أثار طلب عدد من السياسيين
المصريين بتدخل الجيش للإشراف
على انتخابات الرئاسة المقررة في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ودعوة أحد قادته
السابقين الترشح بمواجهة رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، جدلا واسعا.
واستدعى رئيس حزب "الإصلاح" محمد أنور
السادات الجيش المصري للمشهد السياسي الداخلي، داعيا إياه الأربعاء الماضي، عبر بيان
لافت للإشراف على الانتخابات الرئاسية، معربا عن مخاوفه من أن "تلحق بمصر عدوى
الانقسام والانهيار المحيط بها إقليميا".
السادات، بدأ بيانه بكلمة "نداء
إلى القوات المسلحة المصرية"، وطالب الجيش بضمان إجراء الانتخابات بشكل نزيه،
مذكرا بدوره بانتخابات الرئاسة عام 2012، التي جاءت بأول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا
(الراحل محمد مرسي).
وقال: "أهيب بالقوات المسلحة صيانة النظام
الديمقراطي طبقا للمادة 200 من الدستور المصري".
وضمن التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان
في نيسان/ أبريل عام 2019، تضمنت (المادة 200)، إضافة تقول؛ إنه على الجيش "صون
الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب
وحقوق وحريات الأفراد".
" جاد يستدعي حجازي"
وفي السياق، استدعى المتحدث باسم التيار الليبرالي
الحر، عماد
جاد، صهر السيسي، ورئيس أركان القوات المسلحة السابق، الفريق
محمود حجازي، للمشهد الانتخابي، وعبر بيان له بـ"فيسبوك"، الثلاثاء
الماضي، دعاه عبر ما أسماه بـ"النداء الأخير"، للترشح بالانتخابات الرئاسية.
نداء جاد، جاء بدعوى "إنقاذ البلاد من نفق
مظلم داخليا وخارجيا.. ومصير قاتم يهدد أمن واستقرار البلاد والعباد"، مؤكدا
لحجازي، أنه بمقدوره "العبور بمصر لمرحلة الاستقرار والتحول لدولة مدنية ديمقراطية
حديثة".
وفي استطلاع
للرأي، أجراه الباحث المصري في الشؤون العسكرية محمود جمال، عبر صفحته بموقع
"X"، اختار 91.4 بالمئة من المشاركين بالتصويت
الفريق حجازي، كمرشح رئاسي، بينما اختار 8.6 بالمئة فقط، السيسي.
"الطنطاوي وعنان"
وعلى نفس
المنوال، استدعى المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، كلمات رئيس أركان الجيش
المصري الأسبق الفريق سامي عنان، حين خاطب المصريين، معلنا ترشحه للانتخابات
الرئاسية عام 2018، بقوله: "أيها الشعب السيد في الوطن السيد".
الطنطاوي، في بث مباشر له بـ"فيسبوك"، دعا أعضاء حملته لمواصلة تحرير التوكيلات
المطلوبة لترشحه للرئاسة، والبالغة نحو 25 ألف توكيل، ويجد عقبات أمنية وإدارية في
إنجارزها، مخاطبا المصريين على طريقة عنان، بقوله: "أيها الشعب المصري العظيم
السيد في الوطن السيد".
متابعون،
تساءلوا حول دلالات استعانة الطنطاوي، بطريقة إلقاء عنان وكلماته التي حفظها
المصريون، وما إذا كان خلفها رسالة أو دعم من جهات ما للمرشح المنافس للسيسي.
"توقيت
الاستدعاء"
تلك النداءات
تأتي بعد أيام من إعلان اللجنة الوطنية للانتخابات في مصر الاثنين الماضي، عن إجراء
الانتخابات الرئاسية من 10 حتى 12 كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
كما تأتي
في ظل ما تشهده مصر من أوضاع سياسية واقتصادية متردية، في ظل أزمة اقتصادية خانقة طالت
105 ملايين مصري بالداخل، بفعل تفاقم نسب التضخم والانهيار الحاد للعملة المحلية، وسط
تصاعد القمع والملاحقة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي.
ورغم أن السيسي لم يعلن ترشحه للانتخابات التي
سيبدأ المرشحون التقدم بأوراقهم لخوض غمارها 5 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، إلا أن
دولة السيسي قامت بحشد البسطاء وموظفي الدولة وأعضاء حزب "مستقبل وطن" لعمل
آلاف التوكيلات له، مع الاستعانة بالبلطجية لمنع تسجيل توكيلات للطنطاوي.
رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريد
زهران، ورئيسة حزب الدستور، جميلة إسماعيل، والرئيس السابق لحزب الكرامة، أحمد الطنطاوي،
أعلن ثلاثتهم نيته الترشح للانتخابات الرئاسية.
"محاولة إنقاذ غير مجدية"
ويرى الباحث المصري المتخصص في العلاقات المدنية
العسكرية والدراسات الأمنية محمود جمال، أن استدعاء "السادات"، و"جاد"،
للجيش وقياداته إلى المشهد السياسي، قبيل رئاسيات مصر، له عدة دلالات.
وفي حديثه لـ"عربي21"، يظن جمال، أن
"هناك بعض السياسيين يحاولون أن يستدعوا الجيش بهدف إنقاذ البلاد مما تتجه إليه؛
إذا استمرت سلطة السيسي"، مضيفا: "وفي هذا الصدد تأتي دعوات السياسيين
السادات، وجاد، وغيرهما".
وفي تقديره لاحتمالات استجابة الجيش لتلك الدعوات،
وإذا كان سيفرط في السيسي من عدمه، يرى الباحث المصري، أنه "بناء على
المؤشرات والشواهد الحالية، ومن وجهة نظري، فإن قيادات المؤسسة العسكرية الحالية
ومؤسسات الدولة، تسير مع السيسي في خطته للاستمرار بالحكم".
وفي وصفه للحالة المصرية، قال؛ إن "الواقع
شديد البؤس، ولا أحد يريد أن يستمع لصوت العقل، لكي نتفادى جميعا المستقبل المظلم القادم
والحاضر البئيس".
ولفت إلى أن الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر،
(1956- 1970) بعد عام 1952-حركة الضباط الأحرار ضد الملك فاروق-، كان يرى أن منصب الرئيس حق له نتيجة لما فعله، وتوافقت معه
أجهزة الدولة، ومن كان على خلاف معه داخل مجلس قيادة الثورة نكل به ناصر؛ كي يظل هو
الحاكم إلى مماته".
وأوضح جمال أنه حجم التشابه بين حالة مصر بحقبة
ناصر وبين حالتها بسنوات حكم السيسي، بقوله؛ إن "السيسي كذلك يرى أن منصب
الرئيس لا يحق لأحد غيره، ومؤسسات الدولة تسير معه في ذلك الأمر، ونكل بمن له رأي آخر".
"غطاء وحماية"
وفي رؤيته، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي
المصري المقيم في الولايات المتحدة أحمد حسن بكر: "يجب الإشارة إلى أن السادات وجاد، ما
كانا يجرؤان على قول ما قالاه إلا بضمان غطاء وحماية من داخل النظام أو خارجه"،
في إشارة إلى قوى داخلية وأخرى "إقليمية أو دولية".
في حديثه لـ"عربي21"، لفت بكر إلى
أنه "يجب الاعتراف بوضوح أن القبول الوطني وسمعة قيادات القوات المسلحة بالشارع
تضررت كثيرا، ويرى البعض صمت القيادات على ما جرى ويجري من تنازل وتفريط وبيع، خيانة
عظمى".
وأشار إلى بعض تلك الجرائم، مثل "تنازل
السيسي عن جزيرتي (تيران وصنافير) الاستراتيجيتين بمدخل خليج العقبة بالبحر الأحمر
إلى السعودية عام 2016، وضياع حقوق مصر بمياه نهر النيل بتوقيعه (اتفاقية المبادئ
عام 2015) مع إثيوبيا والسودان".
"وما جرى لجنود الجيش المصري من إهانة
وتوقيف في نيسان/ أبريل الماضي على يد (قوات الدعم السريع) بالسودان، وهيمنة الجيش
على النشاط الاقتصادي، وانغماسه في (بزنس) لا علاقة له به"، وفق قول بكر.
وأضاف: "وكذلك بيع الأصول العامة للدولة بلا ثمن
تقريبا"، مؤكدا أنه "ومن ثم فإن ثقة الشارع بقيادات الجيش اهتزت، وصارت الغالبية
العظمى تجهر بأعلى صوت: (كفاية حكم عسكر)".
ويرى المحلل السياسي، أن "الشارع
وكثير من النخب لم يتحمس لدعوة السادات، وبيان جاد؛ لأن ما حل بالبلاد من خراب كان
على يد العسكر أنفسهم، وبموافقة العسكر أنفسهم، كمؤسسة عسكرية حاكمة لكل نواحي الحياة
الآن".
وتابع بكر: "ولأن (المادة 200) من الدستور، التي استند عليها السادات، عندما وجه دعوة للجيش، مادة مثيرة للجدل الدستوري، وتم
تعديلها بما يخالف الدستور؛ لأنها أقحمت الجيش في أمور مدنية الدولة، وهو أمر لا يخص
الجيش".
"تفكك الدولة"
وراح بكر، في رصد الواقع الحالي بعهد السيسي،
بقوله: "بدا للشعب بلا استثناء، أن الدولة الآن تتفكك حرفيا، وأنها تُدار بمنطق
العصابات، وأن ثورة جياع قادمة لا محالة، وأن السيسي وحاشيته يدفعون البلاد نحو الفوضى
المدمرة".
وأن "القوات المسلحة ستجد نفسها قريبا بمواجهة
غضب الشعب، وجها لوجه، وقد تنزلق الأمور إلى منزلق خطير، يهدد وحدة القوات المسلحة
نفسها"، وفق رأي الكاتب المصري.
ويعتقد أنه "ولذلك ربما تكون هناك قوى إقليمية
أو حتى دولية، أوحت للسادات وجاد أن يُصدرا ما أصدراه من دعوات للجيش للإشراف على
الانتخابات في ظل غياب الإشراف الدولي، ولأحد قياداته (الفريق حجازي، رئيس الأركان
الأسبق) بالترشح".
وتابع: "وربما يرى السادات أن نظام السيسي جاء على ظهر الدبابة وبالمدفع، وأن رحيله بالصندوق درب من المستحيل، وأن إزاحته عن
المشهد يكون بالدبابة والمدفع أيضا".
وأعرب بكر عن اعتقاده بأن السيسي وقياداته
العسكرية في مركب واحد، متوقعا أن "القيادات العليا لن تتخلى عنه، حتى آخر حجر
بجدار الوطن؛ لأن تلك القيادات وافقت، وأغمضت عينها، وصمتت، بل وشاركت السيسي، كل جرائمه
السياسية بحق الوطن، حتى دماء الأبرياء التي سالت، ستُسأل عنها تلك القيادات أيضا".
"مكاسب
الضباط"
أحد ضباط الجيش السابقين، في حديثه
لـ"عربي21"، توقع عدم استجابة الجيش أو أي من قادته لأي من تلك النداءات، أو ما أسماه "مغازلة السياسيين للجيش".
وأوضح أن "استفادة كبار القادة كبيرة"،
مؤكدا "أن لكل لواء سلعة استراتيجية يتحكم فيها، مثل الإشراف على سلع القمح
والأرز والزيت والسكر وغيرها، أو الحصول على توكيل باستيراد خامات أو سلعة أو قطع
غيار دون غيره".
وتابع: "لكل قائد مشروع يستفيد منه ماليا
داخل الجيش، أو إدارة يديرها أو شركة يقودها ويتحكم في كل ما بها بعد خروجه من
الخدمة"، مبينا أنه "لذلك فإنهم لن يفرطوا في السيسي".
كذلك ألمح الضابط الذي خرج من الخدمة
العسكرية برتبة مقدم، إلى أنه "لا يوجد ضابط يمكنه أن يضع نفسه موضع الفريق
سامي عنان، أو مكان العقيد أحمد قنصوة، أو حتى مكان الفريق أحمد شفيق"، في
إشارة إلى تنكيل السيسي بهم.
وينهي العقيد
أحمد قنصوه مدة سجنه في كانون الأول/ ديسمبر 2023، بعد منع السيسي له من الترشح
بمواجهته في انتخابات العام 2018، التي فاز بها السيسي.
وجرى سجن
قنصوة 6 سنوات، والفريق سامي عنان سنتين بعد رفض المجلس العسكري ترشحه ضد السيسي،
ووضع الفريق أحمد شفيق قيد الإقامة الجبرية، إثر قدومه من الإمارات لمنافسة السيسي،
عام 2018.
وللجيش
الذي أصبح العمود الفقري للدولة منذ عام 1952، إمبراطورية اقتصادية عملاقة وتأثير على
السياسة الاقتصادية وتخصيص الميزانية والعقود العامة، وفق تعبير صحيفة "لوموند"
الفرنسية، التي أكدت في آذار/ مارس الماضي، أن "الجيش لا يتخلى عن أي بقرة مربحة".
وقالت؛ إن
"شهية مؤسسة الجيش، نمت بشكل كبير في ظل رئاسة السيسي"، لافتة إلى أن
"72 شركة تخضع لإشراف وزارتي الإنتاج الحربي والدفاع، في ظل غموض مالي كامل،
دون رقابة على حساباتها أو أدائها"، ملمحة إلى احتكار الجيش العقود العامة واستخدام
أراضي الدولة، وعدم قدرة البنوك على رفض أي شيء للجيش.