استعرض موقع
"
أوريون 21" الفرنسي مشروع العاصمة الجديدة في
مصر، الذي قال إنه يكشف عن
تحولات كبيرة في المشهد العقاري والاقتصادي للبلاد.
وقال الموقع، في
تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن تقريرا صادرا عن منظمة مشروع
الديمقراطية في الشرق الأوسط "بوميد" نُشر في حزيران/ يونيو، سلط الضوء
على الجانب المالي الغامض لبناء
العاصمة الإدارية المصرية الجديدة، وهو المشروع
الرائد لرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي يستعد على الأرجح للترشح لولاية جديدة في
سنة 2024.
ومع استمرار التقدم في
إنشاء "العاصمة الإدارية الجديدة" في مصر، ومع تكثيف التواصل الحكومي
على مواقع التواصل الاجتماعي، مع هاشتاج عام الانتقال، نشرت منظمة
"بوميد" تقريرا في حزيران/ يونيو تطرقت فيه إلى طرق تمويل هذا المشروع
الحضري العملاق.
وفي هذا التقرير على
وجه الخصوص، أكد المؤلف على ضرورة خفض المساعدات المالية التي تقدمها الولايات
المتحدة (عن طريق خصم تكلفة نقل السفارة الأمريكية إلى العاصمة الإدارية الجديدة)
والمؤسسات الدولية (بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي لإعادة البناء
والتنمية) طالما أن الجيش منخرط في الاقتصاد المصري.
وأبرز الموقع أنه في
سنة 2015، بعد توليه السلطة في أعقاب انقلاب الثالث من حزيران/ يوليو 2013، أعلن السيسي
عن بناء عاصمة جديدة من العدم على بعد 45 كيلومترا شرق وسط مدينة القاهرة. منذ
الإعلان عن المشروع حتى اليوم، ظلت مسألة تمويله موضع جدل وخطابات متناقضة. وفي
حين أكد الرئيس المصري مرارا وتكرارا أن المشروع لن يكلف الدولة شيئا، فإن هذا
التقرير يوضح -على العكس من ذلك- أن غالبية التمويل يأتي من أجهزة الدولة، ما يجعلها
مدينة للبنوك العامة والخزانة. ويحاول المؤلف تسليط الضوء على مصدر الأموال
والأطراف المستفيدة منها، في حين تتعمد الدولة طمس المسارات حول تورطها المالي.
تمويل عبر الديون
وعندما تم الإعلان عن
المشروع، كان رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار مسؤولا عن إيجاد الأموال اللازمة،
من خلال إنشاء صندوق الاستثمار "كابيتال سيتي بارتنرز". لكن بعد انسحاب
العبار من المشروع بعد بضعة أشهر، تم اللجوء إلى الصين قبل فشل المفاوضات مرة أخرى.
وأخيرًا، قررت الدولة المصرية أن تتولى مسئولية التمويل والإشراف بنفسها من خلال
إنشاء شركة لهذا الغرض، وهي شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، المملوكة
بنسبة 51 بالمئة لجهات تابعة لوزارة الدفاع، وجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة
وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، بينما تملك هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، التي
تعتمد على وزارة الإسكان نسبة 49 بالمئة.
ولكن حتى إن كررت
الحكومة مرارا أن شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية تمول البناء من عائدات
بيع الأراضي لمطورين عقاريين من القطاع الخاص، فإن هذه الأموال في الواقع تذهب
مباشرة إلى جيوب الجيش، بينما تستمر الدولة في الاستدانة.
وذكر الموقع أنه في
صلب شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، فإن هيئة المجتمعات العمرانية
الجديدة هي التي تضخ مليارات الدولارات في المشروع وتغرق في الديون (لا سيما بقرض
بقيمة 2.55 مليار دولار من الصين)، في حين أن الجانب العسكري غالبا ما يكون
المتلقي للمدفوعات، التي يتم تحصيلها في شكل رسوم إدارية وعائدات بيع الأراضي.
وحسب التقرير، استثمرت الدولة بالفعل ما بين 25 و30 مليار دولار في آذار/مارس
2021، في حين أنفقت شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية 6 مليارات دولار فقط
(5.56 مليار يورو) مطلع سنة 2022. وتعكس هذه الأرقام الإفراط في مديونية الهيئات
العامة المدنية وانخفاض فواتير الجيش أو بالأحرى إعادة توزيع الثروة العامة على
الجنرالات.
شبكات المحسوبية
والتواجد المطلق للجيش
تُمنح عقود البناء
للشركات المقربة من النظام من خلال إجراءات غير تنافسية ومبهمة. وتشترك شركات
البناء المصرية العملاقة (أوراسكوم للاستثمار وحسن علام القابضة) في عدد كبير من
العقود، حيث أصبحت الحكومة أكبر عميل لها منذ وصول السيسي إلى السلطة. وبالنسبة
للشركات الأخرى، يتم منح العقود عن طريق المحسوبية.
ويستشهد التقرير
بالعديد من الشركات، الصغرى والمتوسطة، المملوكة لجنرالات متقاعدين أو أعضاء في
الأجهزة الأمنية، الذين شهدوا صعودًا نيزكيًا في عهد السيسي. وهذا هو الحال
بالنسبة لشركة كونكورد للهندسة والمقاولات، ومجموعة ريدكون للإنشاءات، وغاما
للإنشاءات، وشركة سامكريت. وبالتالي فإن عددا كبيرا من شركات "القطاع
الخاص" التي حصلت على عقود لبناء العاصمة الإدارية تنتمي إلى أفراد من الجيش
وعائلاتهم.
وأشار الموقع إلى أن
نفس الديناميكية تنطبق على مطوري العقارات. ومن بين ما يقارب 400 مطور يعملون
في العاصمة الإدارية الجديدة، بعضهم لديه علاقات طويلة الأمد مع النظام، هناك
أيضًا العديد من الشركات الناشئة ذات الهياكل الغامضة. ويعتبر العديد من أصحاب
شركات التطوير العقاري من الداعمين المهمين للنظام.
وهذا هو حال هاني
العسال، رئيس مجموعة مصر إيطاليا، الذي كان من أوائل وأكبر مشتري الأراضي في
العاصمة الإدارية؛ أو عبد الهادي، مدير شركة حدائق بلازا للاستثمار العقاري، وعضو
البرلمان وأمين حزب حماة الوطن الموالي للسيسي، الذي أسسته مجموعة من أفراد الجيش
والشرطة المتقاعدين.
ويظهر عبد الهادي
بانتظام في البرامج الحوارية التلفزيونية المصرية للترويج لمشاريع رئيس الدولة
العملاقة.
وتم إنشاء شركة "جيتس" للتطوير العقاري، التي يرأسها جنرال في
الشرطة، في سنة 2018 خصيصا للبناء في العاصمة الإدارية الجديدة. وقام مطورون آخرون
مثل شركة لافيستا للتطوير العقاري وشركة بيراميدز للتطوير العقاري وشركة رمكو
لإنشاء القرى السياحية، بتشكيل مشاريع مشتركة مع الجيش من خلال جهاز مشروعات أراضي
القوات المسلحة.
وبدلا من دفع ثمن الأرض التي تنفذ العمل عليها، ستدفع هذه الشركات
راتبا سنويا للجيش على دخلهم المستقبلي.
وأضاف الموقع أنه من
خلال إلقاء نظرة فاحصة على الجهات الفاعلة، يمكننا أن نرى أن أعضاء الأجهزة
الأمنية مندمجون بشكل عميق في الشركات ودوائر الربح التي تشارك في إنشاء العاصمة
الإدارية الجديدة، سواء كانوا مساهمين أو مشرفين أو مورّدين. وتكمن المشكلة في أن الأفراد
العسكريين السابقين المعينين لقيادة عدد كبير من الوكالات والشركات الحكومية غالبا
ما يظهرون عدم الكفاءة في المهام الموكلة إليهم.
مخاوف بشأن حقوق
الإنسان
أشار الموقع إلى أن
شركات أوروبية وأمريكية وقّعت أيضًا عقودا مع كيانات يسيطر عليها الجيش، مما يجعل
هذه الشركات متواطئة في عمليات مديونية الدولة وإثراء الجيش. وتعتبر شركة سيمنز
الألمانية متعددة الجنسيات أكبر شريك غربي. تم إبرام عقود مع الشركات الفرنسية
شنايدر إلكتريك وألستوم وأورانج وشركة "إي دي إف". ويشدد التقرير على أن
الشراكة المبرمة مع شركة التكنولوجيا الأميركية "هانيويل" تثير القلق
بشكل خاص فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان، ويدعو كاتب التقرير واشنطن إلى طلب
ضمانات في هذا الشأن. وتجدر الإشارة إلى أن هانيويل هي بالفعل المسؤولة عن إنشاء
نظام مراقبة ومركز تحكم يسمح لأجهزة الأمن المصرية بمراقبة الأنشطة في
"العاصمة الجديدة".
نحو انفجار الفقاعة؟
بالإضافة إلى المشاكل
التي تطرحها مديونية الدولة واستيلاء الجيش على الإيجارات، يسلط التقرير الضوء على
العديد من العيوب التي قد تؤدي إلى انهيار المشروع.
وتتمثل المشكلة الأولى
في أن هناك فائضا في المعروض من المساكن التي لا يمكن تحمل تكاليفها، في حين أحصت
وكالة الإحصاء الحكومية الرسمية بالفعل في سنة 2017 نحو 13 مليون وحدة تحت الإنشاء
أو مكتملة وظلت شاغرة (بالنسبة لنحو 22 مليون وحدة مأهولة). وإذا كانت هذه الوحدات
الفاخرة في المدن الجديدة الأخرى موضع استثمارات مضاربة، فإن إضافة عدد كبير من
المشاريع العقارية المماثلة يمكن أن يؤدي إلى تشبع السوق، خاصة أن الأرقام الخاصة
بالوحدات السكنية المباعة تحت الإنشاء والمنصوص عليها في العاصمة الإدارية الجديدة
غير متوفرة. لذلك، يبدو من الصعب، حتى على البنوك التي تمول المشاريع، إجراء تقييم
دقيق للمخاطر المالية للمطورين.
أما المشكلة الثانية
التي أشار إليها المؤلف في أن عمليات المطورين ستكون جزءا من ترتيب مالي احتيالي
مشابه للمخطط المعروف باسم "مخطط بونزي". يقوم المشترون بدفع دفعات
مقدمة، ويستخدمها المطورون لبدء البناء، لكن إذا لم يجدوا مستثمرين جدد، فلن
يتمكنوا من إكمال العمل أو تقديم منازلهم للمشترين الأوائل. في الواقع، تشبه هذه
العمليات نظام الشراء "على الخارطة" الذي ينطوي على مخاطر معينة، ولكنه
يسمح للمشترين بتوزيع الدفع على عدة سنوات مع تسليم الوحدات لاحقا.
وبموجب قانون العمل
الجديد، يبدو أن الخطر الرئيسي يتمثل في ظهور عدد كبير من المطورين الجدد دون
أموال نقدية، مما قد يتسبب في الإفلاس ويجعلهم غير قادرين على سداد أموال
المستثمرين.
وأورد الموقع أن
التقرير يفترض أنه إذا نفدت الأموال، فقد يتوقف الجيش عن دعم السيسي. وقد بدأ
الحديث عن هذا الاحتمال في الأشهر الأخيرة، في سياق الأزمة المالية الخطيرة جدا
التي تمر بها البلاد. وإذا قرر رئيس الدولة تنظيف الاقتصاد من خلال حصر الجيش في
الأنشطة المرتبطة بشكل صارم بالدفاع، فإنه يعرض قاعدته السياسية، وربما حتى فرص
إعادة انتخابه خلال الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في بداية سنة 2024 للخطر.