بالتزامن مع استمرار عدوان الاحتلال على
غزة، والمزاعم عن التحضير للعملية البرية، بدأت تصدر تقديرات من دولة الاحتلال الإسرائيلي عما تسميه "اليوم التالي" بعد انتهاء الحرب العدوانية، وسط تداول نقاشات دولية، ما أثار خيبة أمل إسرائيلية حول السيناريوهات المحتملة، بين احتلال طويل الأمد، أو تحرك عسكري سريع، ثم خروج سيترك فراغاً، أو دخول السلطة
الفلسطينية، وربما نظاما محليا بمساعدة مصر.
وقال رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، والباحث بمعهد السياسات والاستراتيجية في جامعة رايخمان، مايكل ميلشتاين، إن "العبارة الأكثر تداولاً في الخطاب الإسرائيلي منذ هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، هي "إسقاط حماس"، رغم أن تحديد مثل هذا الهدف، على افتراض أنه يمكن عسكرياً، يتطلب تحليلاً استراتيجياً متعمقاً، ووضوحاً فيما يتعلق بالسيناريو الذي يسعى الاحتلال لتحقيقه، وفوق كل شيء، نهجاً ربما لم يكن موجوداً قبل ذلك الهجوم".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "
يديعوت أحرونوت" العبرية، وترجمته "عربي21" أن "حماس التي تحكم القطاع منذ 2007، تبدو متجذرة بعمق في جميع مستويات المجتمع الغزاوي منذ أكثر من 70 عاما، حتى عندما كانت في التشكيل المبكر لجماعة الإخوان المسلمين، مما يعني أن الضربة القاتلة للحركة تعني تحييد كافة أطرها القيادية، والتصفية الواسعة لكبار مسؤوليها، والتدمير المادي لمؤسساتها، لا سيما المدنية منها".
وتابع بأن "الدعوة، التي تشكل وسيلة الاتصال مع الجمهور، وحرمان مصادره الاقتصادية، والاعتقال الجماعي لعشرات الآلاف من عناصرها، وبالتالي فإن هذه الحرب لن تقدر على استئصال فكرة حماس، لأنها متجذرة في الوعي الجماعي الفلسطيني".
وأوضح أنه "بجانب خيبة الأمل من أن فكرة حماس لا يمكن استئصالها بسهولة، وبسرعة، لا بد من الاعتراف بندرة البدائل، وضعفها، بعضها سيئ، والآخر أسوأ، وتجسّد نموذجا للتحديات، تصاحبها حالة من عدم اليقين العميق بشأن المستقبل، مع توفر بديلين سيئين للغاية يجب تجنبهما: أولهما إعادة احتلال القطاع، والحكم المُحتل الإسرائيلي المطول عليه، وهو ما رفضه الرئيس بايدن علناً قبل أيام، وسيكلف ثمناً أمنياً واقتصادياً وسياسياً باهظاً من إسرائيل قد يغرقها في نماذج للعراق أو أفغانستان، وثانيهما إسقاط حكم حماس، والخروج السريع من القطاع، بما يخلق فراغا تدب فيه الفوضى بفعل توافد العناصر الجهادية من كل أنحاء المنطقة".
وأشار إلى أنه "في أي سيناريو سيكون ضرورياً إنشاء نظام مراقبة مخصص على طول الحدود بين مصر وغزة (محور فيلادلفيا)، بما فيه معبر رفح، الذي يشكل شريان تهريب استراتيجي لحماس، والحديث عن "اليوم التالي"، بما في ذلك التسوية والنظام الحدودي يتطلب نقاشا متعمقا وخططا منهجية حتى قبل العملية البرية، ومحاولة إسقاط حكم حماس".
من جهته، استفسر خبير الشؤون المصرية بجامعة بار إيلان، أودي بيلانغا: "لماذا تخشى مصر من الحرب في غزة، بعد أن ربطتهما 75 عاماً خالية من المودة، ومليئة بالمصالح، فيما اقتنعت مصر دائما بأن إسرائيل تسعى لنقل الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، ولذلك فإن مصر مشغولة للغاية بما يحدث هذه الأيام في غزة، مما يعيد إلى الأذهان سيطرتها على القطاع بين 1949-1967، لكنها طوال هذه الفترة لم تضم غزة إليها، بل سيطرت عليها من خلال إدارة عسكرية".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "
يديعوت أحرونوت" العبرية، وترجمته "عربي21" أنه بعد "1973، سعت مصر لإدراج القضية الفلسطينية في اتفاق كامب ديفيد، بإقامة حكم ذاتي في الضفة وغزة، فضلا عن كون العديد من قادة حركات المقاومة الفلسطينية عاشوا ودرسوا في مصر، ومع ذلك فقد عرفت علاقات القاهرة وغزة صعودا وهبوطا، لكنها توترت منذ سيطرة حماس على غزة في 2007، واليوم فإن الشيء الوحيد الذي يشغل المصريين هو الخوف من موجة اللاجئين الفلسطينيين الذين سوف يخترقون الحواجز على الحدود، ويدخلون أراضيهم، وهذا لن يشكل عبئاً اقتصادياً عليهم فحسب، بل مشكلة أمنية، لأن العديد من عناصر المقاومة في غزة سيدخلون هناك".
ونقلت الصحفية، عمّن وصفتهم بـكبار كتّاب أعمدة الصحافة المصرية قولهم إن "العدوان الإسرائيلي على غزة تحقيق لخطة شيطانية هدفها اقتلاع سكان غزة، وتوطينهم في سيناء، وبالتالي إلقاء القضية الفلسطينية في رعاية مصر، ومحاولة حلّها، وإدخالها في المعادلة كشرطي يحرس أمن الاحتلال".
إلى ذلك، تكشف نقاشات الاحتلال عن جملة بدائل لمستقبل الوضع في غزة، وفق منظوره، لكن احتمالية تطبيقها غير واضحة، وقد تكون أسوأ قليلاً بالنسبة للاحتلال، أولهما محاولة استعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع، وهي التي بالكاد تسيطر على الضفة الغربية، دون اتضاح ما إذا كانت مهتمة بمثل هذه المهمة المعقّدة، وحتى لو تم إنقاذ أبو مازن من تهمة أنه جاء غزة "على حراب الجيش الإسرائيلي"، فليس من الواضح مدى نجاحه فيها.
أما البديل الثاني، من وجهة نظر الاحتلال، فإنه يتركز في تشكيل نظام سياسي، وهو حكم بديل يعتمد على عناصر محلية في غزة من رؤساء البلديات والعشائر والشخصيات العامة البارزة، بمشاركة مسؤولي السلطة، ودعم تدخلات خارجية واسعة النطاق، خاصة من مصر، دون ضمان نجاح أي من هذين البديلين على الأرض.