يفتح العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي، عقب هجوم مباغت نفذته كتائب عز الدين القسام الجناح
العسكري لحركة حماس، على مواقع للاحتلال الإسرائيلي يوم السابع من
تشرين الأول الماضي، الباب واسعا أمام سيناريوهات متعددة وتغيرات قد تكون
عنيفة في الشرق الأوسط.
ومنذ اللحظات الأولى لهجوم "حماس" فقد بدأ الاصطفاف الأمريكي والغربي جليا وواضحا لدعم "إسرائيل"، وتحرك المسؤولون الأمريكيون بسرعة كبيرة إلى الشرق الأوسط للتعبير عن
دعمهم ووقوفهم إلى جانب كيان الاحتلال الإسرائيلي، فيما بدأ ما يعرف بمحور المقاومة، الذي
يضم إيران وحلفاءها تحركاته السياسية والميدانية في مواجهة حلف
واشنطن.
تحركات في الميدان وسجال سياسي
رصد موقع "عربي21" أبرز المواقف
السياسية والميدانية لكل من
طهران وواشنطن خلال الأيام الماضية، وقد أعلنت
مليشيات مقربة من إيران في
العراق تسمي نفسها المقاومة الإسلامية، مساء أمس الاثنين، عن شنها 6 هجمات على 4 قواعد عسكرية أمريكية في العراق وسوريا منها 3 هجمات على
قاعدة "عين الأسد" الأمريكية غرب العراق، إضافة إلى هجمات على قاعدة
أمريكية قرب مطار أربيل شمال العراق، وهجمات على قاعدتي "تل البيدر"
شمال
سوريا و"التنف" جنوبها.. وقالت إن هجماتها حققت "إصابات
مباشرة" واستخدمت فيها "أسلحة مناسبة" بحسب البيان.
فيما شدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال لقائه أمس مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، على أن
الولايات المتحدة " ستواصل الرد" على هجمات المليشيات التي تدعمها
إيران على القوات الأمريكية في سوريا والعراق.
وأكد بلينكن أن الجنود الأمريكيين في
سوريا والعراق "هم موجودون للمساعدة في منع عودة ظهور داعش"، مشدداً على أن
الولايات المتحدة "ستفعل كل ما هو ضروري لردع أي هجمات والرد عليها".
وفي ظل هذا السجال السياسي والميداني يتصاعد
الصراع الإيراني الأمريكي في سوريا إلى مرحلة متقدمة عن السنوات السابقة، وتقف
الأزمة الواصلة إلى حدود الانفجار إلى أعلى مستوياتها بانتظار شرارة بداية قد تشعل
المنطقة برمتها.
ما هو هدف هذه الهجمات؟
يقول المتخصص في الشأن الإيراني ضياء
القدور في حديثه لصحيفة "عربي21"، إن إيران وأذرعها تمتلك عناصر قوة في شمال شرق سوريا والعراق تستطيع من خلالها الضغط على القوات الأمريكية في المنطقة، وهو ما
أكدته الوقائع الميدانية بعد إعلان الولايات المتحدة إصابة أكثر من عشرين عنصرا من
قواها في هجمات مليشيات إيرانية على قواعدها العسكرية في سوريا والعراق.
ويشير القدور إلى أن إيران ترى أن
واشنطن هي عراب ما يحصل في غزة معتبرا أن "إسرائيل" هي الذراع التنفيذية لذلك، وترى إيران أن عمليات الاستهداف لقواعد الولايات المتحدة والتحالف الدولي، هي أداة
ضغط مناسبة وهي الساحة المناسبة لها، والتي يمكن من خلالها الضغط على واشنطن لإيقاف
عدوان "إسرائيل" على غزة، كما أنها ساحة منضبطة التوتر، أي أنها لا تأخذ إيران
والولايات المتحدة نحو مواجهة شاملة وهو ما لا تريده أي من طهران واشنطن.
العدوان على غزة محور الصراع
يعبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني
بلينكن منذ اللحظات الأولى عن وقوفه إلى جانب الاحتلال بالقول في مقر وزارة الدفاع
الإسرائيلية في "تل أبيب" وفق ما نقلت صحيفة
واشنطن بوست: "لقد جئت أمامكم ليس
فقط كوزير خارجية الولايات المتحدة ولكن أيضا كيهودي".
يضيف بلينكن: "فر جدي موريس بلينكن
من المذابح في روسيا. زوج أمي صموئيل بيسار نجا من معسكرات الاعتقال النازية"، و"أنا أفهم على المستوى الشخصي الأصداء المروعة التي تحملها مذابح ’حماس’ لليهود الإسرائيليين، وفي الواقع، لليهود في كل مكان" بحسب تعبيره.
فيما وصل بايدن إلى "إسرائيل" بعد أربعة
أيام فقط من اندلاع الحرب، ورافق وصوله ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة مروعة
في مستشفى المعمداني الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية وخلف أكثر من 500 شهيد
فلسطيني، فوجه بايدن الاتهامات للفلسطينيين في ارتكاب تلك المجزرة تعبيرا على وقوفه
الكامل إلى جانب الاحتلال.
لم يقتصر الدعم الإسرائيلي على الولايات
المتحدة، إنما تعدى ذلك إلى دول أوروبية، وقد وصل في أقل من 10 أيام على بدء الحرب
زعماء دول أوروبية وغربية ومنهم الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني والمستشار
الألماني وغيرهم، للتعبير عن وقوفهم إلى جانب الاحتلال ضد إرادة الشعب الفلسطيني.
وفي المقلب الآخر تقف كل من إيران وما يعرف
بمحور المقاومة إلى جانب حركة حماس والشعب الفلسطيني في مطالباتهم بحقوقهم في إقامة
دولة فلسطينية عاصمتها القدس المحتلة.
فبدأت تحركات المحور من خلال الميدان حيث أشعل
حزب الله الجبهة الشمالية لـ"إسرائيل" بوتيرة محدودة، اقتصرت على القصف المتبادل بالقذائف والصواريخ، فيما نشطت تحركات لمليشيات تابعة لطهران في كل من سوريا
والعراق، استهدفت مواقع للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، من
قاعدة
التنف في سوريا وقاعدة عين الأسد في العراق وقواعد أمريكية أخرى في شرق سوريا تضم قوات
أمريكية وأخرى للتحالف الدولي.
وتبع ذلك استهداف إسرائيلي وأمريكي لمواقع تلك المليشيات
في سوريا والعراق، ما يطرح السؤال الكبير: هل يشعل العدوان الإسرائيلي على غزة حربا
واسعة بين إيران وحلفائها مع الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط؟
واشنطن تستنفر قواتها
وكنتيجة؛ تحرك الولايات المتحدة قواتها العسكرية
الأمريكية في الشرق الأوسط وتضعها في حالة تأهب قصوى تحسباً لهجمات إضافية.
ونشر بايدن مجموعة حاملة الطائرات
القوية “يو إس إس جيرالد فورد” في شرق البحر الأبيض المتوسط، في استعراض للقوة
يهدف إلى منع الصراع في المنطقة من الانتشار إلى أبعد من ذلك، بين "إسرائيل" و"حماس".
ونشر الحساب الرسمي لحاملة الطائرات الأمريكية فيديو يظهر تحرك الحاملة باتجاه البحر الأبيض المتوسط، ويقول مسؤولون دفاعيون إن مجموعة حاملة طائرات أخرى، وهي “يو إس إس
دوايت دي آيزنهاور”، تبحر باتجاه البحر الأبيض المتوسط، وستنتقل في النهاية إلى
الخليج العربي، لتضعها في المياه قبالة سواحل إيران.
وإلى جانب مجموعات حاملات الطائرات،
لدى الولايات المتحدة أيضاً طائرات متمركزة في قاعدة إنجرليك الجوية في جنوب
تركيا، وأضافت طائرات مقاتلة إضافية إلى المنطقة.
كما أن مجموعة “باتان” البرمائية
الجاهزة المكونة من ثلاث سفن، والتي تضم ألف جندي من مشاة البحرية، في حالة تأهب
قصوى في مكان قريب.
وتوجد أيضاً قوات أمريكية متمركزة في
قاعدة “عين الأسد” الجوية في العراق، وفي حامية التنف في سورية، للمساعدة في
مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة.
وكانت القوات الأمريكية في هاتين
القاعدتين قد تعرضت، هذا الشهر، لهجوم متكرر من القوات المدعومة من إيران.
صراع منضبط.. ماذا تريد واشنطن وماذا
تريد طهران؟
يقول رايان كروكر، في تصريحات
لصحيفة
التايم الأمريكية وهو دبلوماسي متقاعد وشغل منصب سفير في الشرق الأوسط إن تصرفات
إيران تهدف إلى جر الولايات المتحدة بشكل أعمق إلى صراع مباشر وإذا نجح هجوم شنته
الجماعات المسلحة الإيرانية في قتل أي جندي أمريكي، فإن بايدن سيكون تحت ضغط هائل
للرد بقوة، مما يجعل الولايات المتحدة أقرب إلى حرب مباشرة مع طهران.
ويتابع كروكر: إذا حالف الحظ القوات
المدعومة من إيران وقتلت 20 جنديا أمريكيا أيضا، فستضطر الإدارة إلى القيام برد
كبير، وفي هذه المجموعة المستهدفة يجب أن تكون أهدافاً داخل إيران نفسها.
ويوضح ما سبق مدى السرعة التي قد يتحول
بها الصراع الذي بدأ بهجوم حماس في غلاف غزة إلى حرب أوسع نطاقا، مع عواقب مدمرة.
ويقول المتخصص بالشأن الإيراني ضياء
قدور في حديثه لـ "عربي21": "إن تاريخ الصراع بين الولايات المتحدة وإيران
وحلفائها منضبط إلى حد ما في هذه المنطقة، ولا يمكن أن يتحول إلى صراع شامل مقتصرا
على المناوشات والاستفزازات وهو ما يمكن تفسيره بأن الجانب الإيراني هو من يبدأ
بالتصعيد وفي المقلب الأخر نلاحظ أن الجانب الأمريكي يسعى دائما إلى التهدئة ولا
يريد الدخول في حرب مفتوحة".
ويضيف: تريد الولايات المتحدة حصر
الصراع في غزة ولا تريد توسعة رقعة المواجهات في المنطقة وهو ما تؤشر له التحركات
الأميركية في المنطقة من خلال حشد قواتها العسكرية وهو لا يعني بالضرورة هدفه
مساعدة إسرائيل لأنها تمتلك ما يكفي من أدوات القتل للشعب الفلسطيني أو على الأقل
خوض هذه الحرب دون دعم عسكري من واشنطن وإن هذه التعزيزات الأميركية ماهي إلا
رسائل للجميع وعلى راسهم الإيرانيين والروس وحتى الصين، مفاد هذه الرسائل أن
انزلاق الصراع خارج الأراضي المحتلة وغزة هو خط أحمر أمريكي وأن هذه التعزيزات
لضبط إيقاع الصراع لإنهاء إسرائيل مهمتها بالقضاء على حركة حماس.
رسائل نادرة والمنطقة على حافة الهاوية
وقبل ساعات من شن الضربات الأمريكية
على منشآت الحرس الثوري في سورية استخدم بايدن القنوات الدبلوماسية، لإرسال
رسالة
نادرة مباشرة إلى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي.
وقال الرئيس بايدن في البيت الأبيض: إن
تحذيري لآية الله هو أنهم إذا واصلوا التحرك ضد تلك القوات، فسوف نرد، وعليه أن
يكون مستعدا.
فيما حذر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في
بيان له من أن “هذه الهجمات المدعومة من إيران ضد القوات الأمريكية
غير مقبولة، ويجب أن تتوقف”.
وقال أوستن: “إيران تريد إخفاء يدها
وإنكار دورها في هذه الهجمات ضد قواتنا”.
وتابع: “لن نسمح لهم. إذا استمرت هجمات
وكلاء إيران ضد القوات الأمريكية، فلن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات اللازمة
لحماية شعبنا”.
فيما يقول القدور لـ"عربي21"، إن الصراع
في الشرق الأوسط هو صراع حافة الهاوية والذي قد يشعله أي خطا يرتكب من قبل الأطراف
المتصارعة وما يمكن أن يرفع من وتيرته تدخل روسيا من خلال ميليشيات إيران في شرق
سوريا والعراق للنيل من القوات الأميركية انتقاما من تدخلها إلى جانب أوكرانيا في
الحرب الروسية على كييف وهو مرتبط بمدى اقناع موسكوا لإيران بتنفيذ هذه المهمة.
الشرق الأوسط على صفيح ساخن
يقول جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة
سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في
برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي: “لقد
قامت الإدارة حتى الآن بالأمر الصحيح".
ويضيف أن المخاطر في هذه اللحظة
الحالية تتجاوز مجرد قيام القادة على كلا الجانبين بتنظيم هجمات مستهدفة في
المنطقة.
ويتابع بانيكوف بأن أكبر ما يقلقني هو
احتمالات التصعيد غير المقصود.
وأمضت إيران سنوات في تمويل وتسليح
وتدريب الميليشيات في العراق وسورية واليمن، فضلاً عن دعم حماس في غزة وحزب الله
في جنوب لبنان، الذي يمتلك ترسانة قوية من الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تصل
إلى عمق إسرائيل.
ويقول بانيكوف إن وابل الصواريخ من حزب
الله يمكن أن يقتل جنودا إسرائيليين عن غير قصد، أو يُنظر إليه على أنه أكثر شدة
مما كان مقصودا.
وقد يؤدي ذلك إلى إطلاق سلسلة من
الأحداث التي سيكون من الصعب إيقافها، ويشير ذات المتحدث: إنني أشعر بالقلق في
المقام الأول بشأن احتمال أن ينتهي الأمر بالصراع الذي لم يكن يرغب فيه أي شخص.
وكثيراً ما يتبادل حزب الله والجيش
الإسرائيلي إطلاق النار على الحدود الشمالية لإسرائيل.
وحتى الآن، بينما تركز إسرائيل على غزة
في جنوبها، لا توجد إشارة إلى أن إيران تريد من حزب الله أن يشن هجوما كبيرا على
الضفة الأخرى من ساحة الصراع في فلسطين المحتلة.
وفيما تشير المعطيات التي تدور في
المنطقة إلى محاولة إيران المناورة والتلويح بعصى الميليشات الداعمة لها لتحقيق
طموحاتها في امتلاك السلاح النووي بعد ان فشلت جميع المفاوضات بين طهران وواشنطن
حوله.
وعندما تولى بايدن منصبه، حاول البدء
في دعم الاتفاق النووي المصمم لتقييد تقدم إيران نحو القنبلة النووية التي ألغاها
الرئيس دونالد ترامب، لكن تلك الجهود تعثرت.
ويقول كروكر، الدبلوماسي الأمريكي
السابق لفترة طويلة: أنا واثق من أن لديهم القدرة الداخلية على إنتاج سلاح نووي،
لذا فإن الأمر ببساطة هو السؤال عما إذا كانوا سيقررون سحب الرافعة من ذلك وتطوير
سلاح.