه إن رقعة متصلة من البلدان الأفريقية من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر تخضع الآن للحكم العسكري. مالي وغينيا وتشاد والسودان وبوركينا فاسو ومؤخرا النيجر.
وأضاف دي وال في المقال الذي ترجمته "عربي21”، "أن بعض الانقلابيين أطاحوا بزعماء منتخبين، مثل رئيس النيجر محمد بازوم، فيما أحبط آخرون الانتخابات.
وأوضح، "أن هذا أكثر من مجرد سلسلة من الأحداث البعيدة المؤسفة، بل إنها علامة على أن جزءا كبيرا من القارة (دول جنوب الصحراء المعروفة باسم الساحل) قد سقطت عن مسار بناء دول ناجحة".
وأكد أن ما يجري يطرح سؤالا مقلقا يؤثر على العالم بأسره، وهو كيف يمكن للبلدان الفقيرة وغير الآمنة أن تصوغ نظاما سياسيا وتمنح مواطنيها الثقة في أن الحكومة الديمقراطية يمكن أن تحقق ما يحتاجون إليه؟".
وتابع، "إن المسؤولين في الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والأوروبي، استجابوا لكل انقلاب عسكري على أنه أزمة خاصة به، بينما يرى بعض المراقبين مؤامرات في موسكو أو شبكات إرهابية داخل الأزمة، لكن الحقيقة إن فاغنر الروسية والجهاديين المحليين هم مجرد انتهازيين".
وأشار دي وال، " إلى أن الفساد في كل بلد استولى عليه الجنرالات مؤخرا، أدى إلى إفراغ الإدارة المدنية وتقويض مصداقية السياسيين، بالتزامن مع تمكين الجنود من قبل رعاة أجانب يريدون قواعد عسكرية، والتعاون ضد الإرهاب والسيطرة على الهجرة".
وبين الكاتب، "أن الديمقراطية لا يمكنها الاستمرار إذا لم تتمكن من تحقيق نتائج، حيث يريد الأفارقة وظائف وطعاما وسكنا ميسور التكلفة وتعليما ورعاية صحية جيدة، بالإضافة للسلام والأمن والفرصة لتحديد مسار مستقبل دولهم دون إخبارهم بما يمكنهم وما لا يمكنهم فعله من قبل القوى الأجنبية".
ونوه، "إلى أن غالبية السكان في
أفريقيا، يريدون أيضا الديمقراطية، لكنهم يشعرون بالإحباط عندما لا يحقق القادة المنتخبون طموحاتهم، فعندما يرحب الناس بالانقلاب، فلأنهم يرون أنه الطريق إلى حكومة منتخبة بشكل أفضل.".
ويكافح القادة الديمقراطيون في كل مكان لتقديم وعود ذات مصداقية للناخبين وسط التضخم ونقص السلع وتزايد الجريمة وانعدام الأمن بينما لا يواجه القادة الأفارقة أي مجال للمناورة على الإطلاق، وفق المقال.
ويرى دي وال أن القادة الأفارقة، محاصرون بين شفرات مقص قاتلة: تحديات أكبر بكثير وقدرة أقل بكثير للحكومة على الاستجابة له.
وذكر الكاتب، "لقد سمعت ذات مرة ميليس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا السابق، يقول إن حكم بلاده يشبه الجري أمام انهيار جليدي لم يكن السيد زيناوي ديمقراطيا، لكن تشخيصه لمأزق القادة الأفارقة يبدو أكثر بصيرة مع مرور كل عام".
ولفت إلى أن البلدان الأفريقية تحتاج إلى الاستثمار الأجنبي، لكن خارج نطاق النفط والغاز والمعادن، ونادرا ما تقدم معدلات العائد التي يمكن أن تنافس الأسهم الرائدة في وول ستريت.
وتخسر إفريقيا ما يقرب من 90 مليار دولار - أو 3.7% من ناتجها المحلي الإجمالي - في التدفقات المالية غير المشروعة كل عام، وفقا للأمم المتحدة، معظمها من خلال المعاملات ذات التسعير الخاطئ داخل الشركات بسحب الكاتب.
ويتحدث دي وال عن معاناة أفريقيا من أزمة ديون أفريقية جديدة، حيث يدين الكثير من الأموال للصين للتعدين والنقل والاتصالات.
وأكد أن البلدان الأفريقية عندما يتعلق الأمر بالوظائف، لا تستطيع البلدان منافسة الصين والدول الآسيوية الأخرى في الصناعات ذات الأجور المنخفضة، مثل المنسوجات والأحذية وبدلا من ذلك، أصبحوا مكبات للملابس غير المرغوب فيها.
وأوضح أن مجتمعات الساحل، اعتمدت في الماضي على تربية الماشية والزراعة الموسمية والتجارة عبر الصحراء لكن اليوم، لا يمكن للزراعة أن توظف عددا كافيا من الناس ولا يستطيع منتجو الأغذية التجاريون التنافس في الأسواق العالمية.
وأصبحت الآن طرق التجارة القديمة التي جلبت الثروة إلى البلدات الواقعة على أطراف الصحراء محاور للمهربين والمتاجرين بالبشر وفق دي وال.
وأشار الكاتب إلى أن وباء كورونا أدى إلى تسريع الانهيار كما ازدادت تكاليف الواردات الغذائية المتزايدة سوءا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا ونظرا إلى انسحاب موسكو مؤخرا من مبادرة حبوب البحر الأسود بالإضافة لتغير المناخ: فقد أصابت موجات الجفاف والفيضانات وموجات الحر ومواسم النمو غير المتوقعة الاقتصادات الأفريقية بشدة.
ويسترسل دي وال بالحديث عن الزيادة السكانية هناك حيث تعد النيجر الدولة الأسرع نموا في عدد السكان في العالم، بأكثر من 3% سنويا، فيما تضم 10 دول في منطقة الساحل، حوالي 354 مليون شخص اليوم.
وأكد أن من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان العديد من هذه البلدان بحلول عام 2050، وفي ذلك الوقت، سيكون في إفريقيا 40% من شباب العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاما.
ويرى الكاتب أن أوروبا والدول العربية الغنية إبقاء العمال الأفارقة في إفريقيا، لكن معظم أموالهم وطاقاتهم التي تهدف إلى القيام بذلك تذهب لردع المهاجرين عن المغادرة، وليس لخلق الوظائف التي يحتاجها الناس للبقاء.
وحذر من أن موجات الهجرة الحالية تعتبر هزيلة مقارنة بما هو آت إذا واصلنا العمل كالمعتاد.
وأوضح أن قادة المجلس العسكري يحظون بإشادة وجيزة من المواطنين المحبطين، لكن على المدى الطويل، لا يمكنهم تحقيق أي من تلك احتياجات الناس.
في عهد الرئيس بايدن، كان شعار السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا هو "الاستقرار"، حيث ترد واشنطن على الانقلابات والصراعات في القارة كل حالة لوحدها، في محاولة لتفادي تعطيل أهداف الولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك التعاون في مكافحة الإرهاب إلا أن هذه الإستراتيجية تكسب الوقت، لكنها لا تحل المشاكل، بحسب دي وال.
ويستذكر الكاتب خيبة الأمل من إخفاقات بناء الدولة في أفغانستان والعراق، والنتيجة الكارثية للتدخل في ليبيا، مشيرا إلى أن فإن واشنطن في خطر نسيان المخاطر التي تشكلها الدول الفاشلة.
ويرى الكاتب الأمريكي أن بلاده أمريكا لا تستطيع فرض القوالب في الدول، إذ يمتلك كل بلد تحديات فريدة توجب رسم مساره الخاص، مطالبا واشنطن وحلفائها بقيادة الطريق في خلق الظروف الاقتصادية الأوسع للدول لتكون قادرة على تلبية المطالب المشروعة لمواطنيها.
وتتماشى إدارة بايدن مع القادة الأفارقة عند التعامل مع القارة، وهذا بالطبع هو الشيء الوحيد المعقول الذي يجب فعله. ولحد الآن، كان هذا هو موقفها من الانقلاب في النيجر بحسب المقال.
وأكد دي وال أن الخيار الأفضل هو التفاوض المدعوم بالعزلة الدبلوماسية والعقوبات الموجهة بهدف إعادة تنصيب الرئيس بازوم في منصبه.
والحل الأخير بنظر كاتب المقال أن على واشنطن أن تلقي بثقلها وراء الدول المجاورة التي ترسل قوات لفرض مبدأ الاتحاد الأفريقي، برفض الاستيلاء غير الدستوري على السلطة، لكن إجماع دول غرب إفريقيا على مثل هذه الخطوة عالية المخاطر ليس ثابتا بعد.
ويؤكد ديو ال، "يجب على الأفارقة والأمريكيين على حد سواء مواجهة حقيقة عدم وجود حلول أفريقية فقط للأزمات متعددة الجوانب التي تعاني منها منطقة الساحل إذ لايمتلك أحد صيغة بسيطة لإنشاء دول قابلة للحياة عبر القارة الأفريقية.
ويختم الكاتب، " إن ما يجري في أفريقيا يمثل أحد أصعب التحديات التي يواجهها العالم، ويزداد الأمر صعوبة كل عام، والخطوة الأولى لحل الأزمة تتمثل بالاعتراف بحجمها وأوجه القصور في ما كنا نفعله حتى الآن".