استقطب
الدوري السعودي لكرة القدم "
دوري روشن" هذا الموسم، أسماء بارزة من كبرى
الأندية الأوروبية، يتقدمهم الفرنسي كريم
بنزيما، والبرازيلي
نيمار، والجزائري
رياض محرز، والسنغالي ساديو ماني، إضافة إلى نجوم آخرين، فضلا عن الأسطورة البرتغالي
كريستيانو
رونالدو الذي حضر مطلع العام 2022 إلى الرياض برفقة نادي النصر.
جلب النجوم
وضخ المبالغ الطائلة في سبيل الارتقاء بمستوى الدوري لينافس كبرى البطولات العالمية، تزامن
مع رفع عدد أندية الدوري الممتاز من 16 إلى 18، وهو ما يعني زيادة عدد المباريات
في الموسم الواحد.
ورغم
الانتعاش غير المسبوق الذي أحدثته السعودية عبر الصفقات الضخمة، وتسليط الضوء
على الدوري من قبل وسائل إعلام عالمية اشترت حقوق البث، إلا أن الحضور الجماهيري ما زال يؤرق الأندية والاتحاد السعودي للكرة.
وبعد مرور
ثماني جولات على انطلاق الدوري (ربع الموسم)، فقد سجلت جل الأندية حضورا
جماهيريا ضعيفا، وكان لافتا أن بعض الأندية الأكثر شعبية على غرار الاتحاد، لم
تنجح في استقطاب مشجعيها بالشكل المطلوب.
أرقام صادمة
رصدت "عربي21" في هذا التقرير أرقاما وإحصائيات مثيرة متعلقة بالحضور الجماهيري في "دوري روشن" للمحترفين.
بعد انتهاء ثماني جولات على انطلاق الدوري، بلغ إجمالي الحضور في المدرجات 586,352 ألفا، بمتوسط 73,294 في الجولة، و8,143 في المباراة الواحدة، وبمتوسط نسبة إشغال للمدرجات 30.2 بالمئة فقط.
وتعد مباراة الهلال والفيحاء على ستاد الملك فهد، الأكثر حضورا للجماهير بـ95,600 مشجع، فيما كانت مباراة الرياض والأخدود الأقل بـ133 مشجعا فقط.
ومن ضمن الأمثلة على معدلات الحضور المتواضعة للجماهير، استضاف نادي أبها منافسه الرياض على ملعب مدينة الأمير
سلطان بن عبدالعزيز (المحالة)، والذي يتسع لنحو 20 ألف متفرج،
إلا أن الحضور في المدرجات لم يتجاوز الـ210 مشجعين، أي بنسبة إشغال للمدرجات لم
تتجاوز الـ1 بالمئة.
وبالنسبة
للأندية الجماهيرية، فقد كان حضور أنصار الاتحاد بالمدرجات غير مرض مقارنة
بالأعوام السابقة. ورغم أن الفريق دخل الموسم الجديد كبطل للدوري، وعزز صفوفه بنجوم من الطراز الرفيع أو "فئة A" كما يطلق عليهم، إلا أن عوامل عدة أبعدت
الجماهير عن الملاعب، وهي مسببات تنعكس أيضا على جماهير أندية أخرى.
وفشل الاتحاد، عميد الأندية السعودية بجلب جماهيره الغفيرة طيلة السنوات الماضية إلى ملعب الأمير عبد الله الفيصل الذي يتسع لنحو 35 ألف متفرج، إذ بلغ الحضور في آخر مباراة بيتية للنادي أمام الفتح نحو 10 آلاف متفرج فقط، أي بنسبة إشغال للمدرجات لم تتجاوز حاجز الـ29 بالمئة.
من ضمن الأمثلة على الحضور الذي لا يرقى للمستوى المأمول أيضا، كانت مباراة قمة
الجولة الماضية بين الهلال والشباب، إذ استضاف "الزعيم" منافسه على ستاد
الأمير فيصل بن فهد (الملز) في الرياض، ووصل الحضور إلى 14,769 مشجعا، بنسبة إشغال
نحو 52.7 بالمئة فقط، رغم التشكيك الواسع من قبل أنصار الهلال بالرقم المعلن.
ويعد نادي الاتفاق من الأمثلة على الحضور الأقل من المتوقع بالمدرجات، فرغم جماهيريته الكبيرة واستقطاباته المميزة هذا الموسم، إلا أن 11 ألفا و364 مشجعا حضروا فقط في الثلاث مباريات التي أقيمت على أرضه في ستاد الأمير محمد بن فهد بالدمام، بنسبة إشغال للمدرج لم تتجاوز حاجز الـ15.1 بالمئة، رغم التحسن النسبي عن الأعوام القليلة الماضية.
الهلال الأعلى رقميا.. والنصر "ممتاز"
يعد ناديا الهلال
والأهلي الأكثر تميزا هذا الموسم من حيث عدد الحضور الجماهيري رقميا في المباريات
البيتية على ملعبي الناديين، إذ سجل الهلال حضور أكثر من 103 آلاف مشجع بعد
لعبه أربع مباريات على أرضه، بواقع 25.7 ألفا بالمباراة الواحدة وبنسبة حضور بلغت
نحو 66 بالمئة.
ومن المفارقات أن أولى مباريات "الزعيم" هي الوحيدة التي أقيمت على ستاد الملك فهد الذي يتسع لأكثر من 68 ألف متفرج، ورغم ذلك فقد حضر 59,600 مشجع هلالي، في حين أن المباريات اللاحقة التي أقيمت على ستاد الأمير فيصل بن فهد (الملز) والذي يتسع لأكثر من 22 ألفا، لم يتم تجاوز حاجز الـ20 ألف مشجع فيها.
المدرج الأهلاوي واصل هو الآخر جذب جماهيره بعد موسم عاش به كابوسا في
دوري الدرجة الأولى عقب هبوطه، إلا أن أنصاره لم يفارقوه طيلة المباريات، بيد أن
عوامل عدة أضعفت الحضور هذا الموسم، فبعد خمس مباريات بيتية فإنه لم يتخط إجمالي
الحاضرين حاجز الـ98 ألفا، وبنسبة إشغال للمدرجات اقتربت من 44 بالمئة.
ورغم الحضور
القوي لجماهير الأهلي في بداية الدوري بحضور أكثر من 24 ألف متفرج للافتتاحية أمام
الحزم، ونحو 23 ألفا أمام الخلود، فقد بدأ العزوف الجماهيري الملحوظ ليصل في آخر
مباراة أمام الاتفاق إلى نحو 14 ألف متفرج..
أما نادي
النصر "العالمي"، فقد كان الأكثر إشراقا في المدرج هذا الموسم، إذ امتلأ الملعب
بشكل شبه تام في جل المباريات، لا سيما أمام الأهلي بحضور 23,524 مشجعا في ستاد
"الأول بارك" الذي يتسع لـ25 ألفا، أي بنسبة إشغال للمدرجات لامست حاجز
الـ94 بالمئة.
ونجح النصر
في جذب الجماهير حتى خارج أرضه، ففي آخر مباراة أمام الطائي بمدينة حائل، حضر 10
آلاف مشجع على ملعب الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي الذي يتسع لنحو 12 ألفا،
بنسبة إشغال تخطت حاجز الـ90 بالمئة. وكان ذات الملعب شهد حضور 1172 مشجعا فقط في
مباراة الطائي وأبها، التي سبقت مباراة النصر.
وفي ثلاث مباريات على أرضه
بملعب الأول بارك (جامعة الملك سعود) نجح النصر بتحقيق أعلى نسبة حضور لفريق بالدوري،
بواقع 86.8 بالمئة، وبإجمالي 65 ألفا (أكثر من 21 ألفا بالمباراة في ملعب يتسع
لـ25 ألف متفرج).
فيما حضرت جماهير الاتحاد على
أرضها هذا الموسم بنسبة 44 بالمئة، وبواقع 60 ألفا في ثلاث مباريات بيتية.
أربعة أسباب
رصدت
"عربي21" في هذا التقرير، أربعة أسباب رئيسية اتفق طيف واسع من الرياضيين
والمشجعين السعوديين على أنها ساهمت في العزوف الجماهيري عن حضور المباريات في الملاعب..
الطقس
شكّل الطقس
الحار، والرطوبة المرتفعة حاجزا أمام حضور نسبة كبيرة من الجماهير إلى الملعب خلال
الأسابيع الماضية.
فبخلاف
المناطق الجنوبية في المملكة، تعد بقية المدن حارة للغاية، فيما تكون الرطوبة
مرتفعة بشكل كبير في المناطق الساحلية وغيرها مما يلعب فيها عدد من الأندية
(الاتحاد والأهلي في جدة، والوحدة في مكة)، و(الاتفاق، والفتح، والخليج) في المنطقة
الشرقية.
ومن أصل 18
ناديا، توجد 9 أندية في منطقة نجد (وسط المملكة)، وهي الأكثر حرارة، إذ تصل في ذروة
الصيف إلى نحو 50 مئوية. والأندية هي: الهلال، والنصر، والشباب، والرياض، إضافة إلى
الفيحاء (في الرياض)، والتعاون، والرائد، والحزم (في القصيم)، والطائي (في حائل).
ويعد ملعب نادي الشباب الجديد، والملعب المرتقب لنادي الهلال، من الملاعب المكيفة في السعودية، على غرار ملاعب مونديال كأس العالم في قطر 2022، وهو ما قد يساعد على حل مشكلة الطقس في موسم الصيف.
أسعار
التذاكر
ترفع بعض
الأندية – غالبا ما تكون غير الجماهيرية – أسعار تذاكرها في مواجهة الأندية
الجماهيرية، كما تقوم بعض الأندية الكبرى برفع متوسط الأسعار، ما يخلق حالة من
الاستياء لدى الأنصار الذين يقرر نسبة منهم عدم الذهاب إلى الملعب.
فعلى سبيل المثال، قررت إدارة نادي العين رفع سعر التذكرة
الموحدة أمام الأهلي في بطولة كأس الملك إلى 207 ريالات (نحو 55 دولارا)، وهو ما دفع طيفا واسعا من الجماهير إلى العزوف
عن شراء التذاكر ما دفع إدارة النادي إلى تخفيضها قبيل المباراة بنحو ساعتين إلى 90 ريالا (24 دولارا)، ورغم ذلك فقد حضر أقل من ألفي مشجع فقط في الملعب الذي يتسع لـ6500 في منطقة الباحة جنوب المملكة.
وتطالب
جماهير الأندية بتوحيد أسعار التذاكر لتتراوح بين 10 إلى 30 ريالا (2.6 – 8
دولار)، علما بأن هذه الأسعار معمول بها في عديد المباريات، وهو ما يجعل أسعار
التذاكر ليست سببا وحيدا للعزوف الجماهيري، بحسب متابعين.
ففي مباريات نادي الشباب البيتية، كان سعر التذكرة الموحدة لا يتجاوز الـ10 ريالات (2.6 دولار)، ورغم ذلك فلم يتجاوز إجمالي الحضور الـ7 آلاف في أربع مباريات، بواقع نحو 1750 مشجعا للمباراة الواحدة.
التوقيت
يعد توقيت المباريات أحد أهم
العوامل في العزوف الجماهيري خلال الجولات الأولى من عمر الدوري، إذ لعبت بعض
المباريات في منتصف الأسبوع، وبوقت مبكر نسبيا (السادسة مساء)، وهو ما يحرم الكثير
من الطلبة أو الموظفين من الحضور.
وتسببت جدولة المباريات في
الجولات الأولى بسخط واسع، ففي الأسبوع الثالث، لعب كل من
الاتحاد، والأهلي، والهلال مباريات أمام فرق مختلفة لكن في توقيت واحد، وهو ما يحد
من دافع الحضور للراغبين بمتابعة بقية المباريات عبر الهاتف أو التلفاز.
ومن ضمن المؤاخذات من قبل الجماهير على توقيت المباريات، تزامن
بعضها مع موعد صلاة المغرب، وهو ما يجعل الحضور عائقا بشكل نسبي أمام الراغبين
بعدم تفويت موعد الصلاة، إذ إن الخروج والدخول في بعض الملاعب ليس سلسا.
وكان لاعب فريق الطائي عبد الكريم الحرابي تحدث عن هذه النقطة،
مشيرا إلى أن "دوري روشن" يلعب في بلد مسلم، وبالتالي يجب مراعاة مواقيت
الصلاة.
جهوزية الملاعب
السبب الرابع والأكثر حساسية
بالنسبة للكثير من الجماهير، هو عدم جاهزية الملاعب بالشكل المطلوب لاستضافة
المشجعين.
ومنذ بداية الموسم يعاني ملعب
مدينة الملك عبد الله "الجوهرة" الخاص بناديي الاتحاد والأهلي في جدة من
مشكلات تسببت في صيانته عدة مرات، وحرمان الناديين من اللعب فيه لجولات عديدة، ومن المرتقب أن يستضيف الملعب قمة تجمع الناديين في الجولة التاسعة بعد اكتمال جهوزيته.
ويقول مشجعو الناديين إن
الملعب البديل "عبد الله الفيصل" ليس مشجعا للحضور الجماهيري، لا من حيث
الموقع، ولا توفر المواقف للسيارات، ولا للبنية التحتية والخدمات.
ذات الأمر ينطبق على جماهير
الهلال المتشوقة لرؤية نجومها الجدد، فبسبب عدم الجاهزية الكاملة لملعب
"الملك فهد"، لعب الهلال مبارياته على ستاد الأمير فيصل بن فهد
"الملز" وهو غير محبب للجماهير لذات الأسباب المتعلقة بالخدمات والبنية
التحتية.
وبانتظار جهوزية ملعبه الجديد والمرتقب "Kingdom Arena"، مطلع العام المقبل 2024 تأمل
جماهير الهلال بمواصلة حضورها بزخم كبير.
الاهتمام بالحوافزلا تقدم الأندية السعودية، لا سيما تلك التي تعاني بشدة من شح الحضور الجماهيري، حوافز ومغريات قوية لجذب المشجعين.
وبخلاف المعمول به من قبل وزارة الرياضة بتوزيع جوائز في المباريات التي يتجاوز فيها الحضور الـ10 بالمئة من المقاعد، فإن الأندية تقوم بخطوات تحفيزية لكن دون تقديم جوائز ثمينة، أو تذاكر مجانية بأعداد كبيرة.
ففي بطولات خليجية أخرى، يتم توزيع تذاكر مجانية لجذب أكبر قدر ممكن من الجماهير، وهي وسيلة طبقت مرارا في الدوريين القطري والإماراتي هذا الموسم. كما أنه يتم من ضمن الفعاليات المصاحبة للمباراة، توزيع جوائز ثمينة، ووجبات طعام.
في حين تقتصر الفعاليات المصاحبة لمباريات الدوري السعودي المنظمة من قبل الأندية، على الألعاب الحركية، وألعاب الفيديو، والرسم على وجوه الأطفال.
وكانت وزارة الرياضة السعودية وضعت منذ أعوام استراتيجية لجذب الجماهير، إذ أطلقت برامج تحفيزية منها منح كل ناد مبلغ مليون ريال (266 ألف دولار) في كل مباراة على أرضه يتجاوز الحضور الجماهيري فيها نسبة الـ90 بالمئة، وينخفض المبلغ بانخفاض النسبة، وصولا إلى الحد الأدنى للمكافأة 100 ألف ريال (26 ألف دولار)، في حال حضر ما نسبته 30 بالمئة من الجمهور فقط.
بالنسبة للجماهير، تقوم وزارة الرياضة بسحوبات ثمينة في المباريات، إذ يتم توزيع سيارة، وهاتفا محمولا في كل مباراة بالدوري على الجماهير، لتحفيزهم على الحضور.