أثار ما بثه اليوتيوبر
المصري المعارض من
الخارج علي حسين مهدي، من تسريب وصفه حقوقيون بالمفزع والكاشف عن حجم معاناة
قيادات جماعة
الإخوان المسلمين المعتقلين في
زنازين انفرادية بمجمع
سجون بدر،
والأوضاع السيئة التي تكشف عما يدبر للمعتقلين السياسيين من عمليات "قتل
ممنهج بالبطيء".
أولى التسريبات التي أذيعت ليل الاثنين، جاءت
من زنزانة انفرادية محبوس بها نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الدكتور
محمود عزت (79 عاما)، وهو يحاول التماس الدفء بالدوران في الزنزانة، بخطوات بطيئة
متعثرة.
وأظهرت اللقطات عدم وجود سرير في غرفة عزت،
وأنه ينام على الأرض، دون أية أغراض له سوى بعض زجاجات المياه، وبعض الطعام وأكياس
القمامة.
وجاء ثاني التسريبات من زنزانة أستاذ الشريعة
والعالم والداعية والمحاضر في الجامعات الأمريكية الدكتور صلاح سلطان (64 عاما)
وبدا عليه الهزال والضعف والمرض، وفق تأكيد اليوتيوبر مهدي.
إلا أن أسرة الدكتور صلاح سلطان، نفت أن يكون
من ظهر في التسريب هو شخص الدكتور صلاح، فيما أكد نشطاء أن التسريب للمعتقل الطبيب في المعهد القومي بالبحوث، حامد صديق.
من جانبه، أكد الحقوقي المصري هيثم غنيم، أنه
قام بالتحقق من التسريب، وأن الفيديوهات من داخل زنازين الاحتجاز بالسجون الجديدة،
نظرا لتطابق الفيديوهات المسربة، مع الفيديوهات التي نشرتها الدولة رسميا.
وأكد أن الفيديوهات المسربة كانت لثلاث أشخاص
في ثلاث زنازين انفرادي، والأول يعتقد أنه بالفعل نائب جماعة الإخوان محمود عزت،
والثاني للمعتقل حامد صديق، وليس للدكتور صلاح سلطان.
وأشار إلى غياب أسرة النوم التي كانت تظهر في
دعاية النظام حول السجون الجديدة، لافتا إلى إمكانية قيام النيابة العامة بالتحقق
وبالأدلة من حالات الإهمال الطبي داخل السجون عبر مراجعة المقاطع المسجلة.
كما أنه أكد أن التسريبات تسحب أسئلة حول الخصوصية
التي يتم من خلالها حماية تسجيلات النزلاء، في ظل أن المقاطع الدعائية لوزارة
الداخلية تتضمن مقاطع تظهر وجود كاميرات للمراقبة والتسجيل في زنازين النزيلات النساء.
"كاشف لسجل الانتهاكات"
وفي تعليقه على التسريب قال الحقوقي المصري خلف
بيومي، إن "ما تم رصده من انتهاكات داخل السجون بصفة عامة وسجن بدر 3 بصفة
خاصة أكبر بكثير مما تضمنه التسريب الأخير".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "لعل
أعداد الوفيات بالإهمال الطبي التي وصلت إلى 28 حالة وفاة حتى الآن من 2023، تؤكد ذلك".
وأكد أنه "بغض النظر عن الشخصيات التي
جاءت بالتسريب فإنه يكشف عن الحبس الانفرادي الذي يشتكي منه المعتقلون منذ سنوات،
فضلا عن سوء التغذية وقلتها، وتسليط الضوء طوال الليل عليهم".
وقال: "لا أستطيع كحقوقي الوقوف على دلالة
توقيت التسريب، فهو أمر يخص ناشره ومن سربه، ولكننا نؤكد أن ما رصده التسريب
يعاني منه آلاف آخرون منذ ما يزيد على الـ10 سنوات".
وختم مبينا أنها "انتهاكات تخالف نصوص
الدستور وقانون السجون ولائحته التنفيذية، كما تخالف بالطبع المواثيق الدولية،
وتؤكد كذب إعلام النظام وأذرعه في كل ما يروج عن المعاملة الجيدة للسجناء".
"قتل ممنهج بالبطيء"
الحقوقي هيثم أبوخليل، أكد أن
#تسريبات_سجون_مصر، وحال الدكتور محمود عزت، وآخرين، تؤكد ما قلناه مرارا أن هناك
"عملية قتل ممنهجة بالبطيء في زنازين انفرادية".
ولفت إلى شهادة الموسيقار هاني مهنى، في برنامج
تليفزيوني في كانون الأول/ ديسمبر 2021، عن ظروف اعتقاله في سجن "طرة"
بالقاهرة مع علاء وجمال مبارك، وبعض كبار رجال الأعمال والسياسيين، وكيف كانوا
يرتادون الجيم، والساونا، والإنترنت، والشاشات، والوجبات الساخنة.
"من وراءها؟"
ويذكر هذا التسريب بملف التسريبات التي كانت قد
انتشرت عامي 2014 و2015، مع بداية حكم رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، لقيادات
فاعلة حوله وله شخصيا؛ وهو ما يشير وفق متحدثين لـ"عربي21"، إلى وجود
جبهات داخل النظام قامت إحداها بهذا التسريب.
وهو ما أكده، الكاتب المصري المهتم بالملف
الحقوقي أحمد حسن بكر، بقوله لـ"عربي21"، إن "تسريبات كاميرات
زنازين مجمع سجون بدر تؤكد أن هناك أجهزة أمنية وسيادية تخلت عن رأس النظام".
وأوضح أن "تلك الجبهات تقوم بعملية حرق
للسيسي، قبل الانتخابات الرئاسية"، لافتا إلى أن التسريب لابد أن يكون قد خرج
من الشركة المشغلة للكاميرات والموكل لها تركيب أنظمة كاميرات المراقبة بالسجون
وحتى الميادين".
وبين أنها "تابعة لرئيس المخابرات العامة
عباس كامل"، وموضحا أن "كل الريسيفرات والهاردات لدى تلك الشركة"،
ومؤكدا أن "هذا الارتباط خطير ومؤشر مهم".
وقال بكر، إن "هناك فصيلا مخلصا في جهة
ما، وهو غير راض"، ولذا يعتقد أن "تلك التسريبات تأتي ضمن خطة، مفادها
إثارة الشارع المصري وتحريك النواة الصلبة فيه".
وعن توقيت وهدف تلك التسريبات والغرض منها يرى
بكر، أنها "لدفع شباب الإخوان المسلمين للتحرك ضد السيسي"، فيما لم
يستبعد الكاتب المصري، أن "يكون هذا الأمر فيه استجابة لرغبات دول إقليمية،
وقوى دولية".
"توقيت مثير"
وتأتي تلك التسريبات حول حجم معاناة المعتقلين
في مصر في توقيت داخلي وخارجي هام، فخارجيا من المقرر الخميس المقبل، إعلان وزارة
الخارجية الأمريكية عن نسبة المعونة التي ستمررها لمصر وتلك التي ستحجبها عنها من
بين 1.3 مليار دولار سنويا، وذلك بسبب ملف حقوق الإنسان.
وحجبت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن مصر
مساعدات بقيمة 130 مليون دولار في عام 2021، وهو الرقم الذي زاد إلى 205 ملايين
دولار في 2022، وسط دعوات من مشرعين ديمقراطيين بمجلسي النواب والشيوخ بحجب ربع
المعونة.
كما تأتي تلك التسريبات بعد ساعات من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، عن دعوة السيسي له لزيارة القاهرة، وسط تكهنات وتساؤلات حول احتمالات أن يكون ملف المعتقلين السياسيين من جماعة الإخوان المسلمين مطروحا على الطاولة.
وداخليا، تستعد البلاد لانتخابات رئاسية قد تدفع بالسيسي لدورة رئاسية ثالثة حتى 2030، وسط غلق المجال العام، وملاحقة المعارضين، وذلك بالتزامن مع أزمة اقتصادية طاحنة تمر بها البلاد، زادت من حالة الغضب الشعبي.
"عربي21"، توجهت إلى سياسيين وحقوقيين مصريين بالتساؤل حول دلالة توقيت تلك التسريبات، وكيف يمكن استغلالها محليا ودوليا لحل أزمة أكثر من 60 ألف معتقل مصري يعانون لنحو 10 سنوات من الحبس غير القانوني في زنازين غير آدمية وانفرادية؟.
"صفعة لهؤلاء"
وفي إجابته، قال السياسي والبرلماني المصري الدكتور عبدالموجود الدرديري، لـ"
عربي21": "أولا: تحية خاصة لمن قام بتسريب هذه الفيديوهات؛ فهذا عمل أخلاقي وسياسي وحقوقي من الدرجة الأولى برغم هذا الانهيار الأخلاقي".
وثانيا: يرى الدرديري، أن "هذه التسريبات صفعة مؤلمة للجميع، وأولهم أبناء جماعة الإخوان المسلمين، وأبناء الأمة جميعا"، معتبرا أن "هذا إنذار للجميع بأن الأمور وصلت لمرحلة خطيرة، وتتطلب التدخل والضغط داخليا وإقليميا ودوليا".
وأضاف: "هي صفعة لكل الفاعلين السياسيين إن كان عندهم أدنى مشاعر وطنية"، متسائلا: "فكيف يكذبون على أنفسهم بالمشاركة في حوار وطني مهين لأبسط حقوق الإنسان، وإن سكتوا اليوم مضطرين فسيحاسبون غدا مجبرين".
وأكد أن تلك التسريبات "هي أيضا لطمة لنظام يتشدق بحقوق المصريين وهو ينتهك هذه الحقوق ليل نهار، وستجعله يفقد حتى بعض مؤيديه مما عندهم أقل الدرجات من الشعور الوطني".
وذهب السياسي المصري، للقول إنها "صفعة كذلك، للممول الخليجي، لينظر كيف يُعامل أبناء مصر بسبب تمويله لنظام فقد معنى الإنسانية"، ملمحا إلى أن "المصريين لن ينسوا من أهانهم ومن دعم من يهينهم".
ويرى كذلك أنها "لطمة للشريك الأوروبي الذي يتشدق بحقوق الإنسان، وبعد هذه التسريبات عليه أن يعيد حساباته الأخلاقية"، مؤكدا أن "السكوت جزء من المسئولية، والأجيال المصرية القادمة لن تنسى من دعم من انتهك حقوقها الآدمية".
وأضاف: "هي لطمة على وجه الممول الأمريكي، لنظام فقد عقله ويسير ضد قيم وأخلاقيات المواطن الأمريكي دافع الضرائب والذي يعشق الحرية"، مؤكدا أنه "على أمريكا الرسمية أن تستحي مما سيكتبه التاريخ عنها في دعم أنظمة ضد كل القيم التي قامت عليها".
وأخيرا يراها الدرديري، "لطمة على وجه بشريتنا جميعا"، متسائلا: "كيف يحدث هذا في القرن 21، وبعد 70 عاما من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟، مؤكدا أنه "العار الذي سيلحق بالجميع، ما عدا من وقف ضده بكل ما يستطيع".
"الجناحين الشُرطي والعسكري"
وقال السياسي المصري محمد سودان: "أنا سجين سابق في عدة سجون في عهد حسني مبارك، وعشت أشد ألما من ما تراه في هذه المقاطع؛ لكن أكثر ما يؤلمني بالاضافة للحبس ظلما ودون وجه حق، هو الحبس الانفرادي".
القيادي بحزب "الحرية والعدالة"، أشار إلى معاناة غير مرئية ولم تكشفها التسريبات، موضحا أن "ما رأيته في هذه الزنازين، نعيم كبير مقارنة بما يحدث سجن العقرب، وزنازينه الفردية، وشخصيا عانيت منها، ولا أدري كيف يتحملها من فيها لعدة سنوات بعضهم قارب على 10 سنوات ويزيد".
وأرجع سودان، خروج هذه التسريبات في هذا التوقيت، لوجود "خلافات بين الأجهزة الأمنية".
وتابع: "ودعني أقف أمام نقطة هامة يجب توضيحها هنا إبان عصر مبارك وكذلك أنور السادات من قبله، وهي أن جهاز (أمن الدولة) ووزارة الداخلية، كانا الحاكم المسيطر على شئون الدولة بما فيها ضباط وأفراد القوات المسلحة".
ولفت إلى أنه "بعد انقلاب 2013، أصبحت المخابرات الحربية وضباط القوات المسلحة الحاكم والمسيطر الحقيقي على كل أنظمة الدولة، ولأول مرة منذ انتهاء حكم جمال عبدالناصر تعود السيادة والسيطرة للمجلس العسكري والمخابرات الحربية".
"وأصبح جهاز أمن الدولة ووزارة الداخلية يأخذان الأوامر والخطط من المخابرات العسكرية والمجلس العسكري"، معتقدا أن "انقلاب هذه الأمور وهذه السيطرة بهذا الشكل بالطبع لم ترض السادة بوزارة الداخلية"، بحسب السياسي المصري.
وقال إنه "من الطبيعي أن تنشأ ضغائن وخلافات الجناحين الشُرطي والعسكري"، متوقعا أن يكون "ما جرى من تسريبات سابقة وحالية ومستقبلية نتاج هذه النزاعات الدفينة بين الجناحين".
وعن دور وموقف المجتمع الدولي حيال هذه التسريبات، أكد سودان، أنه "سيظل ساكن لا يتحرك لأن ما يهمه فقط مصالحه ولو احترق العالم كله وشعوبه، خاصة العالم الثالث".
ويعتقد أنه "لن ينقذ المساجين السياسيين الذين تعدى عددهم الآن 100 ألف سجين أو معتقل إلا يقظة الشعب، وأن يثور ثورة حقيقية على الطغاة عسكر أو شرطة أو حتي مدنيين، أما انتظار النُصرة من قبل الغرب أو المجتمع الدولي فهذا هراء، وحلم لن يتحقق أبدا".
"فاقدة للإنسانية"
وبالعودة إلى محتوى التسريب، يرى سودان، أن معاناة المعتقلين في السجون الأخرى أشد وأنكى، وقال: "هناك جرائم بشعة تحدث في السجون الأخرى مثل العقرب والوادي الجديد وجمصة والأبعادية وغيرهم، وخاصة الزنازين الفردية التي كنت يوما نزيلها".
وأشار إلى وجود أشياء "بعيدة تماما عن المعاملة الانسانية، وحوالي 20 سجينا بزنزانة لا تسع سوى 8 بحد أقصي وبها دورة مياه غير آدمية، أما عن الزنازين الفردية فهي متر واحد في مترين، لا تدخلها الشمس، مليئة بالحشرات والفئران".
وأوضح أن "دورة المياه يُسمح بدخولها لمدة دقيقتين كل 24 ساعة وبباب مفتوح، وتحت رقابة الصول، كل هذا بخلاف التعذيب بالكهرباء والعديد من الوسائل البشعة لا داعي لذكرها".
وخلص إلى القول إن "هذه المقاطع المصورة أو غيرها ليست ما يحرك الإخوان المسلمين أو الشعب، بل استيقاظ الشعب قاطبة من هذا الثبات العظيم بكل أطيافه ضد ما يجري من ظلم لكل طوائف الشعب، ومن سرقة أمواله ومقدراته وثرواته".
"تحرك الجبل"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي انتشر التسريب عبر هاشتاغ: "#تسريبات_سجون_مصر".
المستشار الإعلامي للرئيس الراحل محمد مرسي، أحمد عبدالعزيز، قال إن "هذه التسريبات أظهرت نمط الحياة غير الآدمية التي تحياها هذه القامات العلمية والوطنية، وهي مشاهد كافية لأن تقيم الدنيا ولا تقعدها، حتى يتم إطلاق جميع المعتقلين السياسيين، في سجون الإنقلاب".
وعبر منصة (X) أضاف أنه "على قيادة الإخوان المسلمين أن تتحرك، وعلى كافة المنظمات الحقوقية الدولية أن تتحرك، وعلى كل حر أن يفعل ما بوسعه؛ لإثارة هذه القضية الإنسانية (في المقام الأول) ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم".
عضو اتحاد علماء المسلمين الداعية الدكتور وصفي عاشور أبوزيد، قال إن تلك التسريبات: "تحرك الجبل، وتحرض من لا ضمير له"، مضيفا أنها "توجب على كل من لديه أي سبب وأي قدرة على استنقاذهم أن يفعل، وأن يبذل ما يستطيع".