"لو أصبحت كل منازلنا ركاما، وأصبحنا مشردين في الشوارع، لا يهمنا، المهم لدينا هو نجاح المقاومة
الفلسطينية ضد الاحتلال". بهذه الكلمات يُعبّر جُل الأهالي في قطاع
غزة عن تقديمهم "الضريبة الضرورية لدعم المقاومة في القضاء على الاحتلال".
ويقول صهيب، وهو شاب في مقتبل العمر، اضطر للنزوح داخل مدارس الغوث، رفقة عائلته: "كل البيوت في المنطقة التي أقطن فيها باتت دمارا شاملا، وكأنها فجأة تحولت إلى حي للأشباح، وأجبرنا على الخروج منها"، مبرزا في حديثه: "نحن لم نهرب أبدا من منازلنا، بل أجبرنا على تركها بعد أن سُوّيت أرضا".
قصف عُدواني
على مدار يومين مُتواصلين، لم يصل النوم إلى جفون جُل الأهالي في غزة، حيث عاشوا ساعات طويلة على إيقاع قصف متواصل، وأصوات غارات جوية وقذائف الزوارق البحرية؛ فاستهدفت منازلهم، بعد أن كانوا رافضين تركها، ومتمسكين بحقهم في أراضيهم، غير أن "القصف العُدواني" للاحتلال حال دون تمسكهم بقرارهم.
جُل ما في بعض مناطق غزة، بات بين ليلة وضحاها أشبه بـ"الخراب"، حيث باتت ملامح أزمة إنسانية عميقة تلوح في الأفق، وترخي بظلالها على ما يُناهز 2.3 مليون فلسطيني، ولم يرحم القصف العدواني، لا منازل مدنيين، ولا مقرات حكومية، ولا منشآت عامة وخاصة، وذلك عقب أقل من يوم واحد على العملية التي أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية "طوفان الأقصى".
غزة.. موجة نزوح غير مسبوقة
شهادات كثيرة قامت "عربي21" برصدها من ألسنة أهالي مختلف مناطق غزة، وأخرى حصلت عليها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تُبرز ملامح القصف الانتقامي، الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي، ما تسبب في موجة نزوح كبيرة للأهالي نحو مناطق اعتبروها أكثر أمنا، وإلى مختلف المدارس التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
ويقول مراسل "عربي21" في غزة، محمد أبو ضلفة، إن "الأوضاع بشكل عام تتجه نحو ما هو أخطر، حيث إن العديد من العائلات بدأت بترك منازلها واللجوء إلى أماكن يظنونها أقل خطرا، لأن هناك تهديدا للبنايات الكبيرة، فيما يزداد القصف وينذر بمزيد من العائلات النازحة".
وأوضح أبو ضلفة أن "الناس تخشى مجددا من تطبيق سياسة الحزام الناري، التي تسببت بكوارث إنسانية في 2021"، مشيرا إلى أن "هناك مناطق واسعة باتت دون كهرباء أو إنترنت منذ أكثر من 24 ساعة، وهناك ضغط كبير على مزودي الكهرباء من المولدات الخاصة مع تحذير من نفاد الوقود لديها".
وكان المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، عدنان أبو حسنة، قد قال، الأحد، إن "نحو 20 ألفا و300 فلسطيني نزحوا إلى مدارس الوكالة حتى مساء السبت"، وذلك في اليوم الثاني على التوالي من انطلاق بداية الهجوم الفدائي الفلسطيني باتجاه قطاع غزة.
وأوضح عدنان أبو حسنة، في حديثه لوكالة "الأناضول"، أن "هؤلاء النازحين يمكثون في 44 مدرسة تتبع لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، موزعة على مناطق مختلفة من القطاع، والعدد مرشح للازدياد في ظل تصاعد الأوضاع ونزوح المزيد من الفلسطينيين" مبرزا أن "العائلات الفلسطينية تواصل النزوح من منازلها قرب المناطق الحدودية لغزة أو الملاصقة لمناطق استهدفتها إسرائيل في ضربات مكثفة؛ ما أسفر عن تضرر أو تدمير منازل بالكامل".
حرب لا شك أنها ستطول
لليوم الثاني من العملية التي أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية "طوفان الأقصى"، يعيش الأهالي في غزة على وقع، ما يقولون إنها "حرب لا شك من أنها سوف تطول"، حيث أسفرت عن استشهاد حوالي 313 شخصا بينهم 20 طفلا وجرح نحو 1990 آخرين، ونزوح السكان مُجبرين من منازلهم بعد أن سُوّيت أرضا.
ويأتي قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة، كردة فعل وصفت بـ"الغاضبة" من عملية "طوفان الأقصى" التي باغتت بها المقاومة الفلسطينية مناطق الاحتلال، وهي التي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 400 شخص في دولة الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى إصابة 1864 آخرين، بينهم 17 في حالة حرجة، وفقا لوزارة الصحة في الاحتلال الإسرائيلي.