قضايا وآراء

غزّة الفلسطينيّة والفلوجة العراقيّة!

- جيتي
لا خلاف في أدبيات نضال الشعوب بين مكان ومكان، فالمحتلّ هو المحتلّ في أيّ قارّة وأيّ بلاد، والقاتل هو القاتل لأيّ إنسان فوق أيّ أرض، وتحت أيّ سماء!

ويبدو أنّ للمدن أَقْدَارا مثل أَقْدَار البشر، وعليه كان من أَقْدَار القدس وغزة وبغداد والفلوجة وغيرها من المدن أن ترتبط بالمقاومة والوقوف ضدّ الغرباء والاحتلال.

لقد استطاع الشعب الفلسطينيّ أن يختصر تاريخ المقاومات العربيّة والإسلاميّة والأجنبيّة في نضاله الطويل من أجل تحصيل حقوقه المشروعة!

وتُذكرنا تحديات المقاومة الفلسطينيّة بتحديات المقاومة العراقيّة التي وقفت ضدّ الاحتلال الأمريكيّ بعد العام 2003 في عدّة معارك شرسة رغم قلّة ذات اليد، ولكنّها في نهاية المطاف أجْبَرَت واشنطن على الرضوخ وتوقيع اتّفاقيات الانسحاب مع حكومة بغداد التي نَسَبَت قرار الانسحاب لجهودها، وهذا تزوير كبير للتاريخ النضاليّ العراقيّ القريب!

ومعركة "طوفان الأقصى" الفلسطينيّة تذكرنا بمعركة الفلوجة الأولى، وبصور التشابه بينهما!

إنّ اقتحام مئات المقاتلين الفلسطينيّين لمناطق "غلاف غزّة" بمعركة "الطوفان" دليل على الإصرار والتحدي، لأنّ التقديرات العسكريّة تُرَجّح "مقتل" من يُقْدِم على هذا النوع من العمليات في عمق الأراضي المحتلة!

وخَلّف "طوفان الأقصى" أكثر من 1400 قتيل إسرائيليّ وآلاف الجرحى، ومئات الأسرى، فيما استشهد نتيجة الضربات الجوّيّة والصاروخيّة على غزة قرابة عشرة آلاف فلسطينيّ، غالبيّتهم من الأطفال والنساء والمرضى، وجرح عشرات آلاف المدنيّين مع نزوح مليون آخرين لجنوب غزّة!

أمّا عراقيّا، فقد وقعت معركة الفلوجة الأولى، في الرابع من نيسان/ أبريل 2004 بعد مُحاولة قوّات الاحتلال الأمريكيّة دخول مدينة الفلوجة عَقِب مقتل أربعة عناصر من شركة "بلاك ووتر" الأمنيّة، ولكنّها فشلت!

وقد استمرّ القتال في معركة الفلوجة الأولى لأكثر من شهر ومع ذلك فشلت القوات الأمريكية في دخولها، تماما مثل الحال المستمرّ في غزّة حتّى الساعة، وتكبد الأمريكان، حينها، وفقا لبياناتهم، ٤٨٠ قتيلا، وقدّمت الفلوجة أكثر من 700 شهيد!

وأربكت الخطط الدقيقة للمقاومين العراقيّين القوّات الأمريكيّة التي كانت تُخطط لدخول المدينة، ولهذا لم تُقْدِم واشنطن على الهجوم البرّيّ بمعركة الفلوجة الثانية، نهاية العام 2004، إلا بعد حصار الفلوجة لسبعة أشهر، تماما مثلما تُحاصر "إسرائيل" غزّة اليوم، وتتردّد في دخولها برّيّا!

واستخدمت واشنطن في "الفلوجة الثانية" أسلحة تقليديّة ومحرّمة، ومنها الفسفور الأبيض، تماما مثلما تفعل "إسرائيل" في غزّة الآن!

وسبق لدراسة بجامعة ألستر الأيرلنديّة نهاية تمّوز/ يوليو 2010 أن أفادت بأنّ التزايد الملحوظ في وفيات الأطفال، وأعداد مرضى السرطان واللوكيميا في الفلوجة كان نتيجة القصف الأمريكيّ للمدينة في العام 2004، والذي فاق بتأثيره القنبلة الذرّيّة على مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيّتين عام 1945، وبالمقابل ألقت "إسرائيل"، حتى الآن، أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على غزّة!

واشتركت في "الفلوجة الثانية" القوّات العراقيّة والأمريكيّة وغيرهما، وذلك بعد قرابة سبعة أشهر على "معركة الفلوجة الأولى" وحصار اقتصاديّ صارم، وذات السيناريو يتكرر في المنطقة اليوم، حيث إنّ واشنطن تدعم "إسرائيل" بالجهود الدبلوماسيّة والعسكريّة والإعلاميّة وبلا حدود!

ومن صور التشابه الواضحة بين الفلوجة وغزّة حالة الخراب والهدم، وذلك لكثافة القنابل القاتلة التي ألقاها الاحتلال الأمريكيّ على الفلوجة، وهو ذات التخريب والتدمير المستمرّ على غزّة الجريحة!

ولاحظنا أنّ "إسرائيل" سعت، مثلما فعلت واشنطن في العراق، بإمكانياتها الذاتيّة وإمكانيات غالبيّة دول الغرب إلى تصوير قدراتها العسكريّة والتقنيّة بأنّها بعيدة عن الاختراق، ومنها القبّة الحديديّة التي اخترعتها لحماية نفسها من الصواريخ الفلسطينيّة لكنّ "طوفان الأقصى" أثبت الخلل الواضح في تلك المنظومة الحديثة!

‏لقد دفعت الوقائع الميدانية تلّ أبيب وواشنطن لكشف الحقيقة للرأي العامّ "الإسرائيليّ" والأمريكيّ، ولهذا علّق رئيس الوزراء "الإسرائيليّ" بنيامين نتنياهو على "طوفان الأقصى": "يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 سيتمّ تسجيله كيوم أسود في تاريخنا، وأكثر الأيّام رُعبا لنا"!

وسبق للرئيس الأمريكيّ جورج بوش الابن أن علّق على خسائر قوّاته في "الفلوجة الأولى": "لقد واجهت قوّاتنا أسبوعا قاسياً، لقد ملأت أرقام الموتى قلبي بالعذاب"!

وبعد مرور شهر تقريبا على بداية المواجهات الفلسطينية "الإسرائيلية"، هل ستأخذ تلّ أبيب بنصيحة واشنطن وتتريث أو تتجاهل العملية البرّيّة، أم أنّها ستُقْدِم على خوض التجربة الأمريكيّة بالفلوجة الثانية بهجومها البرّيّ على غزّة؟

twitter.com/dr_jasemj67