يبدي الليبيون خشيتهم من أن يستغل الساسة والقادة المتنفذون في شرق وغرب البلاد؛ كارثة
درنة، لإطالة أمد الأزمة السياسية، والإفلات من الاستحقاق الانتخابي الذي يطالب به الليبيون منذ سنوات، ويرون فيه أملا للخلاص من النخب السياسية التي أثقلت كاهل البلاد بالأزمات وعمقت حالة الانقسام
وضرب إعصار في العاشر من الشهر الجاري مدينة درنة ومناطق محيطة بها في الشرق الليبي، مخلفا وراءه دمارا واسعا في الممتلكات، وآلاف الضحايا بين قتيل ومفقود.
وفي آخر حصيلة، قالت لجنة تابعة للحكومة المكلفة من البرلمان في شرق
ليبيا، إن "حصيلة الوفيات جراء الفيضانات ارتفعت إلى 3845 حالة، وفقا للأرقام الموثقة والمسجّلة لدى وزارة الصحة (بحكومة الشرق)، لكن تقارير صادرة عن الهلال الأحمر الليبي تقول إن الكارثة خلفت وراءها 11300 قتيل و10000 مفقود حتى الآن، فضلا عن الجرحى، و40 ألف شخص دون مأوى.
توظيف الأزمة
وكشفت الكارثة في درنة المنكوبة، والأسباب التي أدت إليها من تهالك للبنى التحتية وغياب صيانة المرافق والسدود القديمة، عن عمق الانقسام بين الشرق والغرب، خاصة مع تنازع حكومتين للسلطة، الأولى مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، ومقرها سرت وسط البلاد، والثانية معترف بها دوليا ويقودها عبد الحميد الدبيبة ومقرها طرابلس.
ورغم حالة الانقسام، فإن كارثة درنة لا تخلو من
توظيف سياسي لها، إذ إن الأجسام السياسية والعسكرية المتحكمة في البلاد، سواء من الشرق أو الغرب، تحاول الاستفادة مما يجري لصالح تمديد أمد بقائها في السلطة، وإبعاد "شبح"
الانتخابات التي قد تطيح بها من المشهد.
وفي هذا السياق، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي، فرج دردور، أن السياسيين في ليبيا يستغلون كارثة درنة، للإفلات من الاستحقاق الانتخابي، وتمديد أمد إجرائها لصالح بقائهم في مناصبهم.
ولفت دردور في حديث خاص لـ"عربي21" إلى أن المستفيدين من الأوضاع القائمة سيتذرعون بأن الوقت ليس مناسبا لإجراء الانتخابات، وأن الأولوية لإعادة إعمار درنة وإزالة آثار الكارثة.
وفيما يتعلق بمصير لقاءات مجلسي النواب والدولة حول إنجاز القوانين الانتخابية، قال دردور، إنه ما جرى سابقا بين الطرفين "كان صفقة لتقاسم السلطة، ولم تكن هناك أي مباحثات جدية للخروج من الأزمة في البلاد".
وشدد على أنه بعد استلام الرئيس الجديد لمجلس الدولة، محمد تكالة، اتضحت الأمور، وتأكد أن الانقسام ما زال موجودا، وأنه لم تكن هناك أي خطوات جدية كانت تهدف إلى الخروج من الأزمة عبر الانتخابات.
ويعتقد الكاتب الليبي أن ما يجري في ليبيا "بلطجة سياسية"، حيث يستغل بعض الساسة والمتنفذين ما يجري في درنة للحصول على مكاسب سياسية، مشيرا بقوله: "لاحظنا السلطات العسكرية في الشرق الليبي، وهي تعطل عمليات الإغاثة، ويجمعون المساعدات، ثم يعيدون توزيعها بطريقتهم الخاصة على من يريدون، وهذا طبعا توظيف للأزمة وللعمل الإنساني".
وتابع: "لاحظنا كيف أن أحد أبناء حفتر صرح في البرلمان الأوروبي بأنه سوف يرشح نفسه للرئاسة بعد يومين من كارثة درن، وكأن الأمر لا يعنيهم، وكذلك الأمر في الغرب، فهناك من يستفيد من هذا الوضع"، وفق قوله.
تأخير الانتخابات
وفي السياق نفسه، قالت صحيفة "
الغارديان" البريطانية، إن الليبيين يخشون من استغلال السياسيين لأزمة الفيضانات، والعمل على تأخير إجراء الانتخابات.
وذكرت في تقرير لها أن الليبيين يُريدون إجراء تحقيق دولي في الكارثة والاستجابة لها، والنظر في دور السلطات بالخصوص، مشيرة إلى أن النخب السياسية تسعى دومًا على مدار العقد الماضي للإفلات من العقاب، وأن الكارثة سلطت الضوء على ما اقترفته النُخب السياسية، وتقاعسهم عن خدمة البلاد ورعاية مصالحها.
يشار إلى أن مجلسي النواب والدولة كانا قد شكلا لجنة "6+6"، التي أصدرت في 6 يونيو/ حزيران الماضي القوانين التي ستجرى عبرها الانتخابات المنتظرة، إلا أن بعض بنودها يلاقي معارضة من أحزاب سياسية وأعضاء بالمجلسين، وسط إصرار اللجنة على أن قوانينها "نهائية ونافذة".