لم يتوقف الإسرائيليون بعد عن رصد سلسلة الأخطاء التي أوقعتهم في ما يمكن اعتباره أخطر من كارثة 1973 بعد مرور خمسين عاما بالضبط على إحيائهم لها.
بن
كاسبيت المحلل السياسي في موقع "
واللا" نقل عن "كبار الضباط
اعترافهم بأن الدولة تلقت ضربة قوية من هجوم حماس المفاجئ، حدثت لها مأساة فظيعة،
وكان يمكن أن تكون الكارثة أسوأ بكثير، لكنها ثقيلة بما فيه الكفاية، وقد باتت تفهم
أنها أمام حرب وجود، فإذا لم تهزم حماس، فلن تتمكن من البقاء هنا، والنتيجة
الأساسية لإخفاق السابع من أكتوبر أن الإسرائيليين كانوا مخطئين، اعتقدوا أن الحرب
الكبيرة ستكون في الشمال، لكنها اليوم في الجنوب، ويستحيل هزيمة حماس دون دخول
معاقلها ردّا على ما دفعته الدولة من ثمن باهظ".
وأضاف
في مقال ترجمته "عربي21" أن
"الإسرائيليين يعتقدون أنه ليس لديهم خيار آخر، لأن حماس باتت تشكل خطراً على
إسرائيل، لأنها في 1948 لم يكن لديها ما تخسره، وفي 1967 كان لديها الوقت للتحضير
لضربة عسكرية تُدرّس حتى يومنا هذا في الأكاديميات العسكرية، وفي 1973 دفعت ثمن غطرستها،
أما اليوم في 2023 فقد انفجرت في وجهها مفاجأة استراتيجية، ومن جديد لم نتعلم الدرس،
بل تضخّمنا، وأصابتنا خطيئة الغطرسة، وتسمّم السلطة، والشعور بالتفوق اليهودي، ما
أدى إلى تآكل أهم أسس الدولة".
وأشار
إلى أنه "كما حصل معنا قبل خمسين عاما فقد انفجر الواقع علينا، وبات التهديد
المباشر يواجهنا الآن ليس من قوة عربية أو إقليمية مثل إيران، أو مصر، أو سوريا، أو
الأردن، بل من حماس التي فتحت علينا أبواب الجحيم بفعل إخفاقنا ذي الثلاثة رؤوس، الاستخباراتي والعملياتي والاستراتيجي، رغم حيازة الدولة لاستخبارات ممتازة، لكن نقطة ضعفها
أنها اعتمدت مفاهيم مثل "حماس مردوعة" و"احتمال الحرب ضعيف"، رغم
أن كل شيء كان مرئيا، معروضا على الطاولة أمامنا، وتدريبات حماس وتحضيراتها وتصريحاتها،
ولم يكلفوا أنفسهم عناء إخفاء شيء".
وأشار إلى أن "الفشل العملياتي جاء نتيجة للإخفاق
الاستخباراتي، وتمثّل في انخفاض ترتيب القوات، والاعتماد الزائد على التكنولوجيا،
حتى وجد عشرات آلاف المستوطنين أنفسهم مكشوفين أمام ألفي مسلح مدرب ومجهز تجهيزًا
جيدًا، وأصابنا السيناريو الكابوس الذي تخيلناه، رغم تفاخر الإسرائيليين بالعائق
المادي الهائل الذي بناه الجيش حول
غزة بسبعة مليارات شيكل، بجانب انهيار أنظمة
رؤية مطلق النار، وروبوتات، وأجهزة استشعار متطورة، والكاميرات، والبالونات، ما
أوصلنا إلى الفشل الاستراتيجي باعتباره حجر البداية للكارثة".
نير
كيبنيس الكاتب في موقع "
واللا" أكد أن "نتائج كارثة هجوم حماس لم
تتجلّ كلها بعد، لكن أهمها ضرورة أن نعترف بالحقائق وهي أن إسرائيل لم تعد موجودة كدولة
ذات سيادة ومستقلة، لأننا منذ 14 يومًا بات أمنها في أيدٍ أجنبية، رغم أن لديها
أقوى جيش في الشرق الأوسط، وهناك من يقول بأننا نمتلك السلاح النووي، وتكلمنا عن
الذراع الطويلة للجيش، والمخابرات التي تعرف متى يدخل الفلسطينيون حمامات منازلهم،
لكن مستوطنات غلاف غزة كشفت أن الجيش تأخر خمسين ساعة".
وأضاف
في مقال ترجمته "عربي21" أن
"دلالات هجوم حماس المفاجئ أكد أن
الاحتلال يمرّ بلحظة اختبار أكبر بما لا
يقاس من استيلاء المسلحين على بعض المستوطنات والقواعد، لأنه لا أحد يستطيع أن
يؤكد أن الأسوأ أصبح وراء الإسرائيليين، لأن هجوما من الشمال، وربما من إيران،
سيجعل ما رأيناه حتى الآن يبدو عرضا دعائيا سينمائياً، رغم أن كل إسرائيلي علم أن
سيناريو الحرب الشاملة خيار وارد، لكن قادة العالم الغربي أتوا لإسرائيل لأنهم
رأوها تنزف، وهي الأقرب إلى خط المواجهة في الصراع، في ضوء الصحوة الدينية
المسيحية، والتركيز على البروتستانتية المتحالفة مع الصهيونية".
تشير
هذه القراءات إلى أن الاحتلال يقف بين المطرقة والسندان: بين منظومة غربية تقف بجانبه،
وبين جمهور إسرائيلي غير مستعد لأي شيء سوى تحقيق إنجاز سريع في غضون فترة قصيرة
في أسابيع قليلة، الطرف الأول يأتي ومعه مبالغ ضخمة قرابة الـ40 مليار دولار، وهي كلفة
حرب لثلاثة أشهر تقريبا على الاقتصاد الإسرائيلي، إضافة لرسوم إعادة إعمار مستوطنات
الجنوب، والطرف الثاني ينتظر أن يسنّ السيوف لحكامه الذين أخفقوا في حمايته من
هجوم حماس على مستوطنات الغلاف، وقد يتسببون في مقتل جنودهم في شوارع غزة.