مع
حالة التردد التي تطغى على جيش الاحتلال بالنسبة للعملية البرية المزمعة في
غزة،
تتزايد التحذيرات من اجتياحها دون تخطيط مسبق، لأنها قد تورّط الاحتلال في واقع لا
يقل سوءًا عن الواقع الذي كان قائما حتى هجوم أكتوبر، فضلا عن استخلاص الدروس
الأمريكية المريرة من تجاربها في المنطقة.
ميخال
ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز "ديان" بجامعة تل
أبيب، وباحث كبير بمعهد السياسات والاستراتيجية في جامعة رايخمان، رأى أن "الإفراط
الإسرائيلي في المفاهيم العسكرية يؤدي إلى وصف جزئي لتبعات العمل المتوقع في قطاع
غزة، لأن الخطوة المزمعة ليست مجرد "مناورة" أو "دخول بري"،
بل هي خطوة على نطاق تاريخي لديها القدرة على إعادة تشكيل النظام الفلسطيني، ويكون
لها تأثير عميق على الساحة الإقليمية، لذلك، لا بد من التحليل، وعدم اقتصار الأمر
بالتفصيل على مفهوم "تقويض
حماس" الغامض فحسب، بل أيضًا على التخطيط
المتعمق لليوم التالي".
وأضاف
في مقال نشرته صحيفة "
يديعوت أحرونوت"، وترجمته "عربي21" أن "الدخول العسكري المكثف إلى غزة دون مثل
هذا التخطيط قد يوقع "إسرائيل" في واقع لا يقل سوءًا عن الواقع الذي كان
قائمًا حتى 7 أكتوبر، لأنه بين السيطرة المطولة على القطاع، وبين تشكيل حكومة فيه،
ستدخل إليها العناصر المعادية من جميع أنحاء الشرق الأوسط، لأن سكانه يعتمدون على
المساعدات الخارجية، 70% منهم لاجئون، وصغار السن دون الثلاثين 67%، وبنية تحتية
مدنية هشة، وحكم حماس غرس في أذهانهم الكراهية المشتعلة لـ"إسرائيل"،
والحرب كأسلوب حياة".
وأوضح
أنه "في هذا الفضاء الجديد يمكن تأسيس نظام سياسي، وليس تشكيل وعي جديد، وهو
الهدف الذي فشل فيه الأمريكيون في تجربتهم المريرة في أفغانستان والعراق، والدرس
المستفاد أننا لا ينبغي لنا أن نستقرّ في مستنقع غزة، بل صياغة أهداف واقعية
متحررة من الأوهام، وضمن الاختيار بين أسوأ البدائل الاستراتيجية التي تواجه "إسرائيل"،
فمن الصواب أن نفكر في أفكار حول تشكيل نظام جديد قادر على حل المشكلة فيما يتعلق
بالسلطة الفلسطينية، وهي الفكرة التي تمت مناقشتها بين "إسرائيل" وكبار
أعضاء الإدارة الأمريكية، من خلال حكومة مدنية محلية تعيد البناء بعد حماس، وعلى
خلفية الدمار المادي الواسع النطاق في غزة".
وزعم
أن "هذه الإدارة الجديدة في غزة ستتكون من رؤساء البلديات والمجالس المحلية
والعشائر والمنظمات غير الحكومية وفتح، وقد تكون بمثابة عنوان لإدارة الفضاء
المدني وتلقي المساعدات الاقتصادية، مع ضرورة تحليل هذا السيناريو بحذر إلى حدّ
الشك، لكنه البديل الأقل سوءاً بين ما سيواجه "إسرائيل"، لأنه سيواجهها عقبات كثيرة، فمن المشكوك فيه أن تكون السلطة الفلسطينية بكل آلياتها قادرة أو
راغبة في الانتشار في القطاع؛ وليس من المؤكد أن الجمهور في غزة سيظهر موقفاً
متعاطفاً معها؛ ويرجح أن تكون هناك عناصر محلية، بقيادة حماس، ستعمل ضدها بالقوة،
وليس من الواضح دوافع من سيترأس تلك الإدارة المدنية المحلية".
ودعا
إلى "ضرورة الاستعداد الإسرائيلي لهذا السيناريو، بدءاً من تحديد الجهات
المحلية التي يمكن دمجها في الإدارة السلطوية، إلى إجراء اتصالات مع السلطة
الفلسطينية حول هذه القضية، وانتهاءً بالحوار مع الجهات الخارجية الضرورية
لتعزيزها، وعلى رأسها أمريكا ومصر والسعودية والإمارات، وجميعها يجب أن تكون مؤثرة
ومستثمرة في القطاع بدلاً من قطر الداعمة لحماس، وفي أي سيناريو، سيكون من الضروري
إنشاء نظام جديد وسيطرة وإشراف على حدود غزة ومصر عند محور فيلادلفيا، الشريان
الرئيسي للتعزيز العسكري لحماس".
وختم
بالقول إن "ما سيحصل في غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب درس إسرائيلي
مهم لأي نقاش حول التسوية المستقبلية في الضفة الغربية، لأنه في أي سيناريو من
الضروري أن تسيطر "إسرائيل" على غور الأردن، وبالتالي منع التهديدات العسكرية
مثل تلك التي تطورت في غزة".
إيلي
باخار المستشار القانوني السابق لجهاز الأمن العام- الشاباك، ذكر أن "الحرب
الحالية في غزة فرصة كي تغير "إسرائيل" سياستها تجاه غزة، وتنقل السيطرة
عليها من طرف إلى آخر، بعد أن سُمِح لها بزيادة نفوذها على حساب السلطة الفلسطينية،
وهو خطأ لا بد من الاعتراف به، لأن الإسرائيليين دفعوا ثمنه كاملا، لأن المسار
الذي ستختاره "إسرائيل" بعد انتهاء الحرب في غزة سيؤثر على وضعها
الاستراتيجي لسنوات عديدة قادمة، فالمصالح كثيرة ومتضاربة إلى حد كبير، بين الرغبة
باستعادة الردع، واندفاعها للدخول في حرب عصابات دامية وطويلة الأمد في غزة".
وأضاف
في مقال نشره موقع "
ويللا" ، وترجمته "عربي21" أن "اقتحام غزة سيزيد من خطر القتال في وقت واحد على الجبهة الشمالية، وربما
على جبهات أخرى، وفوق كل ذلك، هناك خطر الصراع بين الكتل الأمريكية والروسية وربما
الصينية، وفي خضم هذه الاعتبارات، يتعين على "إسرائيل" أن تعيد النظر في
تصورها لمستقبل العلاقات مع الفلسطينيين، لأنها محور التصعيد في المنطقة كلها،
الأمر الذي يستدعي التوقف عن إضعاف السلطة الفلسطينية لأنه أدى للفشل الدموي في
هجوم السبت، مما يستدعي من "إسرائيل" تغيير هذه السياسة من البداية إلى
النهاية بعد أن ألحقت ضرراً بالغاً بالسلطة".
وأشار إلى أن "السلطة الفلسطينية تمتعت في غزة حتى عام 2007 بقبضة جيدة على الأرض من
خلال تنسيق أمني عالي الجودة مع "إسرائيل"، مما أدى للحدّ الأدنى من
الهجمات، وفي غياب استمرار سياسة إسرائيلية طويلة الأمد، فقد أدت هذه
الاستراتيجية لإضعاف السلطة بشكل كبير، وجعلتها غير ذات أهمية في نظر الفلسطينيين،
وأفسدتها، وكنتيجة مباشرة، عززت حماس على حسابها، مما يستدعي من "إسرائيل"
إجراء تغيير شامل في هذه السياسة تعزيزا لمصالحها الأمنية، أولاً وأخيرا".
وزعم
أن "التوجه الإسرائيلي يكمن في تمكين السلطة الفلسطينية، ربما في المستقبل
المنظور، من تسليم قطاع غزة إلى يديها بعد مرحلة الحرب، وهو أمر بالغ الأهمية من
أجل إعادة تأهيلها، والتوصل معها لتسوية سياسية مستقرة في المستقبل، مقابل غياب المفاهيم
الصهيونية المسيحانية المتمثلة بتجريد الفلسطينيين من الضفة الغربية، والفصل بينها
وبين قطاع غزة، واستمرار سجن غزة دون مخرج".
تقدم
هذه القراءات الإسرائيلية خارطة طريق واضحة لمرحلة ما بعد انتهاء العدوان على غزة،
من خلال التوجه لإضعاف حماس سياسيا وشعبيا بعد تجريدها من قدراتها العسكرية، كما
يطمع الاحتلال، وفي الوقت ذاته، بإحياء بديل سياسي لها من خلال اقتراح تسوية سياسية
مستقرة، تشمل إقامة دولة منزوعة السلاح للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة
بدعم دولي واسع النطاق، بزعم أن ذلك هو الهدف الاستراتيجي الذي يجب أن يحدد مسار
الحرب اليوم، وإلا فسيكون البديل من وجهة النظر الإسرائيلية الحكم على أنفسهم باستمرار
الكوارث على غرار طوفان الأقصى.