نشرت مجلة "
الإيكونوميست" البريطانية تقريرا استعرضت فيه التحديات والتغيرات التي تواجه
أثرياء العالم، في ظل تنافس بعض الأفراد والأسر على الأموال والثروات بشكل متزايد، والمعركة المتوقعة بين أثرياء العالم للاستحواذ على الأصول السائلة التي سترتفع بشكل كبير مستقبلا.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن العديد من الأثرياء يقومون بتعيين مدراء للثروة من أجل حماية رؤوس أموالهم. وينتشر هؤلاء المستشارون في جميع أنحاء العالم، ويصبحون مطلعين على الحياة الخاصة للأثرياء والمشاهير، الذين يضطرون للكشف عن أسرارهم حتى يمكنهم تقديم المشورة.
وذكرت أن المستشارين يساعدون العائلات على تخصيص الاستثمارات، وإخفاء الأموال النقدية، وتقليل فواتير الضرائب، والتخطيط للتقاعد، والترتيب لتمرير ثرواتهم الهائلة.
وأوضحت المجلة أن إدارة
الثروات كانت بمثابة خدمة متخصصة على امتداد عقود، وكانت بقية قطاعات التمويل تنظر إليها بازدراء، إلا أنها أصبحت حاليا العمل الأكثر جاذبية في هذه الصناعة، فقد جعلت متطلبات رأس المال والسيولة التي تم تحديدها بعد الأزمة المالية العالمية في الفترة 2007-2009، إدارة الأعمال ذات الميزانيات العمومية الثقيلة، مثل الإقراض أو التداول، صعبة ومكلفة.
وأفادت بأن إدارة الثروات أصبحت أكثر جاذبية بسبب سرعة توسعها، حيث كان النمو
الاقتصادي العالمي جيدا بالقدر الكافي على امتداد العقدين الماضيين، حيث تجاوز معدله الثلاثة بالمئة سنويا. ومع ذلك، فقد تم إهمال هذه الوظيفة بسبب نمو الثروة. وفي الفترة بين سنتي 2000 و2020، ارتفعت من 160 تريليون دولار، أي أربعة أضعاف الناتج العالمي، إلى 510 تريليونات دولار، أي ستة أضعاف الإنتاج.
وعلى الرغم من أن الكثير من هذا يرتبط بالعقارات والأصول الأخرى، فإن مجموعة الأصول السائلة لا تزال ضخمة، وتشكل ربع الإجمالي. وتشير تقديرات شركة باين الاستشارية إلى أنها ستتضاعف تقريبا، من ما يزيد قليلا على الـ130 تريليون دولار إلى ما يقرب من 230 تريليون دولار بحلول عام 2030 - ما يعني أن جائزة قدرها 100 تريليون دولار متاحة للمنافسة. ويتوقعون أن تساعد الطفرة في رفع إيرادات إدارة الثروات العالمية من 255 مليار دولار إلى 510 مليارات دولار.
وأشارت المجلة إلى أن الجغرافيا والديموغرافيا والتكنولوجيا ستعمل على تعزيزها؛ حيث يحاول كبار المديرين الانتشار في مختلف أنحاء العالم مع ظهور ثروات السلالات الحاكمة في أسواق آسيا وأمريكا اللاتينية.
وقالت إن مواليد الطفرة هم الجيل الأخير الذي يستطيع الاعتماد على معاشات تقاعدية محددة الاستحقاقات لتقاعدهم؛ وسيتعين على المزيد من الناس اتخاذ قرارات بشأن كيفية دعمهم بثرواتهم. وفي الوقت نفسه، تعمل البرمجيات على تبسيط البيروقراطية التي كانت تعيق مديري الثروات ذات يوم، ما يسمح لهم بخدمة عدد أكبر من العملاء بتكلفة أقل، ومساعدة الشركات على أتمتة عملية الاستحواذ على عملاء جدد، ما سيسمح للبنوك الكبرى بخدمة الأغنياء وفاحشي الثراء.
"لقد بدأت الشركات بالفعل في الانحدار إلى أسفل درجات سلم الثروة، من أصحاب الثروات الطائلة إلى الأشخاص الذين يملكون 100 ألف دولار فقط أو نحو ذلك".
وذكرت المجلة أن الشركات التي ستفوز بالجائزة البالغة 100 تريليون دولار، في الوقت الحالي، هي إدارة الثروات المجزأة. وتمتلك البنوك المحلية، مثل بنك "بي تي جي" في البرازيل، حصصا كبيرة في الأسواق المحلية.
"ويهيمن الأبطال الإقليميون على المراكز الأولى، بما في ذلك بنك سنغافورة و"دي بي إس" في آسيا. وفي الولايات المتحدة، تخدم شركات متخصصة مثل "إدوارد جونز" الجماهير، وهي شركة لإدارة ثروات التجزئة؛ حيث يتقاضى المستشارون أجورهم على أساس العمولات مقابل بيع الأموال.
ولا يتنافس سوى عدد قليل من المؤسسات على نطاق عالمي، والتي تشمل بنك "غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان تشيس". لكنّ أكبر شركتين هما "مورغان ستانلي" وبنك "يو بي إس" الذي استحوذ على بنك "كريدي سويس"، منافسه المحلي القديم. وفي أعقاب الاستحواذ على عدد قليل من شركات إدارة الثروات الأصغر حجمًا على امتداد العقد الماضي، يشرف بنك "مورغان ستانلي" حاليا على نحو 6 تريليونات دولار من أصول الثروة.
"إلى النصر"
أوردت المجلة أن الصناعة تتجه في اتجاه "الفائز يأخذ كل شيء"؛ حيث أصبحت "تتعلق إلى حد كبير بالحجم والتكنولوجيا والانتشار العالمي". وذكرت جينيفر بيبزاك، المسؤولة التنفيذية في بنك "جيه بي مورغان"، أن استحواذ شركتها على بنك "فيرست ريبابليك"، يمثل "تسارعا ملموسا" لطموحاته في إدارة الثروات.
وقد عيّنت شركة "سيتي غروب" آندي سيج، رئيس إدارة الثروات في "بنك أوف أمريكا"، في محاولة لتجديد عروضها. وفي سنة 2021، استحوذت شركة "فانغارد" على شركة "جاست إنفست"، وهي شركة تعمل في مجال تكنولوجيا الثروة.
وقالت الصحيفة إن بنك "يو بي إس" و"مورغان ستانلي" لديهما طموحات أكبر. وتعكس استراتيجيات الشركات خلفياتها المتناقضة، وقد تنتهي في نهاية المطاف إلى الصدام؛ حيث يتنافس بنك "مورغان ستانلي" في جميع أنحاء العالم ولكنه مهيمن في الولايات المتحدة، ويركز على خدمات الثروة للجماهير، كما يتضح من شرائه لشركة "إي تريد" في سنة 2020.
وذكرت أنه في سنة 2009، وافق البنك على تعيين عى سميث بارني، ذراع إدارة الثروات في بنك سيتي، مقابل 13.5 مليار دولار، ما ساعد على تعزيز هوامش الربح من اثنين بالمئة في السنوات التي سبقت الأزمة المالية، أما اليوم فقد بلغت هذه النسبة حوالي 27 بالمئة، ما يعكس استخدام التكنولوجيا للانتقال إلى تقديم المشورة للأثرياء فقط.
إلى ذلك، يشير آندي سابيرستين، رئيس قسم إدارة الثروات، إلى الاستحواذ على شركة "سوليوم"، شركة إدارة خطط الأسهم التي اشتراها بنك "مورجان ستانلي" مقابل 900 مليون دولار فقط في سنة 2019، باعتباره أمرا بالغ الأهمية لبناء آلة قوية لإحالة العملاء؛ حيث يقول: "لم يكن أحد ينظر إلى شركات إدارة خطط الأسهم لأنها لم تحقق أي أموال، لكن هذه الشركات لديها إمكانية الوصول إلى قاعدة ضخمة من العملاء".
وذكرت "الإيكونوميست" أن بنك "يو بي إس" يستخدم منهجا أكثر تقليدية، ولكن مع لمسة عالمية، فبعد استحواذه على منافسه المحلي، أصبح لدى البنك السويسري فرصة نادرة لتعزيز تقدمه في المناطق التي ازدهر فيها بنك كريدي سويس، مثل البرازيل وجنوب شرق آسيا. ويمكن للاندماج الصحيح أن يجعل الشركة في المقدمة في كل أنحاء العالم تقريبًا، وبالتالي، فسيركز بنك "يو بي إس" بمظهره الجديد على الاتساع الجغرافي أكثر من التركيز على الأغنياء فقط.
ويسعى كل من بنك "مورغان ستانلي" وبنك "يو بي إس" إلى نطاق أكبر بطرق مختلفة، فعندما يقوم العملاء بتعيين مديري ثروات فإنهم يميلون إلى الحصول على أحد أمرين، إما المساعدة في اتخاذ القرار، عندما تكون كلفة القرار السيئ مرتفعة، أو عندما يكون الأمر حصريًا، مثل الوصول إلى الاستثمارات التي لا يمكن الحصول عليها من خلال حساب وساطة عادي.
وأضافت المجلة أنه من المحتمل أن تصبح القدرة على منح العملاء إمكانية الوصول إلى الأموال أو الأصول الخاصة ذات أهمية متزايدة لمديري الثروات، ويعني الحجم الأكبر قوة تفاوضية أكبر مع شركات السوق الخاصة لتأمين صفقات حصرية، ومن المتوقع أن تطالب الأجيال الشابة، التي تسترت على الثروة، بالمزيد من الخيارات الواعية بيئيا واجتماعيا، بما في ذلك التركيز على الاستثمار في الطاقة النظيفة بدلًا من النفط مثلًا.
وأشارت الصحيفة إلى تسارع الاتجاه القائل بأن الفائز يأخذ كل شيء من خلال الذكاء الاصطناعي، الذي تتقد فيه كبرى الشركات ذات الميزانيات التكنولوجية الأكبر بالفعل، وهناك ثلاثة أنواع من الأدوات التي يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشائها، الأول يأخذ المعلومات الخاصة بالشركة، مثل توصيات تخصيص الأصول أو التقارير البحثية، وينشر المعلومات التي يمكن للمستشارين استخدامها لمساعدة عملائهم. وتعتبر محاولات إنشاء مثل هذه الأدوات "المؤسسية" شائعة، لأنها الأسهل في الإنتاج ولا تشكل سوى القليل من الصعوبات التنظيمية.
روبوتات الثروة
أما النوع الثاني من الأدوات فسيتم تدريبه على معلومات العملاء بدلا من البيانات الخاصة بالشركات، ويمكن لهذه الأداة بعد ذلك تلخيص المعلومات وإنشاء إجراءات تلقائية للمستشارين، وتذكيرهم بإرسال التفاصيل إلى العملاء أو متابعة مشكلاتهم، والنوع الثالث من الأدوات فهو الأكثر طموحا، وهي أداة تنفيذ من شأنها أن تسمح للمستشارين بتقديم الطلبات صوتيا، وجعل أنظمة الشركة تنفذ تلك المعاملة تلقائيا نيابة عنهم توفيرًا للوقت.
وأوضحت "الإيكونوميست" أن الأمر سيكلف المال لكسب المال، فأكبر مديري الثروات لديهم بالفعل هوامش أكبر، وإمكانية الوصول إلى ما يريده عملاؤهم، وبداية متقدمة في مجال التكنولوجيا قد تضعهم في المقدمة.
ومع ذلك، فإن العملاقين اللذين يتربعان على عرش الصناعة يمران بفترات انتقالية، وبالكاد بدأ بنك" يو بي إس" عملية الدمج الصعبة بين بنكين كبيرين، بينما سيتقاعد غورمان، مهندس استراتيجية الثروة في بنك "مورغان ستانلي"، خلال الأشهر التسعة المقبلة، وقد بدأ سباق خلافته بالفعل بين سابيرستين، وتيد بيك، ودان سيمكويتز، ويمكن لأي من الشركتين أن تتعثر، وعلى الرغم من أنهما يطاردان استراتيجيات مختلفة، فإن صدامهما الحتمي ليس إلا مسألة وقت.
وأضافت المجلة أنه رغم المزايا التي يقدمها النطاق الواسع، فإنه سيكون من الصعب إزاحة شركات إدارة الثروات الأصغر حجما بالكامل، حيث تمتلك العديد من الشركات المختلفة موطئ قدم في هذه الصناعة، بدءا من منصات الوساطة المالية مثل تشارلز شواب، وصولا إلى شركات إدارة الأصول، مثل فانغارد، التي لديها ملايين العملاء الذين قد يسعون للحصول على المشورة بشأن إدارة الثروات.