نشرت مجلة "
بوليتيكو" مقالا
لكبير مراسليها في
أوروبا ماثيو كارنتشنغ قال فيه؛ إن أوروبا لم تعد مضطرة إلى تحمل تلك السخرية المبتذلة لهنري
كيسنجر بشأن الجهة التي يجب الاتصال بها إذا كنت تريد "الاتصال
بأوروبا". فلا أحد يتصل على أي حال.
ومن بين الأوهام الجيوستراتيجية التي
لا تعد ولا تحصى، التي تم تدميرها في الأيام الأخيرة، فإن الإدراك الأكثر واقعية
لأي شخص يقيم في القارة يجب أن يكون هذا: لا أحد يهتم بما تفكر به أوروبا.
وعبر مجموعة من بؤر التوتر العالمية،
من قره باغ إلى كوسوفو إلى
إسرائيل، تحولت أوروبا إلى دور منظمة غير حكومية حسنة
النية، التي كانت مساهماتها الإنسانية موضع ترحيب، ولكن من كل النواحي الأخرى
يتم تجاهلها.
وقال؛ إن الكتلة المكونة من 27 عضوا، تكافح صياغة سياسة خارجية متماسكة؛ نظرا للمصالح الوطنية المتنوعة. ومع ذلك،
لا يزال الأمر مهما، ويرجع ذلك أساسا إلى حجم سوقها. ولكن النفوذ العالمي للاتحاد
الأوروبي يتضاءل، وسط الانحدار طويل الأمد لاقتصاده وعجزه عن استعراض القوة
العسكرية، في وقت يتسم بعدم الاستقرار العالمي المتزايد.
فبدلا من القوة
"الجيوسياسية" التي وعدت بها رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين
عندما تولت منصبها في عام 2019، تحول الاتحاد الأوروبي إلى دولة أوروبية شاملة،
مما يوفر درجة من الارتباك للاعبين الحقيقيين على الطاولة الرئيسية، في حين أنه
في الغالب يحرج نفسه فقط، وسط مجموعة من التناقضات.
ولو كان هذا الكلام يبدو قاسيا، ففكر في الـ 72 ساعة الماضية أعلن
مفوض التوسيع الأوروبي أوليفر فارهيلي يوم الاثنين، أن الكتلة ستعلق "على
الفور" 691 مليون يورو من المساعدات إلى الاتحاد الأوروبي للسلطة
الفلسطينية. وبعد ساعات قليلة، ناقض المفوض السلوفيني يانيز ليناريتشيتش نظيره
المجري، وأصر على أن المساعدات "ستستمر طالما كانت هناك حاجة إليها".
وأعقبت العملية الصحفية للمفوضية بيان، مفاده أن الاتحاد الأوروبي سوف يجري "مراجعة عاجلة" لبعض برامج
المساعدات لضمان عدم توجيه الأموال إلى الإرهاب، مما يعني ضمنا أن مثل هذه
الضمانات لم تكن موجودة أصلا.
أما بالنسبة لمنسق السياسة الخارجية
بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، فإن نتيجة أي مراجعة للمساعدة المقدمة
للفلسطينيين كانت نتيجة مفروغا منها، حيث قال يوم الثلاثاء: "سيتعين علينا
تقديم دعم أكثر، وليس أقل".
خلاصة القول: على مدار 24 ساعة فقط،
انتقلت اللجنة من الإعلان عن تعليق جميع المساعدات للفلسطينيي،ن إلى الإشارة إلى
أن ذلك سيزيد من تدفق الأموال.
ولم يكن رد فعل الاتحاد الأوروبي على
الأحداث على الأرض في إسرائيل أقل ارتباكا. وحتى بينما كانت إسرائيل لا تزال
تحصي الجثث، لجأ بوريل إلى لوم الجانبين.
وأدان بوريل، وهو اشتراكي إسباني،
"الهجوم" الذي تشنه حماس، في حين وبخ أيضا إسرائيل بسبب حصارها لغزة، وسلط الضوء على "معاناة" الفلسطينيين الذين صوتوا لحماس لتتولى
السلطة.
ويتناقض النهج الإسباني بشكل حاد مع
نهج فون دير لاين، التي أدانت الهجمات بشكل لا لبس فيه، وعرضت العلم الإسرائيلي على
واجهة مكتبها.
ومع ذلك، أثارت هذه التحركات احتجاجات
على الفور من أركان أخرى في الاتحاد الأوروبي، حيث شككت كلير دالي، النائبة
اليسارية في البرلمان الأوروبي عن إيرلندا، في شرعية فون دير لاين، وطلبت منها أن
"تخرس".
وبحلول منتصف الأسبوع، كان التحقق من موقف
أوروبا بشأن الأزمة أشبه برمي السهام معصوب العينين.
ولكن إذا قارنت الرسائل الصادرة عن واشنطن، فقد قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطاب خاص بالبيت الأبيض يوم الثلاثاء:
"في هذه اللحظة، يجب أن نكون واضحين تماما.
نحن نقف مع إسرائيل. نحن نقف مع
إسرائيل. وسنتأكد من أن إسرائيل لديها ما تحتاجه لرعاية مواطنيها والدفاع عن
نفسها والرد على هذا الهجوم".
ونظم بوريل يوم الثلاثاء اجتماعا طارئا
لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في عُمان، حيث كانوا يجتمعون بالفعل، لمناقشة
الوضع في إسرائيل. ورفض وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، المشاركة، ولو عن
بعد.
وهذا ليس مفاجئا للغاية، بالنظر إلى
سجل أوروبا بشأن إيران، التي دعمت حماس لعقود من الزمن، التي احتفلت قيادتها
بهجمات نهاية الأسبوع.