لم يكن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، مبالغا عندما
حمَّل الساسة المتنفذين في
ليبيا مسؤولية كارثة درنة وأخواتها، فالصراع على السلطة
والسعي للتحكم في القرار بأي طريقة كانت انعكس بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية
والاجتماعية وعطل سبل معالجة الأوضاع المتردية في البلاد بما في ذلك البنية
التحتية. فناقوس الخطر قد دق مرات بخصوص السدود في المدينة المدمرة، لكن أصحاب
القرار كانوا في شغل عنها وهم يخوضون معاركهم السياسية طلبا لمزيد من السلطة
والنفوذ.
أرجع إلى تقييم المعنيين بالأزمة واستمع إلى تصريحات المهمومين بدرنة
وأخواتها عبر وسائل الإعلام ليتبين لك أن وضع سكانها الذين دمر الإعصار والسيل
مساكنهم في ترد ومعاناة وأزمتهم مستمرة وإلى تفاقم وأن الحكومات لم تقم بشي ذي
بال يخفف من معاناتهم.
مؤشرات الإدارة الجيدة للأزمات والكوارث تبدأ من المعلومات الصحيحة
عن نتائج الأزمة أو الكارثة وتوابعها، وقد مر على الفاجعة اسبوعان دون أن تعلن
الجهات الرسمية عن أرقام صحيحة أو قريبة من الحقيقة فيما يتعلق بأعداد الضحايا،
وأعداد المفقودين، وأعداد من يتلقون علاجا، وأعداد من يحتاجون إغاثة ورعاية
اجتماعية ونفسية، وأعداد من شردهم الإعصار ونزوحوا داخل مدنهم أو إلى غيرها من
المدن.
دقة المعلومات هي أولى الخطوات الرئيسية لمجابهة الأزمات والكوارث،
والارتباك والاضطراب دليل على ضعف في إدارتها وارتباك شديد في مواجهتها، ولأن
الاضطراب في الأرقام هو الغالب فإنك ترى أن الارتباك والفوضى هي الشعار عند تقييم
التعاطي الرسمي مع فاجعة درنة وأخواتها.
والمعلومات لا تقتصر على معرفة ما خلفه الإعصار من آثار مباشرة يتم
الوقوف عليها حال توقفه، بل تستمر في كل مرحلة وطور من أطور الأزمة أو الكارثة،
فالضعوط قد تكون أشد في الفترات اللاحقة، والمعاناة تتحول إلى وضع صعب جدا يتطلب
رصدا وتقييما مستمرا.
المعلومات تؤكد أن كثيرا من المنكوبين في درنة وأخواتها لا تتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية، فكيف يمكن القبول بهذا الوضع وقد مر على الفاجعة أسبوعان؟! وهل سيرسل هكذا وضع رسائل مطمأنة للمنكوبين وهم بعشرات الآلاف من أن المستقبل أفضل؟!
من مؤشرات الاضطراب في إدارة الكارثة في الشرق الليبي ما يصفه أهل
الاختصاص بـ "ضعف منظومة القرار"، وفي الحالة الليبية جعل الصراع
والانقسام منظومة القرار في أدنى درجات ضعفها، وهو ما يتجلى في موقف السلطات من
الفاجعة وتداعياتها، فلا ظهر ما يشير إلى إمكانية إدارة
تداعيات ما بعد الإعصار
والسيول بجهد محلي، خاصة عشرات الآلف الذين هم في العراء وما يحتاجونه من مأوى
وخدمات صحية وتعليمية..ألخ، أو الالتجأ إلى المجتمع الدولي ليتولى الأشراف على
استراتيجية بناء ما دمره الإعصار وجرفته السيول أو المساهمة المباشرة في تخفيف معاناة
المتضررين.
الكوارث والأزمات تحتاج إلى تخطيط لمجابهتها، وعندما تكون نتائجها
وتداعياتها بحجم مع وقع لدرنة وأخواتها، فإن خطة التعافي واستراتيجية البناء تصبح
أساسية، وأي تفكير بعيد عن هذا المسار لا يمكن أن يحتوي ما وقع، ويبدو أن الوضع
السياسي يحول دون السير في هذا الاتجاه، ما يعني أن البديل هو العشوائية في
التعامل مع آثار الإعصار والسيول، وانتهاج سياسة الفعل بعد تفاقم الوضع وتكشُّف
مظاهر جديدة للمعاناة وليس العكس، فالتخطيط يسبق الأحداث بتوقع أثارها المنظورة
وغير المنظورة ويدفع إلى الاستعداد لها بكل السبل الملائمة قبل تفاقم الوضع، وهو
ما تفتقده درنة وأخواتها اليوم.
ما ينبئ عن ضعف منظومة القرار والعشوائية في مجابهة الواقع المرير
القابل للتفاقم كل يوم هو الارتباك في مجابهة الآثار والتداعيات المباشرة للكارثة،
فأعداد المشردين من بيوتهم والنازحين داخل المدينة وخارجها قدرته منظمة الهجرة
الدولية بما يزيد عن 43 ألف، ويعتقد أن الرقم أكبر ذلك أن عمليات الإحصاء ما تزال
بعيدة عن بعض القرى المنكوبة في الشرق، فتقديم الخدمات العاجلة ثم الحلول الناجعة
لأوضاع هؤلاء مسؤولية دولة وحكومة ولا يمكن التعويل على "فزعة الخوت"
لتلافيها.
المعلومات تؤكد أن كثيرا من المنكوبين في درنة وأخواتها لا تتوفر لهم
احتياجاتهم الأساسية، فكيف يمكن القبول بهذا الوضع وقد مر على الفاجعة أسبوعان؟!
وهل سيرسل هكذا وضع رسائل مطمأنة للمنكوبين وهم بعشرات الآلاف من أن المستقبل
أفضل؟!