يخطئ من يظن أن مجموعة
بريكس جمعية خيرية توزع الهدايا والهبات والصدقات على أعضائها على غرار هدايا بابا نويل ليلة عيد الميلاد.
هي تجمع يسعى كل عضو فيه لتعظيم مكاسبه وإعلاء مصالحه.
ومن ثم، فإن
مصر التي وافقت المجموعة يوم الخميس الماضي على الانضمام إليها ابتداء من الأول من كانون الثاني/ يناير ٢٠٢٤ المقبل، ستحقق مكاسب بقدر ما لديها من إمكانيات وجهد وعمل وإنتاج وصادرات ومزايا نسبية تفيد المجموعة، ومن ثم يخرج الكل رابحا.
أما الاعتقاد بأن مجرد الإعلان عن انضمام مصر للمجموعة سيحل كل المشاكل فورا، فهو كلام غير منطقي وغير علمي وغير عملي، ومن ثم وجب الحرص منه وعدم التعويل عليه؛ لأنه أشبه بالتخدير الذي قد يخفف الألم حينا، لكنه لا يعالج أصل المرض.
فى مقال الأمس قلت بوضوح؛ إن انضمام مصر للبريكس أمر طيب وجيد ومفيد لأنه يحقق العديد من المزايا والمميزات والإيجابيات، لكن هناك نقطة مهمة، هي خطورة أن يقوم البعض بإشاعة أفكار وآراء وتصورات خاطئة، ضررها محقق ونفعها غير موجود.
المسألة ببساطة أنه لو كانت البريكس قادرة على حل كل المشاكل مرة واحدة، لكان من الأولى أن تحل المشاكل الاقتصادية لروسيا، هي دولة نعرف أن مساحتها الأكبر عالميا، ومواردها الأضخم خصوصا في الحبوب والأسمدة والطاقة، ثم إنها القوة العسكرية الثانية في العالم مع ترسانة نووية ضخمة، والأمر نفسه ينطبق على جنوب أفريقيا، وهي عضو في المجموعة منذ عام ٢٠١٠ ورغم ذلك تعاني من بعض المشاكل الاقتصادية باعتبارها اقتصادا ناشئا، خصوصا بعد تفشي وباء كورونا والأزمة الأوكرانية والأزمة الاقتصادية العالمية بفعل التضخم، الذي أدى لرفع أسعار الفائدة عالميا فهربت منها كميات من الأموال الساخنة، مثلما حدث في مصر ودول أخرى.
وقد قرأت تحليلا لوائل النحاس خبير أسواق المال يقول فيه؛ إن الحديث عن المكاسب سابق لأوانه، لأنه حتى الآن لم يتم الحديث عن أطر وقواعد انضمام مصر للمجموعة. ولن نجني الثمار قبل ٥ سنوات على الأقل.
هي خطوة إيجابية من وجهة نظره، لكنها تحمل بعض التخوفات، فمثلا إذا تم الاستغناء عن
الدولار كعملة تبادل دولية، فإن تحويلات المصريين لن تأتي بالدولار بل بعملات الدول التي يعملون بها؛ مثل الدرهم الإماراتي والريال السعودي، كما لن نحصل على عوائد المرور من قناة السويس بالدولار، ومن ثم فإن ذلك قد يؤثر على قدرتنا على سداد ديوننا المقومة بالدولار.
النقطة المهمة الأخرى، هي أن مصر خلال فترات زمنية مختلفة، استغنت عن الدولار، وما تزال تفعل حتى الآن في بعض المعاملات التجارية.
إذن، استفادتنا من الانضمام إلى مجموعة البريكس تتوقف على مدى جهدنا وإصلاحنا وتقدمنا الاقتصادي، فعلى سبيل المثال؛ إن لم نستطع أن نعظم من إنتاجنا وصادراتنا، فسوف نتحول إلى سوق كبيرة تستفيد منه بقية الدول الأعضاء، في حين أن قدرتنا على الاستفادة من كل الفرص المتاحة من وراء هذا التجمع، يمكن أن تفيدنا في فتح أسواق جديدة للصادرات، والأهم أيضا الاستفادة من تجارب النجاح في دول التجمع المختلفة.
لكن قبل ذلك، لا بد أن يكون لدينا صادرات أولا، وبعدها يمكن الحديث عن الأسواق.
نفس الأمر، فإن الاستثمارات المتوقعة من دول البريكس في مصر لن تأتي أبدا إلا حينما يكون هناك ظروف وبيئة جاذبة ومشجعة لهذه الاستثمارات، وعلى سبيل المثال؛ فإن علاقتنا جيدة وماتزال جيدة للغاية مع غالبية دول البريكس الخمس، ومع معظم الدول الخمس التي انضمت للتجمع معنا يوم الخميس الماضي، ورغم ذلك، لم نستطع أن نقنعهم بجلب الاستثمارات الضخمة إلى أسواقنا، ولم نتمكن من تصدير الكثير من السلع والخدمات إليهم.
مرة أخرى، الانضمام للبريكس خطوة مهمة جدا، لكن لن يساعدنا أحد ما لم نتمكن من مساعدة أنفسنا والتغلب على مشاكلنا التي تعيق وتعرقل الإنتاج والاستثمار.
هناك بيت شعر يقول:
ما حك جلدك مثل ظفرك
فتول أنت جميع أمرك
ورغم ذلك، علينا أن نساعد أنفسنا، وإذا حدث ذلك فسوف يساعدنا الآخرون.
يتبقى سؤال مهم: هل صحيح أن البريكس ستنهي إلى الأبد أسطورة الدولار وتخلق عملة جديدة؟!
الإجابة لاحقا إن شاء الله.
(الشروق المصرية)