في توافق
عربي غير مسبوق حول مرشح واحد لمنصب مدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة
"
اليونسكو"، اعتمد وزراء الخارجية العرب، الخميس، اختيار وزير السياحة والآثار
المصري السابق،
خالد العناني، كمرشح عربي للمنصب الدولي الرفيع عن الفترة (2025-
2029)، وفق "وكالة أنباء الشرق الأوسط" الحكومية.
والأربعاء،
قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي: "سنعمل على دعم المرشح المصري، وتكثيف التحرك
والتنسيق مع الدول الصديقة والشقيقة على نحو يعزز فرص فوزه بالمنصب"، في إشارة إلى الدعم العربي لمصر لنيل منصب المدير الثاني عشر في تاريخ اليونسكو.
وهو
الأمر الذي يثير التساؤلات حول حظوظ مصر واحتمالات أن يسجل المنصب باسم العناني
(52 عاما) كأول عربي وباسم ثاني أفريقي بعد السنغالي "أمادو ماهتار مبو"
عام (1974- 1987).
و"اليونسكو"،
وكالة متخصصة تتبع منظمة الأمم المتحدة تأسست عام 1945، عقب الحرب العالمية الثانية،
في العاصمة البريطانية لندن، بهدف الحفاظ وصيانة التراث الإنساني، ومقرها الرسمي بالعاصمة
الفرنسية باريس.
وتترأسها
حاليا الفرنسية أودري أزولاي بعد فوزها عام 2017، بمواجهة المرشح القطري حمد بن عبدالعزيز
الكواري، بفارق صوتين، في انتخابات خسرتها المرشحة المصرية مشيرة خطاب.
تنافس
مصري خليجي
وقبل
5 أشهر، وفي نيسان/ أبريل الماضي، جرى الحديث عن تنافس سعودي إماراتي مصري على المنصب
الذي يمنح السيطرة على أروقة المنظمة الدولية لنحو 4 سنوات يحتمل تكرارها لفترة ثانية.
حينها،
أعلنت مصر على لسان رئيس وزرائها مدبولي عن ترشيح العناني للمنصب، ليكون المرشح المصري
الرابع لهذا المنصب الذي تقدمت بهم القاهرة في غضون نحو 22 عاما (2001، و2009، و2017،
و2025).
الإعلان
المصري حينها، جاء في الوقت الذي كانت تستعد الإمارات فيه بقوة للدفع بمرشحة أنثى،
وفقا لما أعلنته صحيفة "Intelligence Online" الفرنسية، في 14 شباط/ فبراير الماضي.
وقتها
قالت الصحيفة، إن رئيس مجلس وزراء الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم، أجرى تعديلا وزاريا
شمل تنحي وزيرة الثقافة نورة الكعبي عن منصبها، استعدادا للترشح لمنصب مدير اليونسكو.
وكان لافتا دور السعودية المتنامي داخل أروقة ولجان المنظمة الدولية عبر مندوبة الرياض
الدائمة، هيفاء بنت عبد العزيز آل مقرن، وسط مساعي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
لتوجيه اليونسكو للعمل داخل المملكة.
"تفاؤل..
و5 عقبات"
وهناك
حالة تفاؤل مصرية لافتة بادية عبر الصحف والمواقع المحلية بفوز المرشح المصري خاصة
عقب الإجماع العربي عليه، ومع اختفاء المنافس العربي القوي والذي كان يفتت أصوات المحيط
العربي والأفريقي والآسيوي لصالح مرشحين أوروبيين أو غير عرب.
إلا
أنه ووفق مراقبين فإن هناك العديد من العقبات أمام العناني للفوز بالمنصب الكبير، والذي
فشل فيه مرشحون مصريون سابقون، مثل السفيرة المصرية مشيرة خطاب عام 2017، ووزير ثقافة
مصر الشهير فاروق حسني عام 2009، ومدير مكتبة الإسكندرية الأسبق إسماعيل سراج الدين
عام 2001.
وخسرت
خطاب أمام الفرنسية أودري أزولاي، ومن قبلها خسر حسني أمام البلغارية إيرينا بوكوفا،
مستكملا مسيرة الخسائر التي بدأها سراج الدين أمام الياباني كوشيرو ماتسورا.
وبحسب
مراقبين ومتحدثين لـ"عربي21"، فإن العقبة الأولى تتمثل في التجارب السلبية
والسيئة التي خلفتها ثلاث تجارب مصرية للترشح للمنصب، اثنتان منها في عهد الرئيس الراحل حسني
مبارك (1981- 2011)، والثالثة في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي (2014- إلى الآن).
ويرون
أن العقبة الثانية، تتمثل في المرشحين الأجانب وخاصة الأوروبيين، الذين دائما ما يكون
لهم سجل حافل من الأعمال التي تتوافق وعمل منظمة اليونسكو، في التربية والعلوم والثقافة
وحماية التاريخ والآثار.
وهي
القائمة التي لم يتم الإعلان عنها رسميا ومن المتوقع وفق ما كان يجري في الانتخابات
الماضية، أن يتم الدفع بمرشحين أوروبيين وأمريكيين وآسيويين وحتى أفارقة.
أما
العقبة الثالثة وفق رؤية البعض فتتمثل في خسارة مصر لقوتها الناعمة وتأثيرها الدولي
وأدوارها وخاصة في محيطها الأفريقي والعربي والآسيوي، خاصة بعد الانقلاب العسكري الذي
ضرب البلاد عام 2013، ووقوع مصر تحت تأثير الدول الإقليمية المانحة، وأزماتها مع الديون
الخارجية.
وتكمن
العقبة الرابعة، في حالة الانهيار الثقافي الذي ضرب مصر، وما تبعه من اعتداءات حكومية
على الآثار والتاريخ والمناطق الخضراء، وحملات إزالات الآثار الإسلامية في القاهرة
لتوسعة إحدى المحاور الرابط بين القاهرة والعاصمة الجديدة، والتي تتزايد حملات الرفض
المحلي والعالمي لها.
وتقوم
حكومة السيسي، بهدم آلاف المقابر التاريخية والتي تعد من الآثار الإسلامية العريقة
لتمرير طريق داخل أقدم جبانات القاهرة يربطها بالعاصمة الإدارية الجديدة (48.3 كم)
شرقي القاهرة، ما أثار المخاوف على تلك المناطق الأثرية وعلى هوية المدينة العريقة.
العناني،
خريج كلية السياحة والفنادق، وغير المتخصص في مجال الآثار أو الفنون أو التاريخ، له
تصريحات وقرارات خلال فترة توليه الوزارة (2016- 2022)، بحق آثار مصر يعتبرها البعض
عقبة خامسة أمام نيله المنصب الدولي الرفيع، خاصة انتقاد الصحافة المصرية له وإطلاق لقب "وزير شطب الآثار" عليه.
وقام العناني، بشطب بعض الآثار، وبينها الحمام العثماني في قنا، و"قصر ميخائيل
لوقا الزق" بأسيوط، و"محطة القطار الملكية بكفر الشيخ"، ورفض تسجيل
الكثير من الأماكن الأثرية، وقال في آذار/ مارس 2021، متحديا الجميع بتصريحات صحفية:
"لو هسجل كل المباني اللي مر عليها 100 سنة يبقى هسجل نصف البلد".
وبقراءة
أسماء وتخصصات الأحد عشر الذين تولوا منصب مدير اليونسكو فإنه يغلب عليهم الصفة الأكاديمية،
والتخصص في العلوم الإنسانية من الفلسفة، أو التاريخ، أو التراث، أو القانون، أو من
المؤثرين في مجالات التعليم والثقافة، بحسب تقرير لـ"المرصد المصري".
لكن
ومع ذلك فقد نال العناني، بعض التكريم والأوسمة الدولية، مثل "وسام الاستحقاق"
من بولندا عام 2020، و"وسام الشمس المشرقة" من اليابان عام 2021، وذلك تقديرا
لجهوده في صيانة وحفظ التراث الإنساني.
ويجيء ترشح العناني، ودعمه عربيا في توقيت تهدد فيه اليونسكو، مصر بحذف القاهرة من تصنيف
المدن الأثرية، بعد حملات الهدم الواسعة للمقابر التاريخية والأثرية والتراثية، فيما
من المقرر أن تعقد المنظمة اجتماعها الدوري للجنة التراث العالمي في العاصمة السعودية
الرياض في 10 أيلول/ سبتمبر الجاري.
وفي
عام 2020، طالب مركز التراث العالمي التابع لليونسكو القاهرة تأكيد المعلومات المثارة
حول هدم المقابر الأثرية، فيما هددت اليونسكو بشطب تلك المنطقة من قائمة التراث العالمي،
وبنقلها لقائمة التراث المعرّض للخطر.
وشاركت
اليونسكو، التي انضمت إليها مصر في عام 1945، في إنقاذ آثار معبدي أبو سمبل وجزيرة
فيلة، بحملة إنقاذ آثار النوبة من الغرق 1959، تحت بحيرة السد العالي بجنوب مصر، ثم
مشروع إحياء مكتبة الإسكندرية، وإنشاء المتحف الوطني للحضارة بالقاهرة.
"إخضاع
وشراء وإذلال"
مساعد
وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل، علق في حديثه لـ"عربي21"،
على التوافق العربي حول المرشح المصري وإمكانية أن يمنحه ذلك الفرصة للفوز برئاسة
"اليونسكو" بعدما فشل ثلاثة مصرين سابقين، مشيرا إلى وجود تنازلات مصرية مقابل الإجماع
العربي والتنازل الإماراتي السعودي عن حلمهم بالمنصب.
وقال
السياسي المصري، إن "هناك قاعدة تحكم كل هذه المسائل، وهي أن الإجماع العربي على
ترشيح مصري ليس له قيمة، فهذا الإجماع يأتي في توقيت أصبحت فيه مصر للأسف أكبر قزم
في التاريخ".
وأضاف
أنه "وبالتالي فمن الممكن أن يساعد العرب مصر حتى ينال العناني هذا المنصب، ولكن
المقابل هو إخضاع مصر، وشراء مصر، وإذلال مصر، وإذا وجدت أن العناني نجح فاعلم أن الثمن
يدفعه كل مصري من مكانة مصر وشرفها".
ويرى
أنه "كان يمكن للإمارات أن ترسل مرشحتها وتنجح، ليس لأن الإمارات كفؤ للمنصب،
ولا لأن حكومتها خلف مرشحها؛ ولكن لأن الإمارات تعرف طريقها للبيئة الدولية المعاصرة
عن طريق المال".
ولفت
إلى أن ذات الأمر في السعودية التي "اشترت قرارا من مجلس الأمن والجمعية العامة
للأمم المتحدة خاص باليمن، ودفع الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لحكام أفريقيا لفك تجميد
عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي إثر الانقلاب العسكري".
"في
التوقيت الخطأ"
من جانبه،
أكد الكاتب والباحث المصري خالد الأصور، لـ"عربي21"، أن "هذه سابقة
نادرة في تاريخ الجامعة العربية أن يتفق العرب على مرشح واحد لرئاسة اليونسكو، بعدما
اختلفوا كثيرا من قبل وتفرقت أصواتهم وأصوات داعميهم ليفوز بالمنصب مرشحون غير عرب".
واستدرك
بقوله: "لكن هذا الاتفاق على المرشح المصري والذي نثمنه عاليا ربما جاء في التوقيت
الخطأ، فالدكتور خالد العناني، لم نسمع له همسا تجاه قضية مثارة ومتفجرة منذ فترة وهي
هدم المقابر التاريخية وهي جزء أصيل من تراث مصر".
ولفت
إلى أنه "مما يزيد الطين بلة، أن هذا الملف يدخل في صميم اختصاص العناني باعتباره
كان وزيرا للآثار؛ ومع ذلك لم نسمع له همسا، ربما استجابة لمن عينه من قبل وهو صاحب
المقولة الشهيرة (متسمعوش لحد غيري.. غيري أنا وبس)"، في إشارة إلى رئيس النظام.
ويعتقد
الأصور، أن "هذا الموقف السلبي من العناني في مسألة مهمة لليونسكو وله شخصيا ربما
تضعف من احتمالات فوزه في مواجهة مرشحين آخرين".
وحول
تنازل السعودية والإمارات، قال الباحث المصري: "ورغم أنني أشيد به، لكن لا أراه
مجانيا، فمصر حاليا في أضعف حالاتها تأثيرا في محيطها العربي وتراجع كثيرا دورها الإقليمي،
وبالتالي أرجح أن هذا التنازل من الدولتين كان مقابل الحصول على مكاسب أخرى في علاقاتهما
الثنائية مع مصر".
وأضاف:
"ولا سيما في ملف بيع مقدرات الشعب المصري من مصانع وشركات وبنوك ومؤسسات كبرى،
حيث تتنافس هاتان الدولتان تحديدا في الفوز بهذه الصفقات المغرية"، بحسب قوله.
"الرابع في طابور الفشل"
أما
الباحث والكاتب المصري محمد فخري، فبدأ حديثه مع "عربي21" متسائلا:
"متى سيتعلم النظام المصري أن الاستحقاق والنجاح ليس ضربة حظ أو رمية زهر؟".
وأضاف:
"مصر بحضارتها ورصيدها من الآثار والتاريخ تستحق أن يترشح أحد أبنائها لذلك المنصب
الدولي الرفيع، ولكن للأسف كل من رشحتهم لذلك المنصب كانوا لا يصلحون، مجرد موظفين
مطيعين، لم يكن لأحدهم إنجازات حقيقية على الأرض رغم توافر الإمكانيات الطبيعية (الحضارية
والأثرية) والمادية".
وذهب
للقول: "بل إن معظمهم، وآخرهم العناني، قد علق به من أدران منصبه ما يطعن في صلاحيته
لتولي منصب كهذا، فالرجل كان وزيرا جمع بين وزارتي السياحة والآثار وتم تكليفه بتحقيق
موارد مالية من الآثار قدر ما يستطيع".
وأوضح:
"الأمر الذي تُرجم بعشرات العقود الاستثمارية (حق انتفاع وترميم وتطوير) في كافة
المواقع الأثرية المصرية العالمية، ومنها منطقة الأهرامات وقلعة صلاح الدين، وتم ذلك
امتثالا لأوامر الرئاسة، بدعوى تحقيق أعلى ربح بصرف النظر عن حماية الآثار وصيانتها
وتحقيق الأصلح لها".
وأضاف:
"علاوة على ذلك، فإن حالة التردي التي عانت منها الآثار المصرية في عهد هذا الوزير،
وربما لو تبقى في رصيد إخلاصه شيء لأبدى أي ردة فعل أو تدخل لمحاولة إنقاذ الآثار من
الهجمة البربرية التي تتعرض لها في منطقة مقابر الإمام الشافعي".
وعاد
الباحث المصري لطرح تساؤلاته قائلا: "فكيف يصلح رجل كهذا لشغل منصب مدير اليونسكو؟"،
مجيبا: "أرى أن عناني السيسي سيقف رابعا في طابور فشل موظفي العسكر أمام منصب
مدير اليونسكو".
وختم
معلنا عن توقعه أنه "ربما كانت السعودية والإمارات من الذكاء لعدم استكمال الدفع
بمرشحيهما لمعرفتيهما أن الفوز بعيد، ولذا فقد فتحا المجال أمام مصر لتحصد الخسارة".
"النتائج سلبية"
بدوره، قال الإعلامي المصري المقيم في الولايات المتحدة محمد السطوحي: "بدون شك فإن سحب المرشحين الآخرين يمنع تشتت الأصوات ويعطى فرصة أكبر للمرشح المصري؛ لكن فرصته لا تعتمد فقط على ترك الساحة له".
وأضاف: "ولكن على مدى استعداد تلك الدول لممارسة الجهود والضغط نيابة عنه، بما يعوض التراجع الكبير مؤخرا فى تأثير الدور المصرى، ولست واثقا من قيامهم بهذا الدور".
السطوحي يرى أن "الدكتور العناني، على المستوى الشخصي لديه قبول وخبرة جيدة، وشارك في تنظيم بعض الفعاليات الثقافية الأثرية التي كان لها صدى عالمي".
واستدرك بقوله: "لكنه كان أيضا وزيرا للآثار في فترة شهدت أكبر حملات التخريب والتهريب للآثار المصرية القديمة والإسلامية، والتى استمرت بعد إقالته من منصبه، وأعتقد أن ذلك سيؤثر على فرصه في الفوز حيث سيكون توليه المنصب مكافأة دولية لكل ذلك".
ويرى أن الأهم هنا هو أن "هناك كثيرين يلومون تقاعس اليونسكو عن التدخل لحماية تلك المناطق الأثرية التى تم ويتم تخريبها، وتولي خالد العنانى سيكون إعلانا عن رفع اليونسكو يده تماما عن هذا القضية ما سيفتح الباب للمضى قدما فيها وزيادتها".
وختم بالقول: "وبالتالي ستكون نتائجه سلبية على مصر وآثارها بعكس ما يبدو على السطح".
مديرو
اليونسكو
وعلى
مدار نحو 78 عاما قاد المنظمة الدولية 11 مديرا هم: البريطاني "جوليان هوكسلي"
(1946- 1948)، لينتقل المنصب من أوروبا إلى أمريكا الشمالية عبر المكسيكي "جايمي
توريس بوديت" (1948- 1952)، ثم الأمريكي "جون تيلور" (1952- 1953)،
ثم الأمريكي الثاني "لوثر إيفان" (1953-1958).
ليعود
المنصب إلى القارة العجوز عبر الإيطالي "فيتورينو فيرونيسي" (1958-
1961)، ثم الفرنسي "رينيه ماهيو" (1961- 1974)، لتصل رئاسة اليونسكو إلى
قارة أفريقيا عبر السنغالي "أمادو ماهتار مبو" (1974- 1987)، ثم تعود
للقارة العجوز على يد الإسباني "فيدريكو مايور" (1987- 1999).
ثم يذهب
المنصب للمرة الأولى إلى قارة آسيا بفوز الياباني "كويشيرو ماتسورا"، بالمنصب (1999- 2009)، ثم تنال أوروبا الشرقية حظوظها على يد البلغارية إيرينا بوكوفا (2009- 2017)، ثم تسجل فرنسا اسمها للمرة الثانية بالمنصب على يد "أودري ازولاي"
عام (2017- 2025).