منطقة الساحل من جديد أمام تحديات حرب عالمية ساخنة جديدة، بعد عقود من
الاصطفاف في المعسكر الغربي خلال الحرب الباردة وما تلاها في العقود الثلاثة
الأخيرة، اصطفاف لم يثمر إلا التبعية المطلقة لفرنسا التي استغلت ونهبت خيرات هذه
الدول، وتركتها في فقر مدقع ووضعية تنموية يرثى لها.
أولا: فرنسا تخسر جوهرتها:
كانت دولة
النيجر جوهرة العنقود الثالثة التي سقطت في فخ الانقلابيين
الثائرين على فرنسا والساعين لربط علاقات قوية بالصين وروسيا، والمحتمين من رمضاء
احتلال فرنسا غير المعلن بلهيب غزاة
فاغنر القادمين من أجل إسقاط القلاع الفرنسية
في غرب ووسط
أفريقيا الواحدة بعد الأخرى.
رغم أهمية مالي وذهبها واقتصادها كسوق كبيرة للمنتجات الاقتصادية والثقافية
لصالح فرنسا، إلا أن النيجر تعتبر درة التاج لما توفره من ثروة اليورانيوم التي
تضيء باريس؛ عاصمة الأنوار المعتمة المهددة بعقود قادمة من العتمة إن لم نقل
الظلام الدامس، إن توقف تصدير اليورانيوم لإمبراطورية الفرنجة.
تلك الإمبراطورية التي أخذت مع انقلاب النيجر منعطف لعنة جديدا لا يدرى أحد
أين سيصل بها منحدره الذي يلتقي في سياقات أخرى مع روافد انحدار أخرى يعلو وينخفض
صوت انحطاطها المدوي، في عاصمة كانت يوما عاصمة الأنوار مجازا وحقيقة لكنها اليوم
عاصمة التراجع والانهيار الأخلاقي للحضارة الأوروبية المنفتحة التي غزت عقول
الكثيرين ووجدانهم، فأسرتهم أنوارها وبريقها ووقعوا في هواها!
فرنسا عصر الأنوار الأوروبية إلى أفول وانهيار نتيجة تعصبها، فرنسا نابليون
وحملاته إلى مزبلة التاريخ بعدما بات أبناء القارة يدركون أن اللص الفرنسي فقد
حذقه ولباقته المعهودة.
تكشفت لأبناء أفريقيا مع قيادة فرنسا الرديئة من ساركوزي إلى ماكرون حقائق جديدة جعلتهم مستعدين أولا للتضحية بكل شيء؛ من أجل التخلص من التبعية لأوغاد ووضع حد لهيمنتهم الذليلة والخائنة التي وظفت عقودا متتالية للنهب ولا شيء غير النهب
لقد تكشفت لأبناء أفريقيا مع قيادة فرنسا الرديئة من ساركوزي إلى ماكرون حقائق
جديدة جعلتهم مستعدين أولا للتضحية بكل شيء؛ من أجل التخلص من التبعية لأوغاد ووضع
حد لهيمنتهم الذليلة والخائنة التي وظفت عقودا متتالية للنهب ولا شيء غير النهب.
ثانيا: انقلاب على الخيار العسكري:
قبل قمة أبوجا دقت طبول الحرب ومعزوفاتها على وقع انعقاد قمة
إيكواس التي
لوحت خمس من دولها (نيجريا- غانا- السنغال- سيراليون- بنين) بضرورة الإسراع
بالتدخل العسكري لوضع حد لمخاطر تمدد الدب الروسي في أفريقيا الغربية ومنطقة
الساحل الأفريقي.
لكن ما إن تقابل القادة الأفارقة وأغلقوا عليهم قاعة اجتماعهم وحضر معهم
العشرات من المستشارين الغربين، حتى تبين لهم أن الدخول في مغامرة عسكرية غير
محسوبة النتائج وغير مرتبة الأوراق ربما سيزيد الطين بلة، وربما يسرّع بانقلابات
جديدة في الدول المتحمسة لعمل عسكري مناهض للانقلابين، خصوصا وأن صوت دول
الانقلابات كان واضحا في رفض فكرة تنفيذ غزو انقلابي يعيد الشرعية في النيجر، لا
سيما أن دول المجموعة غير جاهزة لهذا العمل بالسرعة التي تتطلبها اللحظة وضغطها.
خرج القادة الأفارقة بتوصيات من قمة أبوجا؛ من أبرزها:
1- نشر قوات عسكرية في على الحدود مع النيجر للتحضير
لاستعادة النظام الدستوري.
2- إغلاق الحدود وحظر السفر وتجميد أصول الانقلابين.
3- الضغط على الانقلابين وإنذارهم بتحمل مسؤولية فشل المهلة
الممنوحة لهم للعدول عن الانقلاب.
وهي خطوات رد عليها الانقلابيون بخطوتين خطيرتين تعيقان عودة الشرعية
وتستكمل إجراءات الانقلاب وجعله أمرا واقعا، من خلال:
1- تشكيل حكومة
جديدة وصفوها بالتوافقية، تضم 21 وزيرا لمباشرة مهام الحكومة المنبثقة عن المؤسسات
المنتخبة.
2- هاجم الانقلابيون فرنسا ومواقعها وطالبوها بالرحيل،
واتهموها باختراق المجال الجوي من أجل تحرير بعض السجناء وهو ما فشلت فيه القوات
الفرنسية.
3- تبقى
الدول الغربية قلقة من انخراط الانقلابين في التواصل مع روسيا وفاغنر من أجل
مواجهة الغزو المحتمل لقوات إيكواس لبلادهم.
4- رحب الانقلابيون بالتنسيق مع أنظمة مالي وبوركينافاسو لمواجهة
إيكواس، بل تشير العديد من المصادر إلى شروعهم في التنسيق مع فاغنر. وحذر بلينكن
من هذا السيناريو، مما يبرز قلق الغرب من انقلاب النيجر ونجاحه في التحالف الناجح
ميدانيا ولوجستيا مع روسيا وشركة مرتزقتها المنتشرة في دول الساحل.
ثالثا: ضعف الجاهزية:
يُبرز البيان الختامي لقمة أبوجا والذي تلاه رئيس الاتحاد النيجري "بولا
تينوبو"؛ التوجه لمنح مجال أوسع ووقت أطول للحلول الدبلوماسية والسياسية
لعلها تسهم في الوصول لحل، وهو أمر مستبعد في تاريخ تعاطي الانقلابين مع نداءات
وقرارات المنظمة.
واعتبر "تينوبو" أن الحل السياسي مهم وهو الأرفق بالبلاد ويخدم
استقراراها، مبرزا جوانب من مخاطر الانقلاب واستمراه ليس على النيجر وإنما على
كافة دول الإقليم، ومنطقة الساحل عموما.
يرى العديد من الخبراء أن الدول الأفريقية غير جاهزة لتدخل عسكري ناجز في هذه اللحظة
ويرى العديد من الخبراء أن الدول الأفريقية غير جاهزة لتدخل عسكري ناجز في
هذه اللحظة، فالدول الأفريقية تملك قوات يزيد عددها -نظريا- على 184 ألف جندي منهم
135 ألف من اتحاد نيجيريا وحدها، وتصل ميزانية هذه القوة إلى 4.1 ميار دولار منها
3.4 تتعهد بها نيجيريا وحدها.
أما فيما يخص التسليح والآليات اللوجستية، فإن القوة الأفريقية تمتلك 197
طائرة حربية و179 دبابة و18 ألف مدرعة عسكرية و30 مدفعا ذاتيا و365 مدفعا مقطورا
و58 راجمة صواريخ و170 وحدة بحرية.
تملك الإيكواس أوراق ضغط كبيرة على جمهورية النيجر ككل، فهي دولة حبيسة، وتتزود
بالكهرباء أساسا من نيجيريا، ويجري تموينها من طرق برية عديدة مع دول الجوار،
خصوصا دول المجموعة التي تمارس ضغطا لوقف الانقلاب وإعادة الشرعية، وهو ما يمكن أن
يشكل بديلا كافيا لتأمين جوانب تفاوضية عديدة مع العسكريين، لفرض أجندات بديلة
لضمان مصالح الدول الكبرى بدل استعادة الرئيس محمد بازوم لسلطته الشرعية، ولكن في
نفس الوقت ضمان سلامته وأسرته ومؤيديه، ومنحهم موقعا جزئيا إن لم نقل هامشيا في الحياة
السياسية للبلاد بوقف استهدافهم في مقابل التسليم بالأمر الواقع.
ضمان استمرار عمل الدول الأوروبية وأمريكا بقواعدها وشركاتها في القارة من
خلال وجود قواعدها في النيجر، مع مراجعة ما تمكن مراجعته من تلك الاتفاقيات في
المستقبل القريب، فيما تستمر هذه الدول في دعم شعب النيجر وإدراك أن عقاب النيجر
الآن بالحصار والتدخل هو عقاب للشعب وليس عقابا للانقلابيين.
ويمكن أن يكون من ضمن تلك التفاهمات عدم السماح لفاغنر بدخول البلاد
ومحاصرة تمددها في المنطقة، وتسهيل عوامل مقاومتها بالتنسيق مع هذه الدول التي
تملك تفوقا عسكريا كبيرا في مجالات حساسة كالاتصالات والمعلومات والتسليح والآليات..
إلخ.
رابعا: فاغنر باقية وتتمدد:
يبدو أن انقلابيي النيجر لم يلبثوا طويلا حتى بدأوا تأمين انقلابهم المرفوض
غربيا -والمهدد إقليميا بغزو دول إيكواس- بفتح صفحة جديدة من خلال لقاء نظمه عضو في
المجلس العسكري مع قيادي كبير في فاغنر، كما كشفته تسريبات مقربة من صناع القرار في
مالي.
وبذلك تكون فاغنر قد كسبت أرضية سياسية جديدة نتيجة تصرف سياسي خاطئ للطرف
الآخر، غير أن فرنسا تبدو قادرة على خلق مشاكل للقيادة الجديدة التي بادرت بالاتصال
بهذا العدو الخطير (حسب التصنيف الفرنسي).
تستفيد فاغنر الآن من ردة فعل أفريقية جامحة ضد فرنسا والوجود الغربي، ولذلك ترتمي الأنظمة العسكرية الانقلابية في أحضان فاغنر بسهولة ودون شروط، فرارا من الخصم الفرنسي، وألاعيبه التي خبرها الأفارقة بدقة، وقرروا على ما يبدو التخلص من كل ما يمت لها بصلة
تستفيد فاغنر الآن من ردة فعل أفريقية جامحة ضد فرنسا والوجود الغربي،
ولذلك ترتمي الأنظمة العسكرية الانقلابية في أحضان فاغنر بسهولة ودون شروط، فرارا
من الخصم الفرنسي، وألاعيبه التي خبرها الأفارقة بدقة، وقرروا على ما يبدو التخلص
من كل ما يمت لها بصلة.
وفعلا ستتحكم فاغنر في مفاصل السلطة بالدول الأفريقية ربما لعقود قادمة،
وبالتالي توقف الطموحات التنموية الهامة التي تحركت من أجلها حكومات المنطقة؛
وأبرزها فيما يخص النيجر تصدير الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر الموانئ الجزائرية.
وهذا المشروع حصل التفكير فيه منذ أربعين سنة، وفي السنوات الأخيرة (2020-2022)
بحث وزراء الطاقة في الدول الثلاث (نيجريا والجزائر والنيجر) سبل إطلاق هذا
المشروع الكبير، في وقت تحتاج فيه السوق الأوروبية هذه المادة بشكل غير مسبوق، غير
أن أي مشروع من هذا القبيل سيرجع الآن للأدراج عقودا أخرى لأن روسيا لا تريد
لأوروبا أن تجد بديلا عن غازها لا في الحاضر ولا المستقبل.
خامسا: سوابق التدخل العسكري:
عرفت إيكواس سابقا تجربتين كبيرتين في التدخل العسكري؛ أولاهما كانت في
ساحل العاج لعزل الرئيس لوران اغباغبو عن السلطة ووقف حالة التدهور نحو العودة
للحرب الأهلية، نتيجة الصراع على السلطة بين اغباغبو الذي كان حليفا للفرنسيين؛
ووتارا الذي اعترف به المجتمع الدولي رئيسا منتخبا للبلاد في 2010، بعد إعلان
النتائج من طرف الهيئة الوطنية العاجية للانتخابات.
أما التجربة الثانية فكانت عندما رفض يحيى جامى في غامبيا الاعتراف بفوز
منافسه آدما بارو 2016.
وفي كلتا الحالتين لم يحصل تدخل مباشر بقوات، وإنما حصل ضغط سياسي قوي
ومفاوضات أفضت في الأولى لضربات موضعية ومحدودة وجهتها قوات حفظ السلام للفندق
الذي يسكن فيه اغباغبو، وفي الثانية كان الضغط والوساطات كفيلة برحيل جامى وترتيب
يضمن له ترك السلطة مع أخذه أموالا وطائرة أقلته للخارج لاجئا سياسيا في بتسوانا.
سادسا: سيناريوهات:
يعوق الانقسام الحاصل في مجموعة الإيكواس الآن التدخل العسكري عبر عملية
قوات خاصة، وتتلخص السيناريوهات في الآتي:
1- غزو بري من قوات أغلبها من نيجيريا، وهذا مستبعد نظرا
لتكاليفه وإدخاله البلاد والمنطقة في أزمة مكلفة بشريا وماديا.
2- عملية خاصة مسنودة هدفها اعتقال النواة الصلبة للانقلابيين
طبقا لمعلومات استخباراتية دقيقة، وهذه أيضا تبقى محفوفة بالمخاطر لأن فشلها سيكون
سيئا جدا في هذا الصراع.
3- تحريك عملية تمرد من داخل جيش النيجر ذاته وإسنادها، وفي غضون
ذلك يتم ضرب الانقلابين بتحييد عناصرهم المهمة أو اعتقالهم.
4- تكثيف الضغط من أجل التوصل لحلول سياسية وسطى تضمن للأطراف
الأساسية مصالحها وتمنح الانقلابين شرعية مرحلية انتقالية، كما هو حاصل في مالي
وبوركينافاسو.