يتعرض مسلمو قومية الهوي في
الصين إلى حملات متتالية لطمس هويتهم الإسلامية والعرقية في مسعى من الزعيم الصيني، شي جين بينغ، إلى إضفاء الطابع الصيني على الأقلية المسلمة التي ضربت جذورها في الأرض قبل مئات السنين.
ووصف تقرير نشرته صحيفة "
فورين أفيرز" سياسات الرئيس الصيني المتشددة ضد مسلمي الهوي بـ"قومية شي" في إشارة إلى الاضطهاد والمعاناة التي يرزح تحت وطأتها المسلمين في عهد جين بينغ.
وأوضح التقرير الذي جاء بعنوان "
مسلمو الهوي في الصين بمرمى قومية شي الجديدة"، أن التسامح مع الأقليات لم يعد ممكنا خلال السنوات الأخيرة مع تشدد السياسات الرامية إلى صهر الهويات العرقية التي تتعارض مع الفكرة الأيديولوجية المتمثلة في "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" التي بناها شي في السنوات الأخيرة،
"مآذن يونان الأخيرة"
وفي أيار /مايو الماضي، اشتبك الآلاف من مسلمي الهوي مع الشرطة المحلية في بلدة ناجو الواقعة بمقاطعة يونان أقصى جنوب غرب الصين. وذلك بعد احتجاج قاده المسلمون ضد خطة الحكومة لهدم قبة ومآذن مسجد ناجياينج المبني في القرن الرابع عشر والذي يتميز بالطراز العربي المعماري القديم.
وأشارت الصحيفة، إلى أن "الاحتجاجات لم تتمكن من النجاح إلا في تأخير هدم القبة والمآذن بشكل مؤقت"، مضيفة أنه "لسوء حظ قومية هوي والعديد من الأقليات الأخرى، لن يقف في طريق جين بينغ ومحاولته بناء الصين الجديدة وإخراجها إلى حيز الوجود".
ويعد مسجد ناجياينج وشاديان المجاور له أحد آثار تسامح الدولة الصينية في الماضي مع الإسلام والمسلمين في مقاطعة يونان. وهما آخر مسجدين في المنطقة لا يزالان يتباهيان بالميزات العربية التقليدية، من قباب ومآذن.
وليس فقط مسجدي ناجياينج وشاديان اللذين يواجهان نيران سياسيات الزعيم الصيني المتشددة، بحسب التقرير الذي يؤكد أن المقاطعة بأكلمها شهدت خلال السنوات الأخيرة عملية تحويل مدعومة من الحكومة للعديد من المساجد مع إعادة بناء أسطحها لتشبه المعابد البوذية والمعابد الكونفوشيوسية.
"وتذهب هذه التعديلات إلى ما هو أبعد من الطراز المعماري وتكشف عن الطابع القومي المتشدد لحكم الزعيم الصيني شي جين بينغ" وفقا للتقرير.
من هم مسلمو الهوي؟
وتعود أصول الهوي إلى هجرة المسلمين من آسيا الوسطى والشرق الأوسط بدءا من القرن الثامن، ويبلغ أعدادهم الآن نحو 11 مليون نسمة ويعيش معظمهم في المقاطعات الغربية والوسطى من الصين.
يتحدث مسلمو الهوي لغة الماندرين الصينية ولهجاتها المحلية. لكن ممارساتهم للإسلام، مع ارتباطاته التي لا مفر منها تقريبا بالثقافات غير "الهانية"، تضعهم على نحو متزايد على الجانب الخطأ من رؤية الزعيم الصيني للهوية الوطنية، وفقا لـ "فورين أفيرز".
وقبل عهد جين بينغ، لم تكن السلطات الصينية تتدخل في نمط حياة مسلمي الهوي الاجتماعية والدينية، لكن خلال السنوات الأخيرة بدأ مسلمو هذه القومية التي تشكل نصف عدد مسلمي الصين تقريبا لحملات تضييق واسعة لطمس ملامحهم الثقافية بحجة محاربة التطرف، بحسب رويترز.
و"الهوي" هي كلمة أطلقت على كل أجنبي من الأقليات الدينية في الصين التي تتناول المنتجات الحلال مثل اليهود والمسلمين، وفقا لشبكة "بي بي سي".
ونوّه تقرير "فورين أفيرز" إلى أن حملات جين بينغ لإضفاء الطابع الصيني على أقلية الهوي مرت إلى حد كبير من تحت رادار الاهتمام العالمي، على عكس الحملة القمعية الهائلة التي شنها شي ضد مسلمي الأويغور.
"قومية واحدة"
تهدف رغبة الزعيم الصيني في إضفاء الطابع الصيني على الاشتراكية وربط هوية الصين الحديثة بهوية هان القديمة إلى تهميش الأقليات العرقية الدينية مثل مسلمي الهوي الذين يربطهم تاريخهم وثقافتهم بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا، من وجهة نظر بكين.
إلى ذلك، رأت الصحيفة أن "الأساليب المعمارية الأجنبية وغير الهانية لم يعد مرحبا بها في عهد جين بينغ؛ فهي لا تتناسب مع نموذجه للاشتراكية المعاصرة ذات الخصائص الثقافية الصينية الهانية. وباسم هذا النموذج، تسعى الدولة إلى إزالة الأدلة على وجود الأجانب في مقاطعة يونان وأماكن أخرى."
كما توقعت أن برنامج الزعيم الصيني "لن يتوقف عند تغيير الأنماط المعمارية، حيث من المرجح أن تسعى الحكومة إلى إقناع الأئمة المعتمدين بضرورة إضفاء الطابع الصيني على الإسلام، ما يضمن أن هؤلاء الأئمة الموثوقين سياسيا سيفسرون الدين بطرق تعزز القيم الثقافية الاشتراكية والهانية الصينية".
"وستقوم السلطات بالحد من الممارسات الدينية والثقافية التي يتبعها العديد من مسلمي الهوي، مثل الحفاظ على الممارسة المعتادة للعقيدة، وارتداء الجلباب، وتعلم اللغة العربية"، وفقا للتقرير الذي رجح أن تؤدي حملة التطهير الصيني إلى فصل الإسلام الصيني عن العالم الإسلامي الأوسع.
اختتمت الصحيفة تقريرها بالتحذير من أن "حملات الصين ضد الأقليات المسلمة قد تلحق الضرر بسمعتها دوليا وتضعف نفوذها في العالم الإسلامي، في الوقت الذي تحاول فيه إبراز نفسها على الساحة الدولية باعتبارها دولة حضارية".