بعد مرور شهر
كامل على الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على
غزة، لا يبدو أن ثمة إنجازا عسكريا
ذا بال حققه هذا العدوان، باستثناء ترسيخ صورته كعدو قاتل يثمل لرؤية الدم
الفلسطيني، هذا في المجال الحيوي العربي، أما في أوساط الجمهور في العالم الغربي
تحديدا، فصورته كـ"ضحية" باتت تثير السخرية، فهو الآن قاتل محترف يجيد
إلقاء أطنان من القنابل على بيوت السكان الآمنين المدنيين، ولا يعبأ بأرواح الآلاف
الذين لا شأن لهم بالمعارك، بل يمعن في تجويعهم ومنعهم من أبسط الشروط التي تبقيهم
على قيد الحياة. "
إسرائيل" اليوم في وجدان غالبية جمهور العالم تصنع
محرقة جديدة في غزة، ويبدو أن سنوات طويلة ستمر قبل أن "ينظف" الكيان
هذه الصورة، فما بالك وهم مستمرون اليوم وغدا وبعد غد وربما أسابيع وأشهرا في
ترسيخ هذه الصورة؟
وهذا يقودنا إلى
الواقع الذي يعيشه الكيان في البعد العسكري، ووفق ما يرونه هم لا نحن.. الجنرال
(احتياط) غيورا عرض يوم السبت الماضي تنبؤا وصف بأنه "متشائم" حول تقدم
العملية البرية، في مقابلة مع قناة "أخبار 12" العبرية، حيث قال:
"نحن لا نرى أي علامات على انكسار
حماس، ونحن نشاهد أنهم ينفذون عمليات معقدة
ومنسقة بواسطة الحوامات وقذائف الهاون والصواريخ المضادة للدروع. هؤلاء ليسوا
أفرادا يحاربون من اجل أنفسهم، بل هم منظومة تعمل. هم يمكنهم تحريك القوات من مكان
إلى آخر، ويسيطرون على الأقل على 80 في المئة تحت الأرض ويعرفون كيفية الرد بسرعة
على ما نفعله. غزة ما زالت الهدف المحصن الأكبر في العالم".
رؤية هذه الراية حلم لطالما تحدثت عنه النخب العسكرية والإعلامية الصهيونية في كل الحروب التي خاضتها غزة مع الكيان الصهيوني، وبالطبع لم ير أحد في الكيان هذه الراية، وبالتأكيد لن يروها، ولكن المهووسين في الكيان بالنصر المستحيل لم يزالوا يحلمون، بل إن ثمة من بدأ يخطط كي ستكون عليه غزة بعد رفع تلك الراية، ولمن سيتم تسليم غزة، ومن سيحكمها
هذا الاعتراف،
يفضي إلى سؤال: متى يرى العدو "الراية البيضاء" التي سترفعها حماس؟
رؤية هذه الراية
حلم لطالما تحدثت عنه النخب العسكرية والإعلامية الصهيونية في كل الحروب التي
خاضتها غزة مع الكيان الصهيوني، وبالطبع لم ير أحد في الكيان هذه الراية،
وبالتأكيد لن يروها، ولكن المهووسين في الكيان بالنصر المستحيل لم يزالوا يحلمون،
بل إن ثمة من بدأ يخطط كي ستكون عليه غزة بعد رفع تلك الراية، ولمن سيتم تسليم
غزة، ومن سيحكمها، وما شكل هذا الحكم، يعني بدأ النقاش على كيفية استخدام جلد الدب
قبل اصطياده!
في جانب آخر من
الصورة، صورة ومخيال المستوطنين: غزة ستتحول إلى "منتزه" لهم، أو يمكن
بناء عدد من المستوطنات، طبعا بعد محو سكانها عن الوجود، إما موتا أو هجرة، أو
اختفاء بصورة ما من "السجل المدني"!
إنهم يحلمون،
وأقدامهم تغوص في الوحل، والواقع الذي يجري على الأرض، كما هو رأي الجنرال احتياط
آيلاند، هو السائد الآن فعلا، وصورة النصر الذي يحلمون به أبعد الآن من اللحظة
التي شنوا فيها العدوان قبل شهر.
وماذا عن الدعم
غير المحدود الذي يجده العدوان من أمريكا والغرب؟ ماذا عن "الشيك على
بياض" الذي أعطي للكيان، لإنهاء المقاومة ومسحها عن الوجود كما يقولون؟ هل
صحيح أن الدعم الغربي والأمريكي سيظل مفتوحا بلا نهاية، حتى لو لم يحقق الكيان أي
إنجاز يعتد به؟ ما المهلة المعطاة -أمريكيا بالتحديد- لجيش الاحتلال لإنجاز مهمته
في غزة؟
كان الأمريكيون
ولم يزالوا يتحدثون عن "مهلة" أسابيع لإنجاز المهمة، لكن
"إسرائيل" تتحدث عن أشهر، وبعضهم عن سنوات، فهل يحتمل العالم مثل هذا
الهذيان؟ بل هل يمكن لإسرائيل نفسها أن تعيش مع هذا "الخراب" الذي ينتشر
في جنباتها، والدمار الاقتصادي الذي بدأ ينهشها؟ وصفارات الإنذار التي ما فتئت تنعق
في أجوائها؟
كان الأمريكيون ولم يزالوا يتحدثون عن "مهلة" أسابيع لإنجاز المهمة، لكن "إسرائيل" تتحدث عن أشهر، وبعضهم عن سنوات، فهل يحتمل العالم مثل هذا الهذيان؟ بل هل يمكن لإسرائيل نفسها أن تعيش مع هذا "الخراب" الذي ينتشر في جنباتها، والدمار الاقتصادي الذي بدأ ينهشها؟ وصفارات الإنذار التي ما فتئت تنعق في أجوائها؟
ربما نجد إجابة
عن كل هذه الأسئلة، وكثير غيرها، يطرحها الشارع العربي أيضا، فيما كتبه ناحوم
برنياع في "يديعوت احرونوت" يوم 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، بعنوان
"آلة كذب في منتصف الحرب":
"عندما يبدأ مصدر أمني كبير بتحديد
إنجازات الحرب وفقا لعدد القتلى في الطرف الآخر -2000، 10.000، 20.000- فأنا قلق.
هكذا سوق الجنرالات حرب فيتنام للرأي العام في أمريكا، لم يفهموا أن ما سيحسم مصير
الحرب سيكون عدد القتلى في طرفهم، وليس في طرف العدو".
أما الأهم مما
قاله برنياع، فقد عبر عنه بطريقة مفجعة محرر الشؤون المالية في موقع
"والا" العبري نير كبنيس: "منذ أربعة أسابيع مضت، متنا جميعا
واستيقظنا من جديد على عالم لن يكون كما كان بعد الآن. من الصعب معرفة إلى أين
سيتجه الإسرائيلي المولود في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، الأمر المؤكد هو أن هذا هو
الشخص الذي لا يزال يجد صعوبة في التعرف على نفسه في المرآة".
ترى هل حقا هل
تشعر "إسرائيل" أنها على قيد الحياة بعد أن ماتت يوم السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر الماضي؟