نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"
تقريرا للصحفيين أندرو هيغنز وإيفان نيشبورينكو قالا فيه، "إن عشرات الآلاف ماتوا وهم يقاتلون من أجل وضد إقليم
قره باغ ما أدى إلى تدمير الحياة المهنية لرئيسين أحدهما أرميني والآخر أذربيجاني وعذاب جيل من الدبلوماسيين الأمريكيين والروس والأوروبيين الذين يدفعون بخطط السلام الميتة، حيث استمر الصراع خلال فترة ستة رؤساء للولايات المتحدة.
وقال تقرير الصحيفة، "إن الدولة المعلنة في الإقليم والتي لم يعترف بها أحد سوى
أرمينيا اختفت بسرعة كبيرة الأسبوع الماضي لدرجة أنه لم يكن أمام سكانها من أصل أرمني سوى دقائق قليلة قبل أن يغادروا منازلهم وينضموا إلى نزوح جماعي مدفوع بمخاوف من التطهير العرقي، من قبل أذربيجان المنتصرة".
وتابع: "بعد أن نجت دولة الانفصاليين خلال أكثر من ثلاثة عقود من الحرب المتقطعة والضغوط الدولية للتخلي عن طموحاتها، أو على الأقل تضييق نطاقها، كدولة منفصلة لها رئيسها وجيشها وعلمها وحكومتها، انهارت جمهورية آرتساخ داخل الحدود المعترف بها لأذربيجان بين عشية وضحاها تقريبا".
وقال سلافا غريغوريان، أحد الذين فروا هذا الأسبوع من قره باغ، إنه لم يكن أمامه سوى 15 دقيقة لحزم أمتعته قبل التوجه إلى أرمينيا على طول طريق جبلي ضيق تسيطر عليه القوات الأذربيجانية.
وأضاف: "أن أحد أعماله الأخيرة كان تدمير تسجيل فيديو شخصي لرحلة وطنه من النصر إلى الدمار، بدأت مقاطع الفيديو الخاصة به عام 1988، عندما كانت كل من أرمينيا وأذربيجان جزءا من الاتحاد السوفيتي، واندلع العنف في الإقليم لأول مرة عندما طالب الأرمن بحق تقرير المصير ثم حصلوا عليه".
وأرسلت روسيا، الحامية التقليدية لأرمينيا وحليفتها منذ عام 1992 قوات حفظ سلام إلى المنطقة عام 2020 ووعدت بإبقاء الطريق الوحيد الذي يربط قره باغ بأرمينيا مفتوحا، وهو شريان حياة حيوي للمنطقة.
وترى الصحيفة أن موسكو المنشغلة بحربها في أوكرانيا والمتحمسة لتوثيق العلاقات الاقتصادية والسياسية مع أذربيجان وحليفتها تركيا، لم تتدخل هذا العام عندما أغلقت أذربيجان الطريق، ما أدى إلى قطع إمدادات الغذاء والوقود والدواء.
وأمر الكرملين قوات حفظ السلام التابعة له بالتنحي جانبا خلال الهجوم الخاطف الذي شنته أذربيجان ضد الانفصاليين الأرمن.
وأكدت الصحيفة أن أحدا لم يتوقع، بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة، الانهيار السريع في قره باغ.
وقال بنيامين بوغوسيان، الرئيس السابق لوحدة الأبحاث بوزارة الدفاع الأرمينية: "نحن جميعا في حالة صدمة حيث يفهم الجميع أن هذه هي النهاية التدمير الكامل لآرتساخ والشيء الوحيد المهم الآن هو إخراج الناس بأمان".
وأوضحت الصحيفة "أن قضية قره باغ ظلت لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان نموذجا للفشل الدبلوماسي، وهي مشكلة لا نهاية لها أشبه بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني أو شمال قبرص"، مبينة أنه "في غمضة عين تقريبا، تم الآن حل مشكلة قره باغ بقوة السلاح".
في يريفان، عاصمة أرمينيا، يتجمع آلاف المتظاهرين كل ليلة منذ الأسبوع الماضي في ساحة مركزية ليهتفوا بالشتائم لرئيس الوزراء نيكول باشينيان لعدم إرسال قوات للدفاع عن قره باغ.
ويرفض أنصار رئيس الوزراء الاحتجاجات باعتبارها من عمل زعيمين سابقين فقدوا مصداقيتهم وصلوا إلى السلطة من خلال الهتاف لقضية قره باغ.
وبدأت المعركة بين الأذربيجانيين والأرمن حول الإقليم في ظل الحكم السوفييتي وتصاعدت إلى حرب واسعة النطاق بعد حصول أذربيجان وأرمينيا على استقلالهما.
وأجبر التطهير العرقي على الجانبين أكثر من مليون شخص، حسب بعض التقديرات، على الفرار من منازلهم, حيث انتهت في عام 1994 باستقلال قره باغ، وسيطرة أرمينيا على مساحة واسعة من أذربيجان وهي التغييرات التي رفض العالم الاعتراف بمشروعيتها، وفق الصحيفة.
وألقى الأذربيجانيون باللوم في أدائهم العسكري الضعيف على رئيسهم في ذلك الوقت، أبو الفاز الشيبي حيث أطيح به وحل محله حيدر علييف، زعيم أذربيجان في الحقبة السوفيتية والمخابرات السوفييتية السابقة، وهو والد الرئيس الحالي.
دخلت أذربيجان في الحرب مرة أخرى في عام 2020 وانتصرت بسهولة، واستعادت الكثير من الأراضي التي فقدتها قبل عقود.
وأشارت الصحيفة إلى أن المحادثات الفاشلة التي عقدت في ولاية فلوريدا عام 2001، بمشاركة الولايات المتحدة جعلت الرئيس جورج بوش الإبن يقول إنه لا يريد أبدا أن يسمع عن هذه القضية مرة أخرى، وفقا لتوماس دي وال، المتحدث باسم البيت الأبيض. مؤلف كتاب "الحديقة المظلمة"، وهو كتاب يروي 35 عاما من الجمود في المنطقة.
هذا الأسبوع، قال غيراغوسيان، الذي كان في واشنطن للقاء المسؤولين الذين فوجئوا بهزيمة آرتساخ، إنه كان يتوقع المزيد من القتال. وقال عن الأرمن العرقيين في ناغورنو كاراباخ: "من وجهة نظر عسكرية، اعتقدت أنهم سيتوجهون إلى التلال".
وأردف تقرير الصحيفة، أن "الجماعات القومية المتشددة الصغيرة في أرمينيا، مثل ما يسمى بالمفرزة الصليبية، أدلت بتصريحات صاخبة حول المساعدة ولكنها لم تقدم أي دعم كبير، فيما بقيت حكومة باشينيان الأرمنية خارج القتال.
وتابعت "نيويورك تايمز"، "قبل أقل من أسبوعين من انهيار دولتهم في 20 أيلول/ سبتمبر الجاري، وجدت النخبة في ستيباناكيرت، عاصمة دولة الانفصاليين، نفسها عالقة في صراع محلي على السلطة، حيث أجبر رئيسها المنتخب على التنحي بعد أن استجاب للاحتجاجات خارج المكاتب الحكومية".
وفي 9 أيلول/ سبتمبر، اختار البرلمان المحلي سامفيل شهرامانيان، وهو مسؤول أمني منذ فترة طويلة، رئيسا للبلاد.
وقال شهرامانيان للمشرعين: "أنا لا أكشف سرا عندما أقول إن الحصار الجزئي ثم الكامل لجمهورية آرتساخ من قبل أذربيجان قد خلق عددا من المشاكل للجمهورية".
وتضيف الصحيفة، "بينما كان شهرامانيان يسخر من أرمينيا بسبب اتباعها (أجندة السلام المزعومة)، أقر بأن أفكار وتوقعات جمهوريته المحاصرة فيما يتعلق بالقانون الدولي كانت غير واقعية ومنفصلة عن الواقع"، في إشارة واضحة إلى معارضتها الطويلة لأي اتفاق سلام لا يمنح قره باغ حق الانفصال التام عن أذربيجان.
وبينما تغلبت القوات الأذربيجانية على دفاعات الانفصاليين المتهالكة، عقد شهرامانيان ما أطلق عليه "جلسة موسعة لمجلس الأمن" وأعلن أن "آرتساخ ستضطر إلى اتخاذ الخطوات المناسبة"، إلا أنه لم يُر أو يُسمع عنه شيء منذ ذلك الحين، ويخشى، مثل العشرات من المسؤولين السابقين الآخرين، أن تكون القوات الأذربيجانية قد ألقت القبض عليه ليواجه المحاكمة.