أجرى البرلماني والصحفي مصطفى بكري حوارا متلفزا مع
وزير النقل
المصري كامل الوزير، أو كما يحب أن يُنادَى "الفريق" كامل الوزير، إذ
الصفة العسكرية أرقى مقاما في الأوساط السياسية الحاكمة في بلد يعيش تحت وطأة
الحكم العسكري منذ سبعة عقود.
تحدث السيد كامل ـ كعادته ـ عن إنجازات النظام السياسي الحالي في
الإنشاء والتعمير، لكن اللافت للنظر هذه المرة حميميته في الحديث عن السيسي كما لو
كان يتحدث عن والده، وهو يشبه ما كان يفعله السيسي مع الراحل المشير محمد حسين
طنطاوي، فقد كان مشهورا عن السيسي أنه يحكي له رؤى رآها في منامه له، وكذلك يبثُّ
إليه تبريكات أمه، فنال منزلة كبيرة لديه جعلتْ الراحل يصف السيسي بأنه ابنه، كما
شاهدنا في تسريبات مسلسل الاختيار 3، ويبدو أن كامل الوزير يريد الاقتراب أكثر من
الرجل عبر الحميمية المفرطة التي يتحدث بها عن رئيسه.
أوقفنا الوزير عند ثلاث محطات من حواره: زمن حفر تفريعة قناة السويس،
ودموعه خلال إنشاء أنفاق تحت القناة، والأهم فض ميدان رابعة العدوية وتحديدا عمارة
"المنايفة".
أولا، أكد السيد كامل عشوائية رئيسه في قراراته، فأشار إلى مكالمة
الأخير معه ليلة الإعلان عن حفر تفريعة قناة السويس وسأله عن مدة الحفر، فحددها
بثلاث سنوات استنادا إلى حاجة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة إلى ثلاثة أضعاف
المعدات الموجودة، فخفَّض السيسي المدة إلى سنة عبر تدخله لتوفير المعدات اللازمة
من الوكيل المصري المعتمد لدى الشركة الأجنبية المالكة للمعدات، ثم أعلن في اليوم
التالي لمكالمته أمام العالم أن مدة المشروع ستكون عاما واحدا بدلا من ثلاثة، دون
استشارة مختصين أو إعطاء الوقت الكافي لدراسة متماسكة تناقش الجوانب المختلفة
لتقليل مدة الحفر من النواحي الفنية والاقتصادية، فكانت النتيجة نكبة اقتصادية
كبرى بسبب استنزاف جزء كبير من الاحتياطي الدولاري المصري.
بدأت مصر أزمتها الدولارية منذ هذه العملية ولم تُفق منها بعد، بل
تفاقمت وانخفضت قيمة العملة المحلية الآن بنسبة تجاوزت 500% مقارنة بقيمتها وقت
الانتهاء من شق التفريعة، إذ كلف المشروع 60 مليار جنيه، أي قرابة 8.4 مليار دولار
بسعر العملة وقتها، ما يُظهر حجم الإنفاق والسحب السريع لدولة لا تملك مخزونا
كافيا من الدولار، فتأثر استيراد قطاعات متعددة أكثر أهمية من مشاريع الزعيم
الخاصة مثل قطاع الدواء، بسبب شح المواد الخام اللازمة لإنتاجه، وسبق لمحافظ البنك
المركزي السابق "هشام رامز" نِسبة أزمة الدولار في مصر إلى المشروع
وأيضا إنشاء محطات الكهرباء، ما تسبب في إقالته بعد ثلاثة أيام فقط من تصريحه.
أما المحطة الثانية، فكانت بكاء السيد كامل على الشاشة عندما قصَّ
رواية عطل إحدى معدات حفر أنفاق تحت قناة السويس، وأراد إعطاء روايته بُعدا
روحانيا، فأكَّد حصول الفَرَجِ بعد صلاة الفجر، وكان السيسي قد هاتَفَهُ بعد
الصلاة ولما سمع بكاءه بسبب العُطل قال له: "وحياة دموعك يا كامل
هننجح"، في توافق سلوكي شديد السماجة، بينما كان الطبيعي أن يُراجِع المسؤول
الأول في الدولة اختياره لوزير عاش حياته بين الآلات ويبكي بسبب تعطل آلة!
المحطة الأخيرة تتعلق بفض اعتصامي رابعة والنهضة، وكان الوزير، وفق
روايته، متواجدا في أثناء فض ميدان رابعة الذي شهد أكبر مجزرة في تاريخ مصر
المعاصر، ولا تختلف عن عمليات التطهير العرقي التي نسمع عنها، مع فارق أن العمليات
الأخرى تقوم بها قوات مختلفة في الإثنية أو الدين أو الجنسية، بينما مجزرة رابعة
قامت بها قوات لا خلاف بينها وبين المعتصمين سوى التوجه السياسي، وربما كان مِن
بين القوات المهاجِمة مَن له قريب وسط المعتصمين.
أضاف السيد كامل اسمه لقائمة العار ضمن المسؤولين عن المجزرة، بينما لم يكن أحد يعرف ذلك عنه، وربما يُلاحق قضائيا كرئيسه الذي لم يستطع الذهاب إلى جنوب إفريقيا بسبب انغماس يده في الدماء، أو كالوزير الأسبق منير فخري عبد النور الذي طُلب منه مغادرة بريطانيا على وجه السرعة لأنه كان وزيرا في حكومة القتل والدماء،
ركّز الوزير على البناء الذي كان يعتصم أسفله إخوان محافظة المنوفية،
وسُميت بـ"عمارة المنايفة" التي تصدى معتصموها لمحاولات اقتحام الميدان
من جهتها قرابة 12 ساعة، واحتاجت القوات إلى استخدام طائرة عسكرية لمهاجمة
المعتصمين، وقناصة في عدة أماكن، وأسلحة متوسطة لا تُستخدم أبدا في مواجهة اعتصام
مدني، وبعد استخدام قوة مميتة دخلت القوات إليها وأعلنت بذلك انتهاء مجزرة فض
الاعتصام.
شهدت عمارة المنايفة العديد من القتلى والجرحى والمعتقلين، كما شهدت
كثافة نارية تتوازى مع النزاعات المسلحة بين الدول، لكن السيد كامل أراد أن يكتب
التاريخ بالزيف كما يفعل سيده، فزعم أن المسؤولين أرادوا فض الاعتصام بالإزعاج
والتشويش بمكبرات الصوت، وأنهم أرادوا تأمين الاعتصام من دخول معادين لهم فصنعوا
الحواجز في محيطه، وأنهم هاجموا باستخدام قنابل الغاز والمياه، وتحدث كأن
الكاميرات لم تكن هناك، أو لم ينجُ أحد من المجزرة ليروي قصة الإثم والقتل دون
حساب.
تحدث الوزير كذلك بأداء تمثيلي مفتعل وباهت عن مكالمة السيسي له في
أثناء المجزرة ليسأله عن الوضع، فاقترح عليه "هدم العمارة"، لينهره
السيسي لأنهم "لا يهدمون مساكن بلدهم، ولا يؤذون أبناء بلدهم"، ونسي
الوزير أن السيسي نفسه قال ذات مرة إنه "يهدم ألف بيت لفتح شارع"،
تخيَّل ألف بيت يحوي الواحد منها عدة أُسَر وربما عشرات الأُسَر لأجل شارع واحد،
كما يهدم على الأموات دورهم الآخرة لأجل شارع واحد أيضا، فأي عاقل يصدق أن الدموي
الهدَّام يتحرج من هدم بناء على معارضيه؟!
كذلك تخيَّل أن رتبة رفيعة في سلاح المهندسين، تقف أمام وضع أمني
فتقترح هدم البناء على من فيه، ثم يَرِدُ الاحتجاج بعد ذلك على كفاءة العسكر في
التخطيط! بينما نحن أمام نموذج لتأخر عقلية المهندس بعدما كان يوجِد الحلول
البديلة دون هدم، فأصبحت عسكريته تسبق المدنية ويدعو إلى الهدم، وأصبحت الحلول
التدميرية السهلة أقرب من التفكير العلمي الموضوعي، وأصبح التخريب أساس التعمير،
والقتل أساس الاستقرار، ثم أصبح صاحب هذه العقلية رئيسا للهيئة الهندسية ثم وزيرا
للنقل، ولا يزال يعمل بفكر هدَّام كأساس للتعمير كما يفعل رئيسه.
مشكورا أضاف السيد كامل اسمه لقائمة العار ضمن المسؤولين عن المجزرة،
بينما لم يكن أحد يعرف ذلك عنه، وربما يُلاحق قضائيا كرئيسه الذي لم يستطع الذهاب
إلى جنوب إفريقيا بسبب انغماس يده في الدماء، أو كالوزير الأسبق منير فخري عبد
النور الذي طُلب منه مغادرة بريطانيا على وجه السرعة لأنه كان وزيرا في حكومة
القتل والدماء، وقد أراد السيد كامل أن يزيد من تزلفه وتقربه إلى قائد المجزرة
فأخبر عن دور لم يكن يعرفه أحد من قبل، والرجاء أن يحمل كل من شارك في المجزرة نفس
روح السيد كامل ويُعلن عن دوره في خدمة الوطن من بوابة الدماء.