صحافة دولية

كيف تشكل اليابان تهديدا للنظام المالي العالمي؟

رجّحت المجلة تضاؤل تدفق رأس المال الياباني إلى بقية العالم - جيتي
نشرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن مدى تأثير اليابان على النظام المالي العالمي.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه حتى مع قيام البنوك المركزية في بلدان أخرى بالترفيع في أسعار الفائدة في السنوات الأخيرة تمسّك بنك اليابان بسياسته الفضفاضة للغاية المصممة لتحفيز النمو، يبلغ سعر الفائدة القياسي في اليابان -0.1 بالمائة، وهو ثابتٌ منذ سبع سنوات.
 
ورغم الضغوط المتزايدة، قرّر البنك في 31 تشرين الأول/أكتوبر تعديل الحد الأقصى لعوائد السندات الحكومية لعشر سنوات.

وقد أصبح سقف العائدات البالغ 1 بالمائة، إذ يشتري البنك كميات هائلة من السندات من أجل الحفاظ عليه، مرجعا وليس قاعدة.

وفي الواقع، بلغت العائدات على السندات القياسية 0.95 بالمائة، وهو أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقد. 

تراجعت قيمة الين إلى 151 مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له منذ عقود. ولم يعد التضخم، الذي ظل مستقرًا لفترة طويلة، منخفضا للغاية - فقد رفع بنك اليابان توقعاته للتضخم "الأساسي" على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

ويتوقع العديد من المحللين أن ينهي البنك المركزي سياسة التحكم في منحنى العائد بشكل نهائي في أوائل السنة المقبلة ويرفع أسعار الفائدة بحلول شهر نيسان/ أبريل.


ولكن حتى عندما يرفع بنك اليابان أسعار الفائدة في نهاية المطاف، فمن المرجح أن يتم ذلك بجزء من النقطة المئوية فقط، مما يعني أن الفجوة بين عائدات السندات اليابانية وبقية العالم ستظل كبيرة، مع ما يترتب عن ذلك من عواقب وخيمة على الأسواق المالية العالمية.

تأثير انخفاض سعر الفائدة على اليابان 


لفهم السبب، ينبغي النظر في التأثير الذي خلفته أسعار الفائدة التي بلغت أدنى مستوياتها في اليابان والتدخل المستمر لقمع عائدات السندات. لقد أدى انخفاض أسعار الفائدة على المستوى المحلي إلى توليد الطلب على الأصول الأجنبية، حيث يسعى المستثمرون إلى تحقيق عوائد أفضل.

وفي السنة الماضية، وصل الدخل من استثمارات اليابان الخارجية إلى 269 مليار دولار أكثر مما حققه المستثمرون الأجانب في اليابان، وهو أكبر فائض في العالم، أي ما يعادل 6 المائة من الناتج المحلي الإجمالي الياباني.

وفي الوقت الراهن، تشكل الفجوة الهائلة بين عائدات السندات في اليابان وتلك الموجودة في بقية العالم خطراً على المستثمرين اليابانيين الذين اشتروا السندات الأجنبية والمصدرين العالميين الذين استفادوا من السياسات اليابانية.

وأوضحت المجلة أن المخاطر تكمن في أكبر الشركات المالية في اليابان، التي تجري استثمارات كبيرة في الخارج. تعتمد تكلفة التحوط على الاستثمارات الخارجية على الفرق بين أسعار الفائدة قصيرة الأجل للعملتين الحاليتين.

وتعد أسعار الفائدة قصيرة الأجل في الولايات المتحدة أعلى بأكثر من خمس نقاط مئوية من نظيرتها في اليابان، وتتجاوز الفجوة العائد على سندات الحكومة الأمريكية لعشر سنوات (4.8 بالمائة). وهذا يعني أن المشترين اليابانيين يتكبدون في الوقت الحالي خسارة عند شراء سندات طويلة الأجل بالدولار.

لهذا السبب، قامت شركات التأمين على الحياة في البلاد، التي تعد من بين المؤسسات الأكثر حرصًا على التحوّط من مخاطر عملتها، ببيع سندات أجنبية بقيمة 11.4 تريليون ين (أي ما يعادل 87 مليار دولار) في السنة الماضية.

الحلول المقترحة 

وأكدت المجلة أن الفجوة الهائلة بين أسعار الفائدة قصيرة الأجل تعني أن خيارات المستثمرين اليابانيين أصبحت الآن محدودة أكثر. وفي هذا الصدد، أعلنت شركتا ميجي ياسودا للتأمين على الحياة وسوميتومو لايف، اللتان كانت كل منهما تمتلك أصولا تزيد قيمتها على 40 تريليون ين السنة الماضية، أنهما ستزيدان من مشترياتهما من السندات الخارجية دون التحوط من التحولات المفاجئة في العملة، وفي الواقع هما يراهنان على الارتفاع المفاجئ في قيمة الين.

ذكرت المجلة ارتفاع العائدات على السندات اليابانية طويلة الأجل، التي ستستمر بالتأكيد في الارتفاع إذا تخلى بنك اليابان عن السيطرة على منحنى العائد، قد يغري المستثمرين المحليين لإعادة أموالهم إلى بلادهم. وتقدم سندات اليابان لأجل 40 سنة عوائد تبلغ 2.1 بالمائة، وهو ما يكفي للحفاظ على رأس مال المستثمرين حتى لو حقق بنك اليابان هدفه المتمثل في بلوغ التضخم نسبة 2 بالمائة.

وحسب مارتن ويتون، من بنك وستباك، فإن "هذا الاحتمال يجب أن يثير قلق الشركات والحكومات في أمريكا وأوروبا التي اعتادت على تعطّش اليابان لسنداتها".

في مثل هذا السيناريو، سيتحوّل مصدر الطلب إلى مصدر ضغط على تمويل الشركات والحكومات الغربية. وقد يرتفع سعر الين بعد ذلك مع قيام المستثمرين اليابانيين ببيع ديونهم بالعملات الأجنبية وبعث استثمارات جديدة على المستوى المحلي. في هذا السياق، يحذر بوب ميشيل من بنك جيه بي مورغان لإدارة الأصول من عقد قادم يقوم على إعادة رأس المال إلى الوطن.

ورجّحت المجلة تضاؤل تدفق رأس المال الياباني إلى بقية العالم، في توجّه ظهر خلال عقد من السياسة النقدية المتساهلة في مختلف أنحاء العالم. وعلى مدى الأشهر المقبلة، سوف يظهر ما إذا كانت المؤسسات المالية المحلية، أو مصدرو السندات الأجنبية، أو كلاهما، ستطالهما تداعيات ذلك.