نشرت
صحيفة "
وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرًا، سلطت فيه الضوء على تزايد الأهمية
الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط، وكيف أصبحت مصدرًا رئيسيًا للتمويل العالمي، موضحة
أن الدول في منطقة الشرق الأوسط أصبحت من المشغلين الرئيسيين في سوق التمويل العالمي؛ بفضل تدفق الأموال من النفط والغاز والاستثمارات الأجنبية.
وقالت
الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن المسؤولين السعوديين شهدوا
انسحاب موجة من المديرين التنفيذيين الماليين الأمريكيين من مؤتمر
الاستثمار الحر في
الرياض، بعد مقتل صحفي معارض، ما جعل المملكة مكانًا سامًا لممارسة الأعمال التجارية.
ولكن
هذا العام، يتوقع المؤتمر، الملقب بـ "دافوس في الصحراء"، طلبًا كبيرًا، لدرجة
أن المدير التنفيذي الواحد يتقاضى 15 ألف دولار.
وأوضحت
الصحيفة أن الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط -المتلهفة إلى النفوذ العالمي- تمر بلحظة
هامة على المسرح المالي العالمي، فهي تنعم بالسيولة النقدية الناتجة عن طفرة الطاقة، في الوقت الذي انسحب فيه الممولون الغربيون التقليديون -الذين يعوقهم ارتفاع أسعار
الفائدة- من عقد الصفقات والاستثمار الخاص؛ فقد أصبحت صناديق الثروة السيادية في المنطقة
بمثابة ماكينة الصراف الآلي الرائجة للأسهم الخاصة، ورأس المال الاستثماري، والصناديق
العقارية التي تكافح من أجل جمع الأموال في أماكن أخرى.
وأشارت
الصحيفة إلى أن سوق عمليات الاندماج والاستحواذ الكبيرة قد شهدت زيادة في الاهتمام من
المنطقة، وتشمل الصفقات المعلن عنها مؤخرًا قيام صندوق أبوظبي بشراء شركة إدارة الاستثمار
"فورتريس" مقابل أكثر من 2 مليار دولار، وشراء صندوق سعودي لوحدة الطيران
التابعة للمقرض العالمي ستاندرد تشارترد بقيمة 700 مليون دولار.
وسارعت
الشركات والصناديق التي يشرف عليها مستشار الأمن القومي في أبوظبي، الشيخ طحنون بن
زايد آل نهيان، إلى شراء بنك ستاندرد تشارترد وبنك لازارد الاستثماري، كما أبرموا أيضًا
صفقات حديثة لشراء شركة رعاية صحية في المملكة المتحدة بمبلغ 1.2 مليار دولار، والسيطرة
جزئيًا على شركة أغذية كولومبية عملاقة تبلغ قيمتها حوالي 6 مليارات دولار.
ونقلت
الصحيفة عن بيتر جادرستين، مؤسس شركة جيد أدفايسورز الاستشارية، قوله: "الآن، الجميع
يريد الذهاب إلى الشرق الأوسط، إنه مثل حمى الذهب في الولايات المتحدة".
وأضافت
الصحيفة أن مديري صناديق التمويل الذين يزورون المنطقة يقولون إنهم غالبًا ما ينتظرون
أمام منافسيهم في غرف الانتظار في صناديق الثروة السيادية، ويقولون إن مديري وادي السيليكون
ونيويورك يتواجدون بشكل شبه دائم في فندق فور سيزونز أبوظبي، كما هو الحال مع الفنادق
الكبرى الأخرى.
لذا،
من المتوقع أن يكون مؤتمر الرياض الشهر المقبل - وهو مشروع مفضل لولي العهد السعودي
الأمير محمد بن سلمان يعرف باسم مبادرة مستقبل الاستثمار - نقطة جذب لصائدي الأموال.
وأفادت
الصحيفة أن بعض الشركات تواصل الابتعاد عن المملكة؛ حيث تقول جماعات حقوق الإنسان إن
سجلها في معاملة المعارضين الحكوميين لا يزال يمثل مشكلة خطيرة.
لكن
التمويل السعودي أصبح أكثر طلبًا في العام الماضي عندما بدأت الأموال الأخرى في النفاد،
ومؤتمر العام الماضي يشهد على ذلك؛ حيث جلس رئيس صندوق الاستثمارات العامة، ياسر الرميان،
في حلقة نقاش مع اثنين من أكبر المديرين التنفيذيين لشركات الاستثمار في العالم، ستيفن
شوارزمان من بلاكستون وراي داليو مؤسس بريدجووتر أسوشيتس.
وأوضحت
الصحيفة أن الهيمنة الجديدة للمنطقة تتجلى بشكل أوضح بين الصناديق الخاصة، وهو النوع
الذي يحبس أموال المستثمرين لسنوات، وفي حين أن الإحصاءات التفصيلية نادرة، فإن الأرقام
في اثنين من أكبر الصناديق السيادية تشير إلى حدوث زيادة، ففي صندوق الاستثمارات العامة
السعودي، ارتفعت التزامات "الأوراق المالية الاستثمارية" إلى 56 مليار دولار
في عام 2022، ارتفاعًا من 33 مليار دولار في العام السابق، وذكرت مبادلة أبوظبي أن
التزامات الأسهم تضاعفت إلى 18 مليار دولار في عام 2022.
وبحسب
قول هارفي شوارتز، الرئيس التنفيذي لشركة كارلايل، في مؤتمر عُقد في حزيران/ يونيو:
"إن المستثمرين في الشرق الأوسط مبادرون للغاية وديناميكيون للغاية".
وأوضحت
الصحيفة أن هذه الطفرة في الشرق الأوسط يقابلها تراجع للداعمين التقليديين لصناديق
الاستثمار، وتسبب التحول العالمي إلى أسعار الفائدة الأعلى في خسائر في أكبر أجزاء
محافظهم الاستثمارية.
واستثمر
المستثمرون 33 مليار دولار في صناديق رأس المال الاستثماري في الولايات المتحدة في
النصف الأول من عام 2023، أي أقل من نصف الـ 74 مليار دولار التي استثمروها في نفس
الفترة من عام 2021، وانخفض جمع الأموال العالمي لجميع الصناديق الخاصة بنسبة 10 بالمائة
في العام الماضي، وهو انخفاض يتوقع الكثيرون أن يستمر.
ولفتت
الصحيفة إلى أن السبب وراء انفجار التمويل وعقد الصفقات في المنطقة ذو شقين، فقد أعطى
ارتفاع أسعار الطاقة لصناديق الثروة المعتمدة على النفط في المنطقة عشرات المليارات
من الدولارات من الأموال الإضافية لإنفاقها، وهذا يعني أن انخفاض أسعار النفط يمكن
أن يؤدي بسرعة إلى انسحاب دول الخليج، كما حدث في طفرات الطاقة التي تحولت إلى كساد
في الماضي.
وفي
الوقت نفسه، يتنافس الأمير السعودي محمد وكبار المسؤولين في
الإمارات العربية المتحدة
من أجل نفوذ أكبر على المسرح العالمي؛ حيث يضخون أموالاً إضافية إلى صناديق ثرواتهم
لعقد الصفقات وتوسيع الصناعة في الداخل.
ونقلت
الصحيفة عن مديري صناديق الاستثمار أن الصناديق الخليجية دفعت نظيراتها الأمريكية إلى
فتح مكاتب في المنطقة لكسب استثمارات بسهولة أكبر، كما قالت بلاك روك إنها ستشكل فريقًا
على الأرض في الرياض مخصصًا لتعزيز الاستثمار في مشاريع البنية التحتية في الخليج.
وأوردت
الصحيفة نقلا عن جوزيف موريس، المدير الإداري المقيم في دبي لشركة "نيومارك جروب"
ومقرها الولايات المتحدة، إن "هناك الآن وعيًا بضرورة بناء العلاقات وأن ذلك لا
يحدث بين عشية وضحاها".
وقالت
الصحيفة إن ذراع رأس المال الاستثماري لشركة "تايجر جلوبال" كافح لجمع صندوقه
الأخير، وخفض هدفه مرارًا بمليارات الدولارات، لكن مكانًا واحدًا وجد فيه النجاح: المملكة
العربية
السعودية؛ حيث أضاف أحد أقسام صندوق الاستثمارات العامة، سنابل، هذا الربيع
اسم تايجر إلى القائمة العامة لمديري الصناديق الذين يدعمهم. ومن بين الآخرين المدرجين
في القائمة صندوق مؤسسي بيتر ثيل وأندريسن هورويتز.
واختتمت
الصحيفة التقرير بنقلها عن إبراهيم عجمي، الذي يشرف على استثمارات الشركات الناشئة
في صندوق "مبادلة" التابع لحكومة أبوظبي، والذي يستثمر في الشركات وكذلك
الصناديق، قوله إن البيئة تمنح صندوق "مبادلة" القدرة على أن يكون
"مدروسًا للغاية وانتقائيًا" بشأن من يدعمه، مضيفًا أنه يمكنه التفاوض على
شروط تسمح لـ"مبادلة" بشراء حصة في مدير الصندوق نفسه، أو السماح له بالاستثمار
إلى جانب آخرين.