حذر إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية
(حماس) من المضي قدما في مشاريع
التطبيع، على حساب القضية
الفلسطينية، ومعاناة
الشعب الفلسطيني، وما ينجم عن ذلك من إهدار حقوقه وتضحياته.
وقال في كلمته بعد اندلاع معركة "طوفان الأقصى" التي
أطلقتها حركة حماس صباح السبت الفائت، موجها كلامه للدول: "نقول لكل الدول،
بما فيها الأشقاء العرب، يجب أن يعرفوا أن هذا الكيان الذي لا يستطيع أن يحمي نفسه
أمام هؤلاء المقاتلين، لا يقدر أن يوفر لكم أمنا ولا حماية".
وتابع: "وكل التطبيع والاعتراف بهذا الكيان، وكل الاتفاقيات التي
تم توقيعها معه، لا يمكن أن تحسم هذا الصراع، فالصراع يتم حسمه في أرض الميدان،
ويتم حسمه على أيدي هؤلاء المجاهدين الأبطال..".
يشار إلى أن حركة حماس دأبت على التحذير من اتفاقيات التطبيع مع
الكيان الصهيوني التي أقدمت عليها دول عربية عديدة من قبل، والتي كان آخرها ما
قاله ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان عن المفاوضات الجارية بشأن تطبيع
علاقة بلاده مع إسرائيل "نحن نقترب كل يوم".
وأضاف خلال مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، بثتها الأربعاء 20
سبتمبر/ أيلول الماضي: "بالنسبة لنا، القضية الفلسطينية مهمة، ولدينا مفاوضات
جيدة ومستمرة حتى الآن، وسنرى إلى أين ستصل، ونأمل أن تسهل الحياة للفلسطينيين،
وجعل إسرائيل لاعبا في الشرق الأوسط".
ووفقا لمراقبين فإن تحذيرات حركة حماس الدائمة من التطبيع مع
إسرائيل، تأتي لكون اتفاقيات التطبيع تقدم خدمات مجانية للكيان الصهيوني، على حساب
الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتهدر تضحياته وتهمل معاناته المستمرة، ولا تحقق
له أي مكتسبات حقيقية، بل تصب بمحصلتها النهائية في مصلحة
الاحتلال وترسيخ وجوده.
في ظل التطورات الجديدة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، كيف ستنعكس
معركة "طوفان الأقصى" على مشاريع التطبيع واتفاقياته في المنطقة؟ وهل
ستساهم في تغيير مواقف الأنظمة العربية المطبعة، والتي تسير نحو التطبيع؟ وهل
ستتمكن حركة حماس ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى بعد "طوفان
الأقصى" من فرض معادلات جديدة على العلاقات العربية الإسرائيلية؟
من المعروف أن حركات المقاومة الفلسطينية ترفض كل مشاريع التطبيع مع
الكيان الصهيوني، و"تسعى إلى إفشالها، لأنها تأتي على حساب القضية
الفلسطينية، ولم يعد الحديث الآن عن كون العرب يخذلون الفلسطينيين، أو أنهم لا
يقومون بواجبهم تجاههم، فقد بات واضحا تماما حقيقة الموقف العربي العاري تجاه
القضية الفلسطينية، فضلا عن السياسات العربية التي باتت أقرب إلى الاحتلال
الصهيوني، أو المتحالفة تماما معه" وفق الكاتب والمحلل الفلسطيني، ساري عرابي.
ساري عرابي.. كاتب وباحث فلسطيني
وأضاف: "المقاومة الفلسطينية لا تدافع عن فلسطين فقط، بل تدافع
عن الأمة العربية كلها، من الأسرلة ومن إلحاق الأمة بأسرها بالزمن الإسرائيلي، وهي
تفعل ما تستطيع فعله في هذا المجال، ففي ظل أنظمة متسلطة ومتحالفة مع الكيان
الصهيوني، هناك محاولات لتشويه وعي الشعوب العربية تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه
الكيان الصهيوني، وعدم إدراك خطورة أن تُلحق الدول العربية بشكل نهائي بالزمن
الصهيوني الجاري".
وردا على سؤال
"عربي21" حول
تداعيات معركة "طوفان
الأقصى" على مشاريع التطبيع في المنطقة، أكد عرابي أنه "لا يوجد شيء
أصلا ينعكس على مشاريع التطبيع إلا المقاومة، ولا يوجد شيء شجع على المضي في
مشاريع التطبيع إلا مشروع التسوية والسلام، وسياسات منظمة التحرير والسلطة
الفلسطينية، والاعتراف بالكيان الصهيوني".
وتابع: "الكيان الصهيوني تمكن من التمدد في العالم العربي،
وتحويل جزء أساسي من الفلسطينيين، وهو منظمة التحرير، وحركة فتح والسلطة
الفلسطينية، إلى جسر للتمدد في الإقليم والعالم تحت عنوان المفاوضات والسلام
والتسوية، وأن الحديث يجري مع طرف فلسطيني، وتحت هذا العنوان فُتحت أبواب التطبيع،
وقال العرب لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، وما يقبلون به نقبل به، وها هي
القيادة الفلسطينية تتحدث مع الاحتلال وتنسق معه، فلماذا لا نقيم علاقات معه،
ونرتب مصالحنا بناء على ذلك؟".
ورأى عرابي أن "هذه المعركة من شأنها أن تحرك المياه الراكدة في
أوساط الشعوب العربية، كما فعلت الانتفاضتان الأولى والثانية، حينما ساهمتا في تعبئة
الشعوب العربية بالوعي السياسي، وأن المواجهة الحالية بصورتها الاستثنائية عبر
تحقيقها لنصر سريع، واسترداد الشخصية العربية الثقة بنفسها، وانكشاف إسرائيل من
شأنه أن يملأ الجماهير العربية بالثقة من جديد، وأن الإنسان العربي بإمكانه أن
يصنع شيئا".
من جهته لفت الكاتب والباحث المصري، جمال سلطان إلى أن ما كشفته
حرب
"طوفان الأقصى" من هشاشة الكيان الإسرائيلي، وخواء قوته وقدراته
العسكرية، وفشله الذريع وعجزه عن التصدي لمقاتلي المقاومة الفلسطينية، سيضعف
اندفاع الدول العربية نحو التطبيع معه، وطلب الحماية منه، بعد أن ظهر بمظهر العاجز
عن حماية نفسه، والدفاع عن مستوطناته ومواطنيه".
جمال سلطان، كاتب وباحث مصري.
وأضاف: "فمن كان يتصور من الأنظمة العربية أن هذا الكيان سيؤمن
له الحماية، سيضطر لمراجعة ذلك أمام المشاهد التي رآها العالم بأسره، والتي انكشف
فيها الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، وهذا سيؤثر على مسار التطبيع، لا سيما في
أوساط الدول العربية التي تتحفظ على التطبيع، كالكويت مثلا، ما سيعزز موقفها،
وكذلك سيتعزز موقف قطر من التطبيع، وأنه كان موقفا سديدا".
وعن تداعيات معركة "طوفان الأقصى" على التطبيع بين
السعودية وإسرائيل، والتي كانت مفاوضاته تسير بخطوات حثيثة، قال سلطان في تصريحاته
لـ
"عربي21": "إسرائيل كانت حريصة على إنجاز التطبيع مع السعودية،
لأنها تعتبره الغنيمة الكبرى، لكن في تقديري أن هذا التطبيع سيتعثر في ضوء الفشل
الإسرائيلي الذريع في هذه المعركة، بعد انكشاف هشاشة قدراته العسكرية، ما يدفع
السعودية للتشدد في مطالبها وشروطها".
وتابع: "وبعد الذي حققته المقاومة الفلسطينية في هذه المعركة،
فهي على الأرجح ستتمكن من فرض حقوق الشعب الفلسطيني على أية مفاوضات تسعى لتسوية
القضية الفلسطينية، أو أية نقاشات تجري في الشرق الأوسط، أو في العالم، ولا يمكن
تجاوزها بحال في أية مفاوضات أو مشاريع تطبيعية بما ستفرضه المقاومة من معادلات جديدة
في المنطقة".
وفي ذات الإطار علق الكاتب الصحفي المغربي، نور الدين لشهب بأن
"جميع المراقبين والمحللين والمتابعين والمعنيين أجمعوا على أن الحدث فاجأ
الجميع وأذهلهم، وأن ما بعد "طوفان الأقصى" لن يكون كما قبله، بما
يعني أن أشياء كثيرة ستتغير".
نور الدين لشهب، كاتب صحفي مغربي.
وأردف: "القضية الفلسطينية أثبتت أنها هي القضية الواحدة التي
توحد العرب والمسلمين، فقد كنا قبل المعركة الأخيرة نجد نقاشات كثيرة بين مغاربة
وجزائريين، وأمازيغ وعرب، وشيعة وسنة.. هذا مع وهذا ضد.. وهكذا.. لكنهم جميعهم
الآن على كل الاختلافات التي بينهم، يجتمعون على نصرة القضية الفلسطينية وتأييدها".
وإجابة عن سؤال
"عربي21" حول انعكاسات معركة الطوفان على
مشاريع التطبيع في المنطقة، قال لشهب: "التطبيع مع الكيان الصهيوني لا يرتبط
بعلاقة دولة مع دولة، كباقي العلاقات الطبيعية بين الدول المختلفة، فالتطبيع في
حقيقته يتجاوز إسرائيل، لأنها دولة وظيفية للغرب، وهي قد تكون الولاية الواحد
والخمسين لأمريكا، ونحن نلاحظ مصداق ذلك في وقوف جميع الدول الغربية مع إسرائيل في
هذه المعركة، ولا تتوانى عن تقديم الدعم لها".
وتابع: "فإسرائيل هي رأس الرمح للاستعمار في المنطقة، وهي سرطان
يتفشى في جسم الأمة، وقد آن الآوان كي يزول هذا السرطان، والذي يدفع باتجاه
التطبيع ليست إسرائيل وحدها، وإنما هو الغرب وزعيمة الامبريالية أمريكا،
فالاتفاقات الإبراهيمية وقعت في أمريكا، والاتفاق الثلاثي في الرباط حضره كوشنير
في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب".
وختم حديثه بالإشارة إلى أن التطبيع سيظل مستمرا ما استمرت
الفرقة والتشرذم بين الدول العربية، لا سيما مع عدم وجود مشروع عربي سياسي
واستراتيجي واقتصادي موحد، لكن اللافت في هذا السياق أن كل السرديات التي كان يسوق
بها التطبيع من الإشادة بقوة إسرائيل وإمكاناتها العسكرية والاستخباراتية الضخمة
أثبتت فشلها على أيدي المقاومين الفلسطينيين في معركة "طوفان الأقصى".