متابعة المواقف العربية من مذبحة
غزة وتدميرها، هي ضربة على الرأس تعيدنا
لمرحلة الغيبوبة التي تدخل فيها مواقف عربية ودولية مع كل عدوان، لكن هذه المرة
بشكل مختلف من الألم والسخرية المخزية دون الأخذ بالاعتبار لأي قيمة إنسانية
وبشرية للضحايا. وبهذه الفواتير العالية جداً لمحاولة تصفية القضية
الفلسطينية، فإن
المتابع لمجريات العدوان على غزة ولمواقف عربية، بعد عملية "طوفان
الأقصى" يكتشف أن كل ما قيل في التاريخ المعاصر عن نكبة الشعب الفلسطيني، وعن
الخديعة الكبرى في الهزيمة المرتبطة بمواقف خذلان عربي وغيرها من مواقف تخص السلوك
الرسمي العربي من لحظة تشكيل جيش الإنقاذ 1948، إلى الاجتماع الوزاري العربي في
القاهرة 12 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، أن النكبة والهزيمة لا تحدث إن لم تكن
مدعومة بتآمر وتواطؤ ذاتي ومن المستوى الذي نشهده اليوم في بعض الاصطفاف العربي
خلف إسرائيل ونبذ الفلسطينيين ومقاومتهم.
التصريحات الرسمية لوزراء خارجية عرب بعد عملية طوفان الأقصى، ولقادة اجتمعوا
مع وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن، الذي ظهر في عواصم عربية كأنه وزير
الدعاية الصهيونية بما يذكر بجوزيف غوبلز الوزير الذي زور وقائع الجرائم النازية، في
عواصم عربية كرر منها الوزير الأمريكي إيضاحاً لموقف بلاده بتقديم الدعم المطلق وغير
المحدود لإسرائيل، والأهم أن الوزير الأمريكي أخذ على عاتقه تسويق الرواية
الصهيونية في عواصم عربية عن إجرام"
المقاومة" وتكرار مواقف الشيطنة لها
وحق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، دون أن يسمع كلمة حق بشأن مقاومة الفلسطينيين
المشروعة للاحتلال، وبأن إسرائيل مسؤولة عن كل الجرائم الحاصلة لرفضها الامتثال
للقانون الدولي ولمقررات الشرعية الدولية بشأن الصراع. أي بمعنى أن المفردات
السياسية التي تسلح بها العرب سابقا لدعم القضية لم تعد موجودة في لغة الدفاع عن
المصالح العربية والفلسطينية، حتى في سلوك السلطة الفلسطينية أثناء العدوان
المستمر إن كان في الضفة الغربية والقدس، أو على غزة وتصريحات عباس عن تحميل حركة
حماس المسؤولية وبأنها لا تمثل الشعب الفلسطيني، وما قيل بعد ذلك عن سحب
للتصريحات، فإن السلوك على الأرض يعكس التصريحات التي أدلى بها الرئيس عباس وحاولت
وكالة "وفا" التنصل منها.
تلك مواقف فلسطينية، لا تلتفت حتى للجانب الآخر في عدوها وفي تشكيل حكومة
"وحدة وطنية" أو تماسك للجبهة الداخلية للاستمرار في العدوان والمواجهة،
وبما يسمح لتغلغل التواطؤ الرسمي العربي مع إسرائيل ومع الضغوط الأمريكية والغربية
على الشعب الفلسطيني أن تحقق خطوة تصفية القضية الفلسطينية التي أصبح اسمها الرسمي
تحقيق "السلام والتطبيع" بين إسرائيل والعالم العربي. وعلى مدى الأيام
الماضية من العدوان، فشلت كل محاولات إنقاذ غزة، وفشلت معها جهود وقف العدوان وإدخال
المواد الغذائية والدوائية، وبدا صوت العالم كله صهيوني بامتياز، في تكرار حق
إسرائيل في الدفاع عن نفسها.. احتشد العالم خلف الرواية الصهيونية لشيطنة المقاومة
في غزة، مواقف تذكرنا بالحشد الدولي لغزو العراق وتقديم الأكاذيب، ثم تبرير
الجرائم وفبركة الحقائق. وبالمقابل غابت المواقف المساندة للشعب الفلسطيني
ومقاومته المشروعة للاحتلال بالدفاع عن نفسه وصد الجرائم عنه.
نعرف أن الانتقام الوحشي من غزة، ينطلق من الرد على تطور أسلوب المقاومة
فيها، وهو انتقام من تدمير غطرسة صهيونية متأصلة تصدت لها المقاومة في غزة، الأمر
الذي جعلها بنظر أعدائها من صهاينة العرب ومن المشروع الاستعماري محل حقدٍ دفين
ظهر بتلك المواقف التي نتابعها.
كل ذلك، لم يلق تحشيدا رسميا عربيا مواجها للرواية الصهيونية وللضغوط الغربية
والأمريكية، على العكس خرجت مواقف تشي بأن الانحدار العربي وصل لقاع القاع، وأن
السياسة العربية المتفرجة على ما يجري في فلسطين، تراقبها أجيال اليوم بلحظة
الحقيقة المتابعة "على الهواء مباشر" لمجازر صهيونية مدعومة بتحالف دولي
وتواطؤ رسمي عربي، بمواقف تركت السياسة جانباً واتحدت خلف راية صهيونية تارةً
ويهودية في مرات كثيرة، فلم يعد يميز المرء مواقف البعض الصادرة بإسناد اسرائيل على
قاعدة الانتماء اليهودي أو الإيمان بعقيدة استعمارية صهيونية أباحت محو الأغيار عن
الوجود، وأنهت الفاعلية اللفظية حتى لسياسة عربية كانت تندد بجرائم الاحتلال،
وأصبحت اليوم تتحدث عن إدانة الفلسطينيين ومقاومتهم للاحتلال.
أخيراً، بهذا العدوان الإسرائيلي الشامل على غزة وبمواقف الدعم والإسناد له
من أمريكا والغرب إلى مشرق العرب، لا يلتبس الأمر على أحد بأن ما يشبه حرباً
عالمية تشن على غزة على النحو الذي سمع به العالم مواقف النفاق الدولي من إسرائيل
للتعاطف مع جرائمها ومع احتلالها، وذلك ليس جديداً إذا ابتعدنا عن العبارات
المستهلكة في اعتبار مجلس الأمن جزءاً من خارجية أمريكا والتأكيد على الكيل
بمكيالين حيال جرائم إسرائيل وبقية القضايا العربية.
وهذا يؤكد أن لا تغيير في موقف الإدارة الأمريكية جمهورية أم ديمقراطية
بالنسبة لدعم المشروع الاستعماري في فلسطين، وحالة الوحدة في إسرائيل بين مكونات
الفاشية الصهيونية باعتبار الشعب الفلسطيني دمه مستباح.. كل ذلك يؤكد القيمة التي
وصلت إليها سياسة عربية رسمية من قضية فلسطين، مع مواقف باهتة وهزيلة للسلطة
الفلسطينية بتصريح الرئيس أبو مازن المتماهي مع مواقف عربية متصهينة بشأن غزة
والمقاومة الفلسطينية، بينما وهج المذبحة والعدوان على غزة يلمع في سماء كل فلسطين،
دون استفزاز لضمير عربي يسأل عن ضمائر غربية ودولية ورثت أحط أشكالها في نفاقها
لصهيونية قائمة على إبادة الآخر.
twitter.com/nizar_sahli