تتزايد مخاوف معارضين
مصريين ومراقبين للشأن المصري من تزايد نفوذ رجل الأعمال السيناوي المقرب من رئيس
النظام المصري عبدالفتاح
السيسي، في شبه جزيرة سيناء، ومن توغله داخل أجهزة تنمية تابعة للجيش المصري بالمنطقة الاستراتيجية والمهمة للأمن القومي المصري.
والثلاثاء الماضي، نشرت الجريدة الرسمية القرار رقم (234 لسنة 2023)، الذي ينص على تعيين إبراهيم العرجاني، عضوا بـ"الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء"، الهيئة الاقتصادية التابعة لوزارة الدفاع المصرية، وفق ما أكدته منظمة "سيناء لحقوق الإنسان".
وكان السيسي، قد أصدر قرارا جمهوريا في 19 كانون الثاني/ يناير 2022، وعقب تصديق وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي بإضافة العرجاني لمجلس إدارة الجهاز، قبل أن يعاد تشكيله الثلاثاء الماضي بقرار وزير الدفاع، متضمنا اسم العرجاني.
وجرى تدشين الجهاز بقرار مجلس الوزراء رقم (915 لسنة 2012)، لكنه قبل عامين أصدر وزير الدفاع الفريق أول محمد ذكي، القرار (رقـم 256 لسنة 2021)، بنقل الولاية الإدارية والإشرافية عليه لوزارة الدفاع بدلا من مجلس الوزراء.
كما أصبحت تطبق على أعمال الجهاز القواعد والأحكام السارية على الهيئات الاقتصادية بالقوات المسلحة، في قرار رآه مراقبون يجعل من كامل سيناء منطقة عسكرية ملكا للجيش، ويضع أعضاء الجهاز وبينهم العرجاني داخل خطط وأعمال الجيش بالمنطقة الثرية بالكثير من المواد الأولية.
واعتبر ناشطون إعادة تعيين العرجاني في التشكيل الجديد للجهاز إهانة لضباط الجيش المصري؛ نظرا لسجله الإجرامي السابق، وبينهم ضابط أمن الدولة السابق والمعارض شريف عثمان، قائلا؛ إنهم يتساوون بهذا مع "تاجر المخدرات"، و"قائد مليشيا سيناء".
"من هو؟"
والعرجاني، المولود في "الشيخ زويد" بمحافظة شمال سيناء، يعد أبرز أفراد قبيلة الترابين، ورئيس اتحاد قبائل سيناء، وأحد الوجوه المؤثرة على الساحة السيناوية، الذي توغل لاحقا في الساحة الاقتصادية والسياسية والرياضية في البلاد، فيما يمتلك مجموعة اقتصادية تتصاعد أسهمها بشكل مطرد منذ سنوات.
ويترأس العرجاني الذي يحمل لقب مهندس، إدارة مجموعة "العرجاني جروب" العاملة بمجالات البناء والخدمات الأمنية، والتطوير العقاري، والسياحة، والصرافة، والزراعة، والاستيراد والتصدير، والإعلان والتسويق.
وتحتها شركات "أبناء سيناء"، و"مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار"، و"أبناء سيناء للتجارة والمقاولات العامة"، و"غلوبال أوتو" للسيارات، الشركة المصرية الخليجية، ومجلس أمناء مؤسسة "سيناء للخير والتنمية الاقتصادية".
وخلال مواجهات الجيش المصري في سيناء مع عناصر إجرامية وإرهابية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2014، دعا العرجاني قبائل سيناء في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، إلى تشكيل اتحاد للقبائل لمعاونة الجيش والشرطة ضد الإرهاب.
حينها كون مجموعة قتالية من قبائل الترابين، والسواركة، والأرميلات، والبياضية، والأخارسة، والدواغرة، تقدر بنحو 1000 عنصر مقاتل، كان لها دور حاسم في المعارك ضد "تنظيم الدولة" أو "ولاية سيناء"، كون مليشياته خبيرة بطبوغرافية الأرض وتضاريس سيناء، وهو الدور الذي نجح فيه العرجاني ومجموعته.
وقام الجيش المصري بتسليح تلك المليشيا بـ600 قطعة سلاح خفيفة، و100 قطعة متوسطة المدى، و50 سيارة جيب مصفحة، وفق تأكيد وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية في 28 أيلول/ سبتمبر 2018.
"صعود إلى القمة"
ورغم أن العرجاني لا يحمل أية صفة سياسية أو برلمانية أو تنفيذية، إلا أنه دائم الظهور إلى جانب السيسي، في لقاءات ومؤتمرات خاصة بسيناء، وذلك على الرغم من أن له سجلا إجراميا سابقا؛ ففي تموز/ يوليو 2010، اتهم باحتجاز ضباط وجنود مصريين، وبتهريب بضائع وسلاح عبر الأنفاق.
التحول المثير للجدل بدأ في أيار/ مايو 2014، عندما التقى السيسي، العرجاني، ضمن وفد من أهالي سيناء، ليتكرر الأمر علنيا وأمام الكاميرات في تموز/ يوليو 2021، ضمن وفد رجال الأعمال، حيث جرى تعيينه سفيرا بمبادرة "حياة كريمة" التي أطلقها السيسي.
بل ما كان لافتا، إسناد الجهات الأمنية المصرية أعمال إعادة إعمار غزة بعد معركة "سيف القدس" عام 2020، لشركات العرجاني، "أبناء سيناء" التي دخلت القطاع بالفعل في 2021، وتحكمت كذلك في تمرير البضائع للقطاع عبر معبر رفح، وسط مخاوف من قيام عناصر العرجاني بدور استخباراتي على المقاومة الفلسطينية.
كما شارك العرجاني، في كانون الأول/ يناير الماضي، بعرض التراث السيناوي، ضمن فعاليات منتدى شباب العالم في مدينة شرم الشيخ، الذي حضره السيسي.
وكان مثيرا للجدل، في كانون الثاني/ يناير الماضي، حصول "العرجاني جروب"، على حقوق النادي الأهلي التجارية ببطولة كأس العالم للأندية شباط/ فبراير الماضي، فيما جرى توقيع تحالف استراتيجي بين النادي ومؤسسة العرجاني، للقيام بالعديد من الإنشاءات، بينها استاد الأهلي.
وأثار موكب العرجاني المهيب في سيناء الشهر الماضي، الذي ضم عشرات أفخم السيارات والماركات العالمية، الانتقادات، وذلك في مقطع وصفه فيه بعض أهالي سيناء بأنه "أسد سيناء"، و"رئيس جمهورية سيناء".
كما كان مثيرا للجدل، ظهوره إلى جانب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال زيارته لسيناء في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
حينها استفز هذا المشهد الصحفي جمال سلطان، الذي انتقد مرافقة رئيس وزراء مصر، وقائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع، وقيادات بالمخابرات العامة والحربية، وبعض الوزراء ومحافظ شمال سيناء، لـ"تاجر المخدرات إبراهيم العرجاني، في زيارة لمقر الجيش بشمال سيناء (الكتيبة 101)".
"تغول وغموض"
وتثار الكثير من علامات الاستفهام حول العرجاني وأدواره في عمليات دموية كثيرة في سيناء بحق باقي القبائل، وفي تجارة السلاح والمخدرات، وفي أزمة طائرة زامبيا في الفضيحة المعروفة بـ"طائرة الذهب".
وارتبط اسم "اتحاد قبائل سيناء" مؤخرا بأحداث دامية في شبه الجزيرة المصرية، حيث أشارت أصابع الاتهام إليه في اشتباكات مقر "الأمن الوطني" بمدينة العريش 30 آب/ أغسطس الماضي، التي قتل فيها 8 أفراد على الأقل وأصيب العشرات.
كما أثارت واقعة قتل 3 من عناصر اتحاد قبائل سيناء في ظروف غامضة 13 آب/ أغسطس الماضي، بمدينة الشيخ زويد مسقط رأس العرجاني، الجدل، خاصة أنه تبعها أحداث مقر الأمن الوطني في العريش.
وبالتزامن، تفجرت قضية "طائرة الذهب"، الخاصة التي خرجت من القاهرة منتصف آب/ أغسطس الماضي، وجرى ضبطها في العاصمة الزامبية لوساكا وعلى متنها 5.7 ملايين دولار، و602 قطعة معدنية وأسلحة، و6 أشخاص بينهم ضباط ورجال أعمال مصريين، فيما أشارت تقارير لوجود العرجاني على متنها.
وتتوالى التقارير الإعلامية التي تؤكد وجود علاقة وطيدة بين العرجاني، وصداقة شخصية مع الرجل الأقوى بجهاز المخابرات العامة المصرية ونجل رئيس النظام، محمود السيسي، مبينة أنه في هذا الإطار يمكن فهم كيف تحول العرجاني من متهم مطلوب من الأمن إلى أحد أباطرة الاقتصاد في مصر.
ويتخوف مصريون من تحول العرجاني إلى نسخة ثانية من تاجر الجمال السوداني، الذي أصبح قائدا لقوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وتصل مخاوف المصريين إلى أن يتحول العرجاني ومليشياته إلى عنصر يهدد مستقبلا الجيش المصري، كما فعلت قوات "الجنجويد" بمواجهة الجيش السوداني منذ نيسان/ أبريل الماضي.
وكما قاد اللواء خليفة حفتر الانقلاب في ليبيا منذ العام 2015، ووفق ما فعل قائد قوات "فاغنر" الروسية في تموز/ يوليو الماضي، عبر انقلاب وصف بـ"الفاشل" ضد موسكو، التي ساهمت في تكوين قوات "فاغنر" عام 2014.
"على الجيش أن يخاف"
وحول دلالات إعادة تعين العرجاني بجهاز تنمية سيناء التابع للجيش، وما يستتبع تغول أدواره من مخاوف تحوله إلى حميدتي جديد، وعناصر اتحاد قبائل سيناء إلى دعم سريع آخر، تحدث الخبير العسكري وعضو هيئة تفتيش القوات المسلحة المصرية سابقا، العميد عادل الشريف، لـ"عربي21".
وتوقع أن "يقود العرجاني، بالفعل مليشيا داخل سيناء، وربما تكون محافظات القناة الثلاث (السويس والإسماعيلية وبورسعيد) -يمر بها شريان التجارة العالمي و12 بالمئة من التجارة الدولية- داخل دائرة نفوذه".
وفي السياق، توقع أيضا الشريف أن "يقود البلطجي صبري نخنوخ الجناح الأكبر، من تلك المليشيا"، فيما يرى الخبير العسكري المصري، أن "على الجيش المصري أن يخاف من تبعات تكوين تلك المليشيا".
ويعتقد أن "السيسي يقصد من توسيع نفوذ هذين الوغدين (العرجاني ونخنوخ) تخويف الجيش من أي محاولة انقلاب"، لافتا إلى أنها "صراعات ومعارك داخلية"، معلقا بقوله: "دعهم يطحن بعضهم بعضا".
وفي سياق ما يجري من حرب دائرة في قطاع غزة وتوجه إسرائيل إلى تفريغ القطاع وتهجير أهالي غزة إلى سيناء، توقع الشريف أن يكون للعرجاني دور فيما يثار حول توطين أهالي غزة في سيناء، وذلك مع تعاظم أدواره في سيناء وفي تعمير غزة سابقا.
وختم بالقول: "سيكون دور العرجاني هو إحكام السيطرة على النازحين من غزة وتفتيشهم لمصادرة ما لديهم، حتى لو كان (نبوت الغفير)"، في إشارة إلى نوع من الحلوى في مصر.
"واجهة بيزنس آل السيسي"
أحد النشطاء من أهالي سيناء، في حديثه لـ"عربي21"، قال؛ إننا "في شبه الجزيرة المصرية، شهود عيان على أدوار العرجاني منذ أن تحول من عدو للدولة المصرية ومدان بالاعتداء على أفراد الشرطة المصرية في عهد حسني مبارك، إلى أكبر متعاون مع الدولة المصرية في عهد السيسي منذ العام 2014".
وأكد الناشط الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن "العرجاني الواجهة الحقيقية لبيزنس آل السيسي"، موضحا أنه "واجهة لإدارة رأسمال طبقة تشكلت من خلال مشاريع البنية الأساسية في مصر، التي كانت تحتكرها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة".
وأشار إلى أن "قمة تعاون العرجاني ونظام السيسي، كان حين أسندوا إليه قيادة جماعة مسلحة تحت اسم (اتحاد قبائل سيناء)، خلفا لسالم أبو العرانيس أو (سالم لافي)، لمعاونة الجيش والشرطة بالحرب على الإرهاب بسيناء".
وقال الناشط السيناوي؛ إن "جائزة العرجاني الكبرى كانت بعد قرار السيسي، بتعيينه بمجلس إدارة (الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء)، ثم إسناد إعادة إعمار غزة لشركاته عام 2021".
وأوضح أن "العرجاني، يدير رأسمال مجهولة مصادره، وتحميه مليشيات عسكرية شاركت في تأمين عملية تهجير سكان شمال شرق سيناء".
وأكد أنه "الآن سيكون الوكيل الحصري لمشاريع التنمية في شمال سيناء التي أعلن عنها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي نهاية الشهر الماضي، كرد فعل سريع ودعائي بعد طلب العدو الصهيوني رسميا، وبضغوط أمريكية من مصر تهجير الغزاوية لسيناء".
وفي تقديره لما يثار من مخاوف حول تحول العرجاني ومليشياته إلى قوة عسكرية بمواجهة الجيش والشرطة المصريين، مثلما فعل السوداني حميدتي وقوات الجنحويد في السودان، قال الناشط السيناوي: "كان هذا ممكنا قبل (طوفان الأقصى)".
وأوضح أنه "بعد حرب غزة التي بدأت 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تغيرت موازين القوى والتحالفات في المنطقة، وما استتبعها من إعادة تموضع جماعات النفوذ داخل السلطة على حساب نفوذ السيسي".
وتابع: "وأيضا الاقتصاد سيكون ضاغطا على السيسي؛ لأن كل المشاريع التي أُنشأت في سيناء كلها كانت على ضوء إدماج العدو الصهيوني في اقتصاد المنطقة، عن طريق عمليات التطبيع المتواترة والمتسارعة معه".
وأشار في نهاية حديثه إلى أنه "أصبحت لهم استحقاقات كانت مؤجلة بسبب حربهم المعلنة على الإرهاب، الآن أصبحت مطروحة بقوة، حتى من الجماعات التي كانت داعمة لتلك الحرب، وأهمها قضية تمليك الأراضي وعودة المهجرين".
"قوات مشتركة"
وربط الكاتب مصطفى هشام، بين إعادة تعيين العرجاني بـ"الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء"، وبين احتمال أن "يتم إضافة اتحاد قبائل سيناء للجيش، أو تكون مسؤولة عن الأمن في سيناء (كقوات مشتركة) للدول المتعاونة اقتصاديا في سيناء".
ولفت إلى أن "حميدتي في السودان كان راعي إبل، والعرجاني كان تاجر مخدرات، وحميدتي عمل مليشيا بغرض حماية القوافل التجارية، والعرجاني ينضم لجهاز اقتصادي تجاري؛ الغرض منه حماية المشروعات".
وأضاف: "ثم كبرت مليشيا حميدتي ثم انضم للجيش، والعرجاني كبرت قواته وانضم للجيش، ثم حميدتي تقاسم السلطة مع الجيش، وغدا العرجاني يتقاسم الإشراف على سيناء مع الجيش، ثم في النهاية حميدتي يطحن في الجيش السوداني، وسيفعلها العرجاني في سيناء".