نشرت صحيفة "
فايننشال تايمز" تقريرا، عن دور
قطر كوسيط مهم في الحرب بين إسرائيل وحماس، أثار الإعجاب بقدر ما فتح الباب لوابل من الأسئلة حول علاقة الدولة الخليجية مع الجناح السياسي للحركة التي هاجم جناحها العسكري إسرائيل، في تاريخ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
وأوضحت الصحيفة، في التقرير الذي أعدّه أندرو إنغلاند، أن وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكين، سافر إلى الدوحة للحصول على دعم قطر، في تأمين الإفراج عن الرهائن لدى حماس، ومنع توسع الحرب بين حماس وإسرائيل إلى نزاع إقليمي. وفي اليوم التالي زار وزير الخارجية الإيراني، حسين عبد اللهيان، قطر، وشجب إسرائيل وحذر من توسيع قصفها لغزة النزاع. وبعد ذلك التقى عبد اللهيان، الزعيم السياسي لحماس، إسماعيل هنية، وأثنى على "النصر
الفلسطيني"، في إشارة لهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الذي أشعل الحرب.
وتزامنت الزيارات هذا الشهر مع سلسلة من مكالمات أجراها قادة العالم، أكدت على الدور الذي باتت تلعبه الدولة الخليجية على الخطوط الأولى في الأزمة الدولية، وهو دور حصلت فيه على المديح والتمحيص.
والتفت قادة الغرب إلى قطر، منذ هجوم حماس القاتل، قبل عشرين يوما، معتبرين أنها محور رئيسي، باحثين عن دعمها للإفراج عن أكثر من 200 شخص، بمن فيهم أمريكيون وأوروبيون لدى الجماعة المسلحة. وحققت قطر نجاحا حتى الآن في جهودها، حيث وافقت حماس على الإفراج عن أربعة مدنيين، وحظيت إثر ذلك بكل من الثناء والشكر من الرئيس الأمريكي، جو بايدن. وتعمل الدوحة على التوسط في صفقة للإفراج عن خمسين آخرين، حسب أشخاص أحيطوا بالجهود.
وبرزت قطر كوسيط لأنها تستقبل المكتب السياسي لحماس منذ 2012، وأسهمت بدعم القطاع بمليارات الدولارات وهي واحدة من الدول القليلة التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة وإيران.
وتابع تقرير
الصحيفة نفسه، أنه نظرا لحجم هجوم حماس الأخير، فإن قطر تواجه أسئلة حول استقبالها الجناح السياسي للحركة على أراضيها. وبحسب بروفسور الحكم بجامعة جورجتاون في قطر، مهران كمارافا: "إنه سيف ذو حدين ويحتاج القطريون للرسالة الصحيحة لأنه وإن عبر الأمريكيون عن امتنانهم، ويحصلون على نقاط جيدة من الأمريكيين إلا أن صورتهم تتضرر".
وقضت قطر العقد الماضي وهي ترسم دورا لها كوسيط واستعدادها للتحدث مع أولئك الذين يتردد الآخرون بالحديث معهم وإظهار نفسها كحلال مشاكل على المستوى الدولي. وهذا في جزء منه طموح للدولة الثرية التي حاولت أن تضرب فوق حجمها، ولكن قطر ترى في جهودها الدبلوماسية جزءا من استراتيجية أمنية، تأخذ بعين الاعتبار مكامن الخطر التي تواجهها في منطقة ملتهبة ومحاطة بجيران أكبر منها وتحتاج لأن تؤكد أهميتها للولايات المتحدة والقوى الأخرى.
وهي استراتيجية قادت قطر للمشاركة في عدد من المفاوضات، فقد استقبلت قطر مكتبا لطالبان في 2013، وكانت مهمة في عمليات إجلاء الأفغان الذين عملوا مع كيانات أمريكية، ومن هم عرضة للمخاطر قبل عامين. وفي هذا الشهر ساعدت على جمع أطفال أوكرانيين مع عائلاتهم بعدما انفصلوا عنها بسبب الغزو الروسي. ولعبت قطر في أيلول/ سبتمبر دورا محوريا في عملية تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران والتي أدت للإفراج عن 6 مليارات من الأموال الإيرانية لدى كوريا الجنوبية.
إلى ذلك، يضيف المصدر نفسه، أنه تم نقل الأموال إلى صندوق في قطر حيث يراقب للتأكد من عدم استخدامه لشراء سلع محظورة. فيما أسهمت قطر في المحادثات السرية بين إدارة بايدن، ونظام الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، على أمل موافقة الرئيس الفنزويلي عقد انتخابات حرة والإفراج عن السجناء السياسيين مقابل تخفيف العقوبات، حسب شخص على معرفة بالمحادثات.
وفي العام الماضي، صنف بايدن الدولة الخليجية التي تستقبل أكبر قاعدة عسكرية بالمنطقة بأنها "حليف كبير"، من غير الناتو. إلا أن الشجب الذي أثاره هجوم حماس والغضب الذي أثارته ردود فعل إسرائيل ضد
غزة التي تسيطر عليها حماس، دفعت قطر إلى أزمة مشحونة. ونقلت الصحيفة عن كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن "مسألة إسرائيل ملتهبة أكثر ولها ترددات في الميدان العام والسياسي الأمريكي".
وأضافت أن "العلاقات مع إدارة بايدن ممتازة وهناك امتنان كبير لما تقوم به قطر، وهو ما يعطيهم فهما بهذا الوضع الحالي، إلا أن هذا يعتمد بالتأكيد على تحول الأمور"؛ ودعم قطر للفلسطينيين طويل، مع أن جيرانها اتهموها بدعم الجماعات الإسلامية، وكان سببا للحصار عليها في 2017.
ويقول القطريون إن الدولة لا تدعم أو تمول حماس، ووافقت على استقبالها وفتح مكتب سياسي لها بناء على طلب أمريكي، من أجل فتح قناة مع الحركة وقبل عقد. وكان مركز قيادة الحركة في دمشق إلا أنها تركته بعد الحرب الأهلية التي أغرقت البلد. واشنطن طلبت من الدوحة أولا فتح قناة اتصال غير مباشرة عام 2006 وبعد فوز الحركة بالانتخابات الفلسطينية. وسيطرت في العام التالي على القطاع بعد خلاف مع منافستها فتح.
ويؤكد القطريون، بحسب تقرير الصحيفة، أن قطر ظلت المتبرع الرئيسي للقطاع، وعلى مدى العقد الماضي. حيث إنها عملت على إنفاق ما يناهز 10 مليارات دولار شهريا لدعم 100.000 عائلة فقيرة ودفع رواتب الموظفين مثل المدرسين والأطباء، وقدمت التمويل للكهرباء.
وفي السياق نفسه، قال مسؤول قطري "لم يكن الغزيون قادرين على بناء اقتصاد محلي، فما هو البديل؟ وتم إدخال الدعم من خلال التنسيق مع وكالات الأمم المتحدة وإسرائيل، ورقابة إسرائيلية كاملة على الدعم. ولم تقم قطر علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، ولكنها سمحت بافتتاح مكتب تجاري في الدوحة أغلق في حرب 2008/2009 بين حماس وإسرائيل".
وأضاف المسؤول، الذي لم تكشف الصحيفة عن اسمه: "مع كل الوساطات التي كنا جزءا منها، فيجب عدم الخلط بين الحوار والمصادقة، نتحدث مع جماعات مختلفة نظرا لاعتقادنا أن هذا يفتح قنوات اتصال هي الطريق الوحيد لبناء الثقة وحل الخلافات. والبديل هو مزيد من المعاناة على الجانبين". فيما وصف كامارافا، علاقة قطر بحماس بأنها "ليست أيديولوجية ولكن استراتيجية، ولو كنتم الأمريكيين، هل تريد وجود حماس في قطر أم تريدها في دمشق وطهران مدينة لهذه الأنواع من اللاعبين".
ويظل انتقاد علاقة قطر مع حماس محدودا، حيث دعا مشرعون وجماعات ضغط متطرفة في أمريكا لإغلاق مكتب حماس في الدوحة. وقبل وصول الشيخ تميم بن حمد، أمير قطر إلى برلين بساعات، وبعد 4 أيام من هجمات حماس؛ دعت وزيرة الخارجية، انالينا باربوك، أن لـ"قطر مسؤولية واضحة للوقوف ضد هذا الهجوم الإرهابي الوحشي".
بدوره، دعا الحزب الديمقراطي الحر، وهو جزء من التحالف الحكومي في ألمانيا إلى تجميد عقد الغاز مع قطر والذي وقع العام الماضي "فورا". لكن الحكومات الغربية رحبت بدور قطر، ووقعت إيطاليا وفرنسا وهولندا عقودا طويلة الأجل مع الدوحة للحصول على الغاز الطبيعي المسال، ومنذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. وحتى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنيغبي، رحب بدور قطر في الإفراج عن الرهائن "الدبلوماسية القطرية مهمة في هذا الوقت".
ويختتم
التقرير، بالإشارة إلى تعليق، كامارافا، الذي جاء فيه: "عندما تتحدث مع بعض القطريين، يقولون: سيتم انتقادنا، مهما فعلنا، وعلينا ألا نكترث ونعمل الأمر الصواب مهما كان الثمن، ثم هناك البعض الذين يرون أنه تحد حقيقي لقطر".