نشرت مجلة "
فورين بوليسي" الأمريكية
تقريرًا تناولت فيه الدور الحاسم الذي لعبته
الولايات المتحدة في انقلاب آب/ أغسطس 1953 في
إيران، والذي يعد علامة بارزة في التدخلات الأمريكية السرية في الجنوب العالمي، ولحظة فاصلة في التاريخ السياسي لإيران الحديثة.
وقالت المجلة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن "مصدق ما كان ليُسقط من السلطة لولا أفعال الإيرانيين، لكن من المضلل تجاهل دور الولايات المتحدة في الانقلاب، الذي ما زالت ذكراه تطارد العلاقات الأمريكية الإيرانية".
وأكد التقرير أن "الولايات المتحدة لعبت دورًا رئيسيًا في استقرار نظام الشاه بعد الانقلاب، إذ إن التركيز على أحداث 19 آب/ أغسطس وحده يكشف أهداف واشنطن النهائية من الانقلاب: عودة موارد النفط الإيرانية إلى السيطرة الأجنبية، وهو هدف حققته الولايات المتحدة بعد عام تقريبًا من سقوط مصدق الدراماتيكي من السلطة".
وأضافت المجلة أن "شركة النفط الأنجلو-إيرانية المملوكة لبريطانيا "إيه آي أو سي"، التي أعيدت تسميتها فيما بعد باسم "بتروليوم بريتش، أو بي بي"، قامت بتشغيل صناعة النفط الإيرانية، وذلك بعد اكتشاف النفط في عام 1908" مشيرة إلى أنها "كانت تتمتع باستقلال شبه كامل وتقاسم القليل من الثروة الناتجة مع الحكومة الإيرانية".
تأميم صناعة النفط
أوضح
التقرير نفسه، أنه خلال "نيسان/ أبريل 1951، رشح البرلمان الإيراني الزعيم القومي محمد مصدق ليكون رئيس الوزراء الجديد للبلاد؛ حيث قام مصدق بمجرد وصوله إلى السلطة بتأميم صناعة النفط المملوكة لبريطانيا، ووعد بإنهاء سنوات من التدخل الأجنبي في السياسة الإيرانية الداخلية. وأدى التأميم إلى أزمة دولية؛ حيث جادلت الحكومة البريطانية بأن تصرف إيران غير قانوني وفرضت حصارًا على صادرات النفط الإيرانية".
وأفادت المجلة بأن "الولايات المتحدة دعمت الحجة البريطانية لكنها كانت قلقة بشأن الاستقرار الداخلي لإيران، حيث أدى الحصار البريطاني، الذي تم فرضه بالتعاون مع شركات النفط الأمريكية الكبرى، إلى ضغط الاقتصاد الإيراني واستنزاف موارد مصدق المالية. وبسبب القلق من أن مثل هذه الدولة "الخالية من النفط" ستؤدي بإيران إلى الخراب والحكم الشيوعي في نهاية المطاف، فقد أمضت الولايات المتحدة عامين تحاول إقناع مصدق بالموافقة على مقترحات من شأنها أن تترك النفط الإيراني في أيدي الشركات الغربية".
وتابع
التقرير، بأنه آنذاك "لم يتنازل مصدق عن السيطرة على صناعة النفط الإيرانية، حتى لو كان ذلك يعني إفقار حكومته، وهو ما جعل الولايات المتحدة في أوائل عام 1953 تقرر إزالة مصدق من السلطة واستخلافه برئيس وزراء جديد، وهو الجنرال السابق فضل الله زاهدي، بدعم من الشاه، وذلك لإنهاء النزاع وإلغاء التأميم والحفاظ على إيران من الشيوعية".
دور أمريكا وبريطانيا في الانقلاب الإيراني؟
وأوضحت المجلة أن "الولايات المتحدة وبريطانيا لعبتا دورًا حاسمًا في جعل الانقلاب ممكنًا؛ حيث قدمت الولايات المتحدة الأموال وشكلت سكرتارية للتنسيق بين أعضاء الجيش الإيراني الذين دعموا الشاه في إزاحة مصدق. بينما استخدم البريطانيون شبكة استخباراتهم الواسعة النطاق، والتي تضمنت رجال دين بارزين ورجال أعمال وسياسيين".
وفي السياق نفسه، أشارت المجلة، إلى أن "المساهمة الأمريكية كانت الحاسمة في إقناع الشاه المتردد في المشاركة، لأن هذا منح العملية درجة من الشرعية الدستورية. وذلك من خلال العديد من الوسطاء، بما في ذلك أخت الشاه التوأم، والمستشار العسكري السابق الجنرال نورمان شوارزكوف؛ حيث أرسلت الولايات المتحدة تأكيدات للشاه بأنه سيحصل على دعم أمريكي بمجرد توليه السلطة وأن أزمة التأميم ستحل بشروط مواتية لإيران. في حين أرادت الفصائل القوية على الساحة السياسية الإيرانية رحيل مصدق، حيث فشلت الجهود المتكررة لطرده بسبب الافتقار إلى التنظيم".
وبحسب المجلة، فإنه "رغم أن العملية كانت ناجحة، إلا أن الحكومة الإيرانية طلبت المزيد من المساعدة من الولايات المتحدة. فقد كانت الحاجة الأولى والأكثر إلحاحًا مالية: حيث وافقت إدارة آيزنهاور على 45 مليون دولار من المساعدات الطارئة لمساعدة الشاه وزاهدي في تغطية ميزانية الدولة في عامي 1953 و1954. وعلى مدى العقد التالي، قدمت الولايات المتحدة لإيران 800 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية. وقد يبين مقارن هذه المبالغ بالحساب الإجمالي لتكاليف الانقلاب، الذي تكلف أقل من 5 ملايين دولار، أهمية هذه المساعدة، سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو للشاه".
وأضافت المجلة أن "المساعدات الأخرى أقل مادية ولكنها ليست أقل أهمية؛ حيث ساعدت وكالة المخابرات المركزية الحكومة في اعتقال واحتجاز آلاف الشيوعيين واليساريين، بمن فيهم أعضاء بارزون في حكومة مصدق. وساعدت صلة الوكالة بقبيلة قشقاي القوية، التي كانت حليفة لمصدق في السابق والتي عارضت الشاه، الحكومة الجديدة على نزع فتيل المواجهة المتوترة بين رجال القبائل المسلحة والقوات العسكرية في المحافظات الجنوبية لإيران".
وأردف المصدر نفسه بأن "وكالة المخابرات المركزية ساعدت أيضًا الشاه في انتخابات مزورة في أوائل عام 1954، ما أدى إلى تطهير السلطة السياسية من القوميين البارزين وتقليص سلطة البرلمان في البلاد ليتحول إلى لجنة للموافقة التلقائية؛ حيث اقترح السفير الأمريكي أن "إيران المستقلة غير الديمقراطية" ستكون أفضل من إيران "خلف الستار الحديدي".
وتابعت المجلة بأن "الوثائق التي رفعت عنها السرية أيضًا تشير إلى أن الولايات المتحدة دعمت الشاه، بدلاً من رئيس الوزراء الزاهدي، في أعقاب الانقلاب. فقبل آب/ أغسطس 1953، أعرب معظم المسؤولين الأمريكيين عن دعمهم المتوسط لمحمد رضا بهلوي، معتبرين إياه حاكمًا ضعيفًا وغير حاسم، وفي مناسبة واحدة على الأقل اقترحوا أن يتنازل عن العرش لصالح أحد إخوته. لكن الملك عاد من منفاه القصير في آب/ أغسطس وسرعان ما أكد سيطرته الشخصية على الحكومة والجيش".
وأردف: "عندما لجأ زاهدي، الذي كان لديه طموحاته الخاصة، إلى الولايات المتحدة طلبًا للمساعدة، تم رفضه، ووضع في دور ثانوي وعزله الشاه عام 1955. ودعم المسؤولون في واشنطن الشاه وأيدوا بسط "سيطرته الشخصية على الشعب"، اعتقادًا منهم أن ذلك يساعد في ترسيخ التحالف الاستراتيجي الإيراني الموالي للغرب، وبالتالي وضع الأساس لهيمنة الشاه اللاحقة على النظام السياسي الإيراني".
وأضافت
المجلة أن "تحقيق الاستقرار في حكومة الشاه كان هدفًا قصير المدى، لكن الهدف الأكبر للولايات المتحدة كان الدفع من خلال اتفاقية نفطية جديدة، لإعادة النفط الإيراني إلى السوق وضمان تدفق الإيرادات لحكومة الشاه التي تعاني من ضائقة مالية. عارض الشاه أي صفقة تلغي التأميم خوفًا من التداعيات السياسية، لكنه أقر بالحاجة إلى اتفاق لتأمين دعم مالي إضافي من الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، كان الشاه يأمل في كسب المال من إنتاج النفط الإيراني. وهي مصلحة سيحتفظ بها طوال فترة حكمه، ولكي يحدث ذلك، ستحتاج إيران إلى اتفاقية جديدة مع الشركات الغربية، حيث سيطروا على الأسعار والأسواق الرئيسية للبترول".
وبينت المجلة أنه "تم التوصل إلى الشروط النهائية للاتفاقية في آب/ أغسطس 1954، والتي عكست رغبة الولايات المتحدة في "الرفض الجزئي للتأميم". في حين تم الحفاظ على مظهر من مظاهر التأميم، إلا أن الاتفاقية في الواقع "أزالت الطابع الوطني" من الصناعة الإيرانية وأعادت الشركات الغربية إلى السيطرة، والتي ستستمر بشكل أو بآخر حتى الثورة الإسلامية عام 1979 وسقوط الشاه من السلطة".
واعتبرت المجلة أن "إرث الانقلاب لا يزال معقدًا، متنازعًا عليه بين العلماء والإيرانيين بعد سبعين عامًا؛ حيث لا يزال فهم أحداث آب/ أغسطس 1953، والدرجة الدقيقة للتدخل الأجنبي، أمرًا صعبًا نظرًا لاستمرار ندرة الأدلة الوثائقية. كما هو الحال مع العديد من العمليات السرية، هناك الكثير مما لا نعرفه، وربما لا نعرفه أبدًا، عن الانقلاب للإطاحة بمصدق".
إلى ذلك، ختمت المجلة أنه "بدون تدخل الولايات المتحدة، مدفوعًا بالسياسات المتأثرة بالمخاوف الاستراتيجية للحرب الباردة والرغبة في السيطرة على نفط الجنوب العالمي، لم يكن الانقلاب على مصدق ليحدث. وكانت حكومة ما بعد الانقلاب ستكافح مع مزيد من عدم الاستقرار، ومن غير المرجح أن تتوصل بنجاح إلى تفاهمات مع شركات النفط العالمية بشأن تسوية لحل أزمة التأميم. لم تنسق الولايات المتحدة الأحداث أو تتحكم فيها، لكنها لعبت دورًا كبيرًا في تسهيل النتيجة النهائية، وحصلت على النتائج التي أرادتها لعقود بعد ذلك".